المشي وحماية الدماغ من الانكماش

المشي وربما حمايته للمخ من الانكماش في الشيخوخة

تعد الشيخوخة مرحلة طبيعية في دورة حياة الإنسان، ولكنها تأتي مع تحديات صحية متعددة تؤثر على الجسم والعقل مع مرور الزمن. من بين أهم هذه التحديات هو التدهور العقلي الذي قد يصاحب التقدم في السن، حيث يُعاني العديد من الأشخاص من مشاكل في الذاكرة والتركيز، بل وقد يصل الأمر إلى الإصابة بأمراض مثل الخرف والزهايمر. ورغم أن التقدم في السن ليس مرادفًا بالضرورة لفقدان القدرات العقلية، إلا أن هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن نمط الحياة الصحي يمكن أن يساعد في تقليل فرص الإصابة بهذه المشاكل. واحدة من الأنشطة البدنية التي أظهرت الدراسات الحديثة أنها قد تسهم في الحفاظ على صحة الدماغ هي المشي.

تأثير المشي على صحة الدماغ

المشي هو من أسهل وأبسط أشكال النشاط البدني الذي يمكن للإنسان أن يمارسه. على الرغم من ذلك، فإنه يحمل العديد من الفوائد الصحية، بما في ذلك تحسين صحة الدماغ. أظهرت العديد من الأبحاث أن المشي يمكن أن يساعد في الحفاظ على حجم الدماغ ويقلل من خطر انكماش المخ الذي يُعزى إلى التقدم في العمر. يُعتبر الانكماش الدماغي من المؤشرات المبكرة لتدهور الوظائف المعرفية، مثل الذاكرة والتركيز. ولذلك، فإن المشي قد يكون له دور كبير في الوقاية من هذا الانكماش ومنع تطور الأمراض العقلية.

الآلية التي يساهم بها المشي في حماية المخ

الفوائد التي يحققها المشي للدماغ لا تقتصر فقط على تحسين الحالة الجسدية العامة، بل تشمل أيضًا تعزيز الدورة الدموية في المخ. فالمشي يحفز تدفق الدم بشكل أكبر إلى المخ، مما يساعد في إيصال الأوكسجين والمواد المغذية اللازمة لأداء وظائف المخ بشكل جيد. هذا الزيادة في تدفق الدم تدعم نمو خلايا دماغية جديدة وتحسن الترابط بين الخلايا العصبية، الأمر الذي يساهم في تعزيز الذاكرة والوظائف المعرفية.

كما أن المشي يعزز من إفراز المواد الكيميائية التي تحسن المزاج وتخفف التوتر، مثل الإندورفين والدوبامين. هذه المواد يمكن أن تساعد في الحد من الإجهاد والقلق، وهما عاملان معروفان بتأثيرهما السلبي على الصحة العقلية. من المعروف أن الإجهاد المزمن يمكن أن يؤدي إلى تدهور وظائف الدماغ، ولذلك فإن التخلص منه من خلال النشاط البدني مثل المشي قد يكون مفيدًا للغاية.

الأدلة العلمية حول العلاقة بين المشي وصحة الدماغ

عدد من الدراسات العلمية دعمت هذه الفكرة، وأكدت أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام، مثل المشي، يتمتعون بوظائف عقلية أفضل مقارنةً بالأشخاص الذين لا يمارسون النشاط البدني. إحدى الدراسات التي نشرت في مجلة “نيورولوجي” أظهرت أن الأشخاص الذين يمارسون رياضة المشي بانتظام يكون لديهم حجم دماغ أكبر مقارنةً بمن لا يمارسون أي نوع من النشاط البدني. كما أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يمشون لأكثر من ثلاث ساعات أسبوعيًا كانوا أقل عرضة للتعرض لتدهور إدراكي مرتبط بالعمر.

أما دراسة أخرى نشرتها “مؤسسة الزهايمر” فقد أظهرت أن المشي يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وأشار العلماء إلى أن النشاط البدني المنتظم قد يساعد في تحسين الصحة العصبية عن طريق زيادة حجم منطقة الحُصين في الدماغ، وهي المنطقة المرتبطة بالتعلم والذاكرة.

دور المشي في تعزيز التعلم والذاكرة

من الفوائد الأخرى التي أظهرها المشي هي تأثيره على تحسين الذاكرة والتعلم. تشير الأبحاث إلى أن المشي قد يساعد في تحفيز مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة مثل الحُصين والقشرة الدماغية. هذه الزيادة في نشاط الدماغ يمكن أن تسهم في تحسين القدرة على التعلم وحل المشكلات.

علاوة على ذلك، فإن المشي يمكن أن يساهم في تحسين التركيز والانتباه. فخلال المشي، يتم تعزيز التنسيق بين الجسم والعقل، مما يجعل الدماغ أكثر قدرة على التركيز وتنظيم الأفكار.

التأثير الوقائي للمشي ضد الأمراض العصبية

المشي قد يكون له أيضًا تأثير وقائي ضد بعض الأمراض العصبية المرتبطة بالتقدم في العمر مثل الخرف والزهايمر. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من تدهور عصبي يتجلى في مشاكل معرفية، مثل الذاكرة، يكون لديهم فوائد كبيرة من الأنشطة البدنية المعتدلة مثل المشي. وبالخصوص، الأشخاص الذين يمشون بانتظام يمكنهم الحفاظ على قدرة معرفية أفضل في وقت لاحق من حياتهم مقارنةً بمن لا يمارسون النشاط البدني.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون المشي بمثابة أداة فعالة لتحسين القدرات الإدراكية لدى الأفراد الذين يعانون من مشاكل عقلية بسيطة أو مشاكل الذاكرة المتعلقة بالشيخوخة. النشاط البدني يمكن أن يساعد في تقليل الالتهاب العصبي وتحسين التوصيل العصبي، مما يساهم في تعزيز صحة الدماغ بشكل عام.

مشي الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية

حتى الأفراد الذين يعانون من بعض المشاكل الصحية يمكنهم الاستفادة من المشي. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو داء السكري النوع 2 يمكنهم تحسين حالتهم الصحية العامة من خلال المشي المنتظم. إذا كان للمشي تأثير إيجابي على هذه الحالات، فإنه لا شك سيسهم في تحسين صحة الدماغ أيضًا، حيث إن العديد من الأمراض المزمنة تؤثر سلبًا على صحة الدماغ والقدرة العقلية.

كيف يمكن البدء في ممارسة المشي بشكل منتظم؟

لتبدأ في تحقيق فوائد المشي على الدماغ، لا يتطلب الأمر بالضرورة ساعات طويلة من المشي كل يوم. يمكن لأي شخص أن يبدأ بدمج بضع دقائق من المشي في روتينه اليومي. يبدأ البعض بمعدل مشي بسيط يتراوح بين 10 إلى 15 دقيقة يوميًا، ثم يزداد تدريجياً إلى 30 دقيقة في اليوم أو أكثر. يُنصح بالمشي في بيئة هادئة وطبيعية، حيث يمكن لذلك أن يساهم في تقليل التوتر وتهدئة العقل.

خلاصة

المشي هو نشاط بدني بسيط يمكن أن يقدم فوائد كبيرة لصحة الدماغ، وخاصة مع تقدم السن. أظهرت الدراسات أن المشي المنتظم قد يساعد في الوقاية من الانكماش الدماغي المرتبط بالتقدم في العمر، ويحسن الذاكرة والتركيز، ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض العصبية مثل الزهايمر. لا يحتاج المشي إلى معدات معقدة أو وقت طويل؛ بل يمكن أن يصبح جزءًا من روتين الحياة اليومية، مما يعزز صحة الدماغ ويحسن جودة الحياة بشكل عام.

إن اتخاذ خطوة بسيطة مثل المشي اليومي قد يكون أحد أفضل الوسائل للحفاظ على صحة الدماغ وتحسين القدرات المعرفية مع تقدم العمر، مما يجعلنا أكثر قدرة على التمتع بحياة نشطة ومليئة بالفرح والاستقلالية.