كيف تكون سعيداً وفقاً للعلم؟
السعادة هي إحدى أسمى الطموحات الإنسانية التي يسعى الجميع إلى تحقيقها. فهي ليست مجرد شعور عابر بل هي حالة نفسية وعاطفية تؤثر في كيفية التعامل مع الحياة والأشخاص والظروف المحيطة. في هذا المقال، سنتناول كيف يمكن للعلم أن يساعد في فهم السعادة وتحقيقها، عبر استعراض الأبحاث العلمية التي كشفت عن العوامل المؤثرة في الشعور بالسعادة وسبل تعزيزها.
السعادة كمفهوم علمي
لفترة طويلة، كان مفهوم السعادة محصورًا في النظريات الفلسفية والدينية. لكن في العقود الأخيرة، بدأ علماء النفس وعلماء الأعصاب والاجتماع في دراسة السعادة بشكل علمي، محاولين تحديد العوامل التي تؤثر عليها وكيف يمكن تعزيزها بشكل ملموس. علم النفس الإيجابي، الذي أسسه مارتن سليجمان في أواخر التسعينيات، يعتبر أحد أبرز المجالات التي تدرس السعادة من منظور علمي. وقد أظهر العديد من الدراسات أن السعادة ليست مجرد حدث عابر أو شعور لحظي، بل هي حالة مزاجية يمكن تحسينها وتعزيزها من خلال بعض التوجهات والأنماط الحياتية.
العوامل المؤثرة في السعادة
-
الوراثة والبيئة الجينية
تشير الدراسات إلى أن الجينات تلعب دورًا هامًا في تحديد مستوى السعادة الذي يشعر به الفرد. حيث تشير بعض الأبحاث إلى أن حوالي 50% من مشاعر السعادة والرفاهية يمكن أن تكون مرتبطة بالوراثة. فالأشخاص الذين يحملون جينات معينة قد يكونون أكثر عرضة للتمتع بمشاعر السعادة. ومع ذلك، فإن تأثير الوراثة ليس حتميًا، ويمكن للبيئة والعوامل الخارجية أن تلعب دورًا كبيرًا في تعديل هذه الاتجاهات الجينية. -
الظروف الاجتماعية والعلاقات الشخصية
لا شك أن العلاقات الاجتماعية هي أحد أبرز العوامل التي تؤثر في سعادة الإنسان. الدراسات العلمية أظهرت أن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية قوية ومستقرة يميلون إلى الشعور بالسعادة بشكل أكبر. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد لمدة 75 عامًا أن العلاقات القوية والداعمة هي العامل الرئيسي الذي يؤثر في سعادة الأشخاص وطول عمرهم. ويُعتقد أن الانتماء إلى جماعة أو أسرة محبة يعزز مشاعر الأمان ويحد من الشعور بالوحدة، ما يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية. -
العمل والإنجاز
يُعتبر العمل والإنجاز من العوامل الرئيسية التي تسهم في تعزيز السعادة. عندما يشعر الشخص بأنه يحقق أهدافه المهنية والشخصية، فإن ذلك ينعكس إيجابًا على شعوره بالرضا الداخلي. دراسة أُجريت على مجموعة من العاملين أظهرت أن الأشخاص الذين يحققون تقدمًا في حياتهم المهنية ويشعرون بأنهم مهمون في مكان عملهم يكونون أكثر سعادة من أولئك الذين يفتقرون إلى الإحساس بالإنجاز. -
المال والرفاهية المادية
من المعتقدات السائدة أن المال هو عامل رئيسي لتحقيق السعادة. لكن العلم يثبت أن المال قد يكون له تأثير محدود على السعادة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتلبية الاحتياجات الأساسية. دراسات علمية أظهرت أن الزيادة في الدخل تؤثر بشكل كبير على السعادة فقط حتى نقطة معينة، ثم يبدأ تأثير المال في التناقص. وبعبارة أخرى، بينما قد يساعد المال في تحقيق راحة مادية، فإن السعادة الحقيقية لا تأتي من المال بحد ذاته، بل من كيفية استخدامه وتوجيهه نحو تحسين نوعية الحياة. -
التقدير الذاتي والمشاعر الداخلية
إحدى العوامل الأساسية التي تسهم في السعادة هي مدى تقدير الشخص لذاته. الأشخاص الذين يمتلكون تقديرًا عميقًا لذاتهم ويمارسون التفاؤل عادة ما يكونون أكثر سعادة. هذا لأنهم قادرون على مواجهة التحديات بشكل إيجابي ويشعرون بالرضا عن أنفسهم مهما كانت الظروف. علم النفس الإيجابي يركز بشكل كبير على تدريب العقل على التفكير بشكل إيجابي، وهو ما يساعد في تعزيز السعادة الداخلية.
كيفية تحسين السعادة وفقاً للعلم
-
ممارسة الامتنان
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يكتبون يوميًا قائمة بالامتنان ويشعرون بالامتنان لما لديهم يكونون أكثر سعادة. الامتنان يساعد في تحويل التركيز بعيدًا عن ما ينقصنا إلى ما نملك بالفعل. وقد أظهرت دراسات علمية أن ممارسة الامتنان يمكن أن تحسن الصحة النفسية، وتزيد من مستويات السعادة بشكل كبير. -
ممارسة التمارين الرياضية
النشاط البدني له تأثير قوي على المشاعر العامة. إذ أظهرت العديد من الدراسات أن ممارسة الرياضة تساعد في زيادة مستويات الإندورفين، وهو المركب الكيميائي الذي يساهم في تحسين المزاج ويشعر الشخص بالسعادة. حتى الأنشطة الرياضية المعتدلة مثل المشي أو ركوب الدراجة يمكن أن تؤدي إلى تحسين الحالة المزاجية وزيادة الشعور بالرفاهية. -
التأمل واليقظة الذهنية (Mindfulness)
من التقنيات التي أظهرت فاعليتها في تعزيز السعادة هي التأمل واليقظة الذهنية. تشير الأبحاث إلى أن التأمل يمكن أن يساعد في تقليل مستويات التوتر والقلق، ما يعزز الشعور بالسلام الداخلي. ممارسة اليقظة الذهنية تساعد الشخص في التفاعل بشكل إيجابي مع اللحظة الراهنة بدلاً من الانشغال بالقلق بشأن المستقبل أو الندم على الماضي. -
التركيز على العطاء والمساعدة
الإنسان بطبيعته يميل إلى الشعور بالسعادة عندما يساعد الآخرين. الدراسات النفسية أثبتت أن العطاء والمشاركة في الأعمال الخيرية يمكن أن يعزز مستويات السعادة. الأشخاص الذين يتطوعون ويشاركون في الأنشطة الاجتماعية يتفاعلون بشكل إيجابي مع العالم من حولهم، ما يساعد في تعزيز مشاعر الرضا الداخلي. -
تعلم مهارات التكيف مع الضغوط
القدرة على التكيف مع التحديات والضغوط الحياتية تلعب دورًا مهمًا في الشعور بالسعادة. الأشخاص الذين يتعلمون كيفية إدارة الضغوط الحياتية وتطوير مهارات التكيف يكونون أكثر قدرة على الحفاظ على استقرارهم النفسي في مواجهة الصعوبات. تقنيات مثل العلاج المعرفي السلوكي تساعد في تغيير الأفكار السلبية إلى أفكار أكثر إيجابية.
خلاصة
السعادة هي حالة ذهنية معقدة تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل، بدءًا من الوراثة والعلاقات الاجتماعية وصولًا إلى التقدير الذاتي والممارسات اليومية. العلم أثبت أن السعادة ليست مجرد شعور عابر بل هي مهارة يمكن تعلمها وتعزيزها من خلال مجموعة من الأنشطة والتوجهات الحياتية. من خلال ممارسة الامتنان، الانخراط في الأنشطة الرياضية، التأمل، والتركيز على العطاء، يمكن للمرء أن يعزز سعادته ويعيش حياة مليئة بالرضا الداخلي.
