كيفية تيمم الغسل في الإسلام

كيفية تيمم الغسل

إنّ من مظاهر رحمة الإسلام وتيسيره على العباد، ما شرعه من بدائل حين تعذر أداء العبادات على الوجه الكامل المعتاد، ومن ذلك التيمم بديلًا عن الغُسل والوضوء في حال فقدان الماء أو تعذر استعماله. والتيمم في الشريعة الإسلامية ليس مجرد رخصة بل هو عبادة مستقلة بأحكامها وشروطها، وله مكانته في الفقه الإسلامي، وقد اتسع فيه النظر عند العلماء، خصوصًا فيما يتعلق بتيمم الغسل، لما له من خصوصية في الطهارة الكبرى.

يتناول هذا المقال بيان تيمم الغسل: تعريفه، وأدلته، وأحكامه، وطرقه، وشروطه، ومبطلاته، مع بيان التفصيلات الفقهية التي وردت فيه من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة، مع مراعاة التيسير المدعوم بالأدلة الصحيحة.

تعريف تيمم الغسل

التيمم لغةً هو القصد، وشرعًا هو: القصد إلى الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين بنيّة الطهارة عند تعذر استعمال الماء.

أما تيمم الغسل، فهو: أن يقصد المسلم الصعيد الطيب (التراب أو ما في حكمه) لمسح الوجه واليدين بنيّة رفع الحدث الأكبر (أي الجنابة أو الحيض أو النفاس) في حال تعذر الغسل بالماء لعذر معتبر.

مشروعية تيمم الغسل ودليله

ثبتت مشروعية التيمم للغسل بالنصوص الصريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع:

أولًا: القرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا۟ مَآءً فَتَيَمَّمُوا۟ صَعِيدًۭا طَيِّبًۭا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ﴾

[النساء: 43]

ثانيًا: السنة النبوية

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنا في سفر مع النبي ﷺ، فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: “ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟” قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: “عليك بالصعيد فإنه يكفيك” [رواه البخاري ومسلم].

ثالثًا: الإجماع

اتفق العلماء على جواز التيمم بديلًا عن الغسل في حال تعذر استعمال الماء، سواء بسبب فقده أو لضرر يُخشى من استعماله.

شروط تيمم الغسل

يُشترط لصحة تيمم الغسل عدة أمور، منها:

1. انعدام الماء أو تعذر استعماله
   
   كأن يكون الشخص في مكان لا يوجد فيه ماء، أو يوجد ولكن لا يمكنه استعماله بسبب المرض أو البرد الشديد، أو الخوف من الضرر، أو العجز الجسدي.

2. دخول وقت الصلاة (عند بعض العلماء)
   
   فذهب بعض الفقهاء إلى أن التيمم لا يُشرع إلا بعد دخول الوقت، أما جمهور العلماء فأجازوه قبل دخول الوقت إن تحققت الأعذار.

3. النية
   
   وهي شرط أساسي، ويُشترط أن ينوي رفع الحدث الأكبر بالتيمم، لأن الغسل رُكنه الأساسي النية.

4. استعمال صعيد طيب
   
   وهو كل ما صعد على وجه الأرض من تراب أو حجر أو رمل، بشرط ألا يكون نجسًا.

5. الترتيب والموالاة عند البعض
   
   أي أن يبدأ بمسح الوجه ثم اليدين، مع عدم الفاصل الطويل بينهما.

صفة تيمم الغسل

كيفية أداء تيمم الغسل هي نفسها كيفية تيمم الوضوء، غير أن النية تكون بنية رفع الحدث الأكبر، وصفته كالتالي:

1. النية
   
   ينوي الشخص التيمم بديلًا عن الغسل لرفع الحدث الأكبر، كأن يقول في نفسه: “نويت التيمم عن الجنابة” أو “نويت التيمم عن الحيض”، دون الحاجة للنطق بالنية.

2. ضرب اليدين على الصعيد الطيب
   
   يضرب بيديه (كفّيه) على التراب أو ما في حكمه ضربة واحدة، عند جمهور العلماء.

3. مسح الوجه كاملًا
   
   يمرّ بكفّيه على وجهه حتى يعمّه بالمسح.

4. مسح اليدين إلى المرفقين (أو الكوعين)
   
   عند الحنفية لا يجب إلا إلى الكوعين، وعند المالكية والشافعية والحنابلة يُستحب إلى المرفقين.

ويُكتفى بهذا، إذ لم يرد في الشرع مسح بقية البدن عند التيمم، وإن كان التيمم بدلًا عن الغسل.

حالات يُشرع فيها تيمم الغسل

1. الجنابة
   
   إذا أصيب الإنسان بجنابة ولا يستطيع الاغتسال لعدم وجود الماء أو لمرض.

2. الحيض والنفاس للمرأة
   
   إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس ولم تجد الماء أو تعذر عليها استعماله، جاز لها التيمم.

3. المرض أو العجز الجسدي
   
   كمن يكون في غيبوبة، أو مصابًا بكسر، أو في وضع صحي لا يسمح له باستعمال الماء.

4. الخوف من الضرر
   
   كمن يكون في مكان شديد البرودة، ويخشى على نفسه من استخدام الماء ولا توجد وسيلة لتسخينه.

الفرق بين تيمم الغسل وتيمم الوضوء

الأمور التي تُبطل تيمم الغسل

1. وجود الماء
   
   إذا وجد الماء بعد التيمم ولم يكن معذورًا في ترك استعماله، وجب عليه الغسل بالماء إن كان الحدث باقٍ.

2. زوال العذر
   
   إذا كان سبب التيمم مرضًا وزال المرض، أو كان الخوف من ضرر فزال الضرر، بطل التيمم.

3. الحدث الجديد
   
   إذا أحدث الشخص بعد التيمم (كالخروج من السبيلين) وجب عليه الطهارة من جديد حسب نوع الحدث.

4. انتهاء الوقت عند من يشترطونه
   
   بعض الفقهاء (كالشافعية) يرون أن التيمم مخصص بوقت الصلاة، فإذا خرج الوقت بطل التيمم.

أقوال العلماء في تيمم الغسل

• الحنفية: يرون أن التيمم رافع للحدث الأكبر والأصغر ما دام العذر قائمًا.

• المالكية: يعتبرونه مبيحًا لا رافعًا للحدث، بمعنى أنه يُباح به الصلاة لكن لا يرفع الحدث إلا بالماء.

• الشافعية: يرون أن التيمم لا يُغني عن الغسل إلا في الوقت الذي يُصلَّى فيه، وإذا وجد الماء وجب استعماله.

• الحنابلة: يرون أن التيمم يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا حتى يجد الماء أو يزول العذر.

مسائل فقهية تتعلق بتيمم الغسل

• هل يجوز الجمع بين نية التيمم للغسل والوضوء؟
  
  نعم، يكفي نية رفع الحدث الأكبر لتشمل الأصغر، ولا يلزم نية مستقلة لكل منهما.

• هل يجوز التيمم بالحائط أو الحجر الأملس؟
  
  إذا كان عليه غبار أو يُعدّ من جنس الأرض، فيصح التيمم به، وإلا فلا.

• هل يُشرع التيمم لمن خاف فوات الصلاة؟
  
  نعم، يُشرع التيمم إن خشي فوات وقت الصلاة أو صلاة الجماعة، بشرط تعذر استعمال الماء.

• هل يجب الغسل إذا وُجد الماء بعد الصلاة بالتيمم؟
  
  لا تجب إعادة الصلاة، ولكن يجب الغسل للصلاة القادمة عند وجود الماء.

فقه الواقع وتطبيقاته المعاصرة

في العصر الحديث ومع التقدم الطبي والظروف الاستثنائية، تتوسع الحاجة لفهم أحكام التيمم، خاصة:

• في غرف العناية المركزة.

• أثناء وجود الجبائر والضمادات.

• عند انقطاع الماء في الرحلات أو المناطق النائية.

• في البيئات ذات البرد القارس أو الطقس السيئ.

• أثناء أداء العمرة أو الحج في حالات الطوارئ.

وهنا تأتي أهمية معرفة فقه التيمم على وجه التفصيل، لتأدية العبادات بصورة صحيحة وموافقة للشرع.

خلاصة

تيمم الغسل رخصة شرعية تفتح بابًا واسعًا للتيسير ورفع الحرج، وتدل على رحمة الإسلام وتكامله، إذ لم يجعل عبادة إلا وجعل لها بدائل عند الضرورة. ومع ذلك، فالأصل هو الغسل بالماء متى ما تيسر، ولا يُصار إلى التيمم إلا عند فقده أو تعذر استعماله، وبهذا يتحقق مقصد الطهارة كمدخل للعبادة والخشوع.

المراجع

1. “الفقه الإسلامي وأدلته” – د. وهبة الزحيلي

2. “الموسوعة الفقهية الكويتية” – وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية