كيف يحصل الشخص على أصدقاء جدد بعد أن يكبر؟
تعد مرحلة البلوغ والتقدم في السن من الفترات التي يصعب فيها العثور على أصدقاء جدد كما كان الحال في مراحل الحياة المبكرة. فعلى الرغم من أن الأشخاص في مراحل الشباب والمراهقة غالباً ما يمتلكون دائرة واسعة من الأصدقاء، إلا أن دخول مرحلة البلوغ قد يجعل من الصعب التواصل مع الآخرين وإقامة علاقات جديدة. لكن الأمر لا يعني استحالة تكوين صداقات جديدة، إذ أن العديد من الأشخاص في مرحلة البلوغ يجدون طرقًا فعّالة لبناء علاقات جديدة تنبثق من تجارب حياتية ناضجة ورغبة حقيقية في التواصل مع الآخرين.
1. التحديات التي يواجهها الشخص في تكوين صداقات جديدة بعد البلوغ
في مرحلة البلوغ، يواجه الشخص عدة تحديات تجعل من الصعب تكوين صداقات جديدة. أولاً، يختلف نمط الحياة، حيث يصبح لدى العديد من البالغين جداول أعمال مكتظة بالعمل والواجبات العائلية، مما يقلل من الوقت المتاح للأنشطة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الأشخاص في سن البلوغ أكثر تحفظًا في بناء علاقات جديدة بسبب الخبرات السابقة أو الخوف من الرفض الاجتماعي.
ثانيًا، مع تقدم العمر، يصبح لدى الشخص شبكات اجتماعية ثابتة قائمة على العلاقات العائلية أو المهنية، ويصبح من الصعب إحداث تغييرات جذرية في هذه الدوائر. فالتواصل مع أشخاص جدد يتطلب وقتًا ومجهودًا، وهذا قد يكون أقل اهتمامًا بالنسبة للبالغين الذين غالبًا ما يشعرون بأنهم قد اكتفوا من تكوين علاقات جديدة.
2. أهمية الأصدقاء في حياة البالغين
رغم التحديات التي قد يواجهها الشخص في مرحلة البلوغ، إلا أن العلاقات الاجتماعية الجديدة مهمة للغاية لصحة الشخص النفسية والجسدية. تشير الأبحاث إلى أن الأصدقاء لا يقدمون فقط الدعم العاطفي، بل يساعدون أيضًا في تحسين الصحة العقلية من خلال تقليل مستويات التوتر وتعزيز مشاعر السعادة. كما أن الأصدقاء الجدد يمكن أن يقدموا تجارب حياتية جديدة، ويعززون التفكير الإبداعي، ويساعدون في تجنب مشاعر الوحدة أو العزلة التي قد تكون أكثر تأثيرًا في مرحلة البلوغ.
3. كيف يمكن أن يبدأ الشخص في تكوين صداقات جديدة بعد البلوغ؟
أ. الفهم العميق للذات
تبدأ عملية تكوين صداقات جديدة عند البالغين من خلال الفهم العميق للذات. فالتعرف على القيم والمبادئ الشخصية يمكن أن يساعد في تحديد نوع الأشخاص الذين يتوافقون مع الشخص في اهتماماتهم وأهدافهم. عندما يعرف الشخص نفسه بشكل جيد، يصبح لديه القدرة على اختيار الأصدقاء الذين يتشاركون معه نفس الاهتمامات والرغبات في الحياة. قد يكون البحث عن أشخاص يشتركون في نفس القيم أو الهوايات نقطة انطلاق جيدة لبناء علاقات صحية.
ب. الاستفادة من الأنشطة الجماعية
الانضمام إلى الأنشطة الجماعية يعد من أهم الطرق التي يمكن من خلالها للشخص البالغ أن يلتقي بأشخاص جدد. هذه الأنشطة قد تكون مرتبطة بالعمل أو الهوايات أو حتى التطوع في مؤسسات خيرية. من خلال هذه الأنشطة، يستطيع الشخص التفاعل مع الآخرين في بيئة غير رسمية، مما يسهل فتح محادثات وبناء علاقات على أسس من الاحترام المتبادل.
يمكن أن تكون هذه الأنشطة مثل الانضمام إلى صفوف رياضية أو ثقافية أو فنية. فممارسة الرياضة مع الآخرين، على سبيل المثال، تعتبر وسيلة فعّالة للتواصل وبناء علاقات من خلال التعاون والمشاركة في التمارين والنشاطات الجماعية. الأنشطة التي تشمل الألعاب الجماعية أو الرياضات مثل كرة القدم أو السباحة تساعد على بناء صداقات تكون أكثر متانة، حيث أن هناك هدفًا مشتركًا يمكن العمل من خلاله.
ج. العودة إلى التعليم أو التدريب المهني
واحدة من أفضل الطرق لتوسيع دائرة المعارف والتعرف على أصدقاء جدد هي العودة إلى التعليم أو الالتحاق بالدورات التدريبية. سواء كانت الدورات تهدف إلى تطوير مهارات جديدة في مجال العمل أو مجرد اهتمام بمجال معين، فهي توفر بيئة جيدة للتواصل مع أشخاص آخرين لديهم نفس الاهتمامات. هذه البيئات الأكاديمية أو المهنية تمثل نقاط التقاء طبيعية تتيح للأفراد الفرصة للتعارف وبناء صداقات جديدة.
د. استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
مع تقدم التكنولوجيا، أصبحت منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات فعّالة للقاء أشخاص جدد. من خلال الانضمام إلى مجموعات متخصصة في المواضيع التي تهم الشخص أو الانخراط في منتديات نقاشية، يمكن للفرد أن يتواصل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم. ولكن يجب على الشخص أن يكون حذرًا في كيفية اختيار هذه المنصات للتأكد من أنها آمنة وتعزز من بناء علاقات حقيقية.
يمكن استخدام منصات مثل “لينكدإن” للتواصل المهني أو منصات أخرى مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” للانخراط في اهتمامات مشتركة، سواء كانت ثقافية أو رياضية أو فنية. يمكن أن تكون هذه المواقع بمثابة نقاط انطلاق لعلاقات جديدة، ولكن من المهم أن يتم التعامل مع هذه العلاقات بعناية لضمان أنها تؤدي إلى بناء صداقات دائمة.
هـ. تعزيز مهارات التواصل
لتحقيق النجاح في تكوين صداقات جديدة بعد البلوغ، من الضروري تحسين مهارات التواصل. القدرة على التواصل بفعالية تشمل الاستماع الجيد، وإظهار الاهتمام بالأشخاص الآخرين، والقدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار بشكل صريح وواضح. يمكن للشخص البالغ أن يعزز من هذه المهارات من خلال الانفتاح على الآخرين، وتعلم كيفية بناء الثقة والتعامل مع الآخرين بشكل يعزز من الاتصال والتفاعل الجيد.
4. كيف يمكن للبالغين الحفاظ على صداقاتهم الجديدة؟
عند تكوين صداقات جديدة، لا بد من بذل جهد للحفاظ عليها. العلاقات لا تكون دائمة إذا لم يُبذل فيها الوقت والجهد اللازم. من أهم الأسس التي تضمن استدامة هذه الصداقات هي الالتزام بالتواصل المنتظم، سواء كان عبر الرسائل أو المكالمات الهاتفية أو اللقاءات المباشرة. كما يجب على الشخص أن يكون مستعدًا لدعم أصدقائه في الأوقات الصعبة وأن يظل موجودًا للمشاركة في اللحظات الجيدة.
أيضًا، يمكن تعزيز الصداقات من خلال الاهتمام المشترك بنشاطات جديدة، مثل تنظيم الرحلات أو الأنشطة الاجتماعية التي تجمع الأصدقاء معًا. كما أن إظهار التقدير والاحترام المتبادل بين الأصدقاء يسهم بشكل كبير في استمرارية العلاقة على مر الزمن.
5. التحديات المستقبلية وتطوير العلاقات الاجتماعية
قد تظهر بعض التحديات في بناء العلاقات الاجتماعية في مراحل لاحقة من العمر، مثل الانشغال بالعمل أو العائلة أو حتى العوامل النفسية مثل القلق أو الخوف من الرفض. ومع ذلك، من المهم أن يظل الشخص منفتحًا على الفرص الاجتماعية، وأن يستمر في التعلم عن نفسه وعن الآخرين، مما يسهل تكوين علاقات تستمر لأمد طويل.
في الختام، تكوين صداقات جديدة في مرحلة البلوغ ليس أمرًا مستحيلًا، ولكنه يتطلب منهجًا مدروسًا واستخدامًا حكيمًا للوقت والفرص المتاحة. بالاستفادة من الأنشطة الاجتماعية المتنوعة، والانفتاح على التجارب الجديدة، يمكن للفرد أن يبني شبكة قوية من العلاقات الاجتماعية التي تعزز من جودة حياته الشخصية والمهنية.
