كيفية الصلاة جالسًا في الإسلام

كيفية الصلاة وأنا جالسة: الأحكام والضوابط الشرعية بالتفصيل

الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي صلة بين العبد وربه، لا تسقط عن المسلم المكلف ما دام عقله ثابتاً، لكن الشريعة الإسلامية جاءت بتشريعات مرنة تراعي أحوال المكلفين وقدراتهم، ومن هذه الرخص الصلاة جالسًا لمن لا يستطيع الصلاة قائمًا. وقد فصّل الفقهاء هذه المسألة بدقة مستندين إلى القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وبيّنوا الحالات التي يجوز فيها الجلوس في الصلاة، وكيفية الأداء، والاختلافات بين المذاهب، وكل ما يتعلق بهذه المسألة من ضوابط وأحكام.

مشروعية الصلاة جالسًا في القرآن والسنة

جاءت أدلة واضحة تؤسس لمشروعية الصلاة جالسًا لمن يعجز عن القيام. قال الله تعالى:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]

وهي قاعدة فقهية عامة تدعو إلى أداء العبادة بما يتناسب مع القدرة والاستطاعة.

وجاء في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال له:

“صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب”

وهذا الحديث أصل عظيم في التيسير ورفع الحرج، وبه تُفهم مرونة أداء الصلاة عند العجز الجسدي.

الحالات التي يجوز فيها الصلاة جالسًا

أجمع العلماء على أن القيام في الصلاة المفروضة ركن من أركانها، لكن يسقط هذا الركن عند العجز، وبيّنوا أن الحالات التي تبرر الصلاة جالسًا تشمل:

1. المرض الذي يمنع من القيام أو يسبب مشقة شديدة.

2. الخوف من تدهور الحالة الصحية عند القيام.

3. وجود ألم مزمن في الركبتين أو الظهر أو المفاصل.

4. الإصابة المؤقتة أو الدائمة، كالكسور أو الشلل.

5. الحمل المتعب أو في أشهر الحمل الأخيرة إذا كان الوقوف يشكل خطرًا.

6. الضعف الشديد لدى كبار السن.

ويشترط في هذه الحالات أن يكون القيام مؤلمًا أو مضرًا أو غير ممكن، أما إذا كان القيام ممكنًا بدون مشقة، فلا يجوز الصلاة جالسًا في الفريضة.

كيفية الصلاة جالسًا بالتفصيل

تختلف كيفية الصلاة جالسًا بحسب الحالة الصحية، وقد ذكر الفقهاء تفصيلات دقيقة في الأداء والهيئة، وفيما يلي بيان لكيفية أدائها:

أولًا: هيئة الجلوس

• الجلوس على الأرض بالتربع: وهي الهيئة الأكثر استخدامًا في الفقه المالكي والشافعي، وتكون حين يصعب الانحناء الكامل.

• الجلوس مع مد الرجلين: يُستخدم عند وجود ألم في الركبتين، أو عند صعوبة التربع.

• الجلوس على كرسي: يجوز بشرط عدم القدرة على الجلوس على الأرض، ويجب أن يكون الكرسي ثابتًا وغير مرتفع بحيث يكون أقرب إلى هيئة الجلوس على الأرض.

ثانيًا: الركوع والسجود

• إن استطاع الركوع والسجود على الأرض، وجب عليه فعلهما.

• إذا لم يستطع السجود على الأرض، فيومئ برأسه:

  • الركوع يكون بإيماءة خفيفة.

  • السجود يكون بإيماءة أشد انخفاضًا من الركوع.

ثالثًا: الترتيب والنية

• النية شرط لصحة الصلاة سواء كانت صلاة نافلة أو فريضة، ويجب أن تكون النية واضحة بالقلب.

• الترتيب بين الأركان كما هو في الصلاة العادية.

• قراءة الفاتحة وسورة قصيرة (في الصلاة السرية) لا تختلف عند الجلوس.

أداء الصلاة جالسًا على كرسي

الصلاة على الكرسي أصبحت شائعة في المساجد والمنازل خصوصًا بين كبار السن، ولها ضوابط مهمة:

ويجب الانتباه إلى أن الكرسي لا يكون مرفوعًا بشكل كبير عن الأرض حتى لا يختلف عن هيئة الجلوس العادية، والأفضل أن يثبت السجادة تحته ليكون اتجاه السجود صحيحًا.

الفرق بين الصلاة الجالسة في الفريضة والنافلة

• في الفريضة: لا تجوز الصلاة جالسًا إلا عند العذر الشرعي، ويُثاب المصلي الثواب الكامل لقيامه بما يقدر عليه.

• في النافلة: يجوز الصلاة جالسًا حتى بدون عذر، لكن يُنقص أجرها للنصف، لحديث النبي ﷺ:
  
  “من صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم…” [رواه البخاري]

أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة جالسًا

• لا يجوز الجلوس في الفريضة لمجرد الكسل أو الترف.

• لا يشترط إعادة الصلاة عند تحسّن الحالة بعد الأداء الجالس.

• إذا بدأ الصلاة قائمًا ثم عجز أثناءها، فيكملها جالسًا، ولا إعادة عليه.

• القيام في تكبيرة الإحرام ركن لا يسقط إلا بالعجز، فمن لم يستطع فعله، كبّر جالسًا.

مواقف المذاهب الفقهية في المسألة

1. المذهب الحنفي

يرى وجوب القيام في الفريضة إلا لعذر، وإذا عجز عن الركوع والسجود، أومأ بهما، ويجب أن يكون السجود أخفض من الركوع.

2. المذهب المالكي

يُجيز الصلاة قاعدًا عند العذر، ويركز على هيئة التربع في الجلوس، ويجيز الإيماء عند الضرورة.

3. المذهب الشافعي

يُفصّل بين الفريضة والنافلة، ويؤكد على الإيماء عند العجز، ويشترط ترتيب الأركان حتى في الصلاة جالسًا.

4. المذهب الحنبلي

يعتمد الحديث النبوي في التيسير، ويُعلي من شأن النية والنية عند الانتقال من القيام إلى الجلوس.

مسائل متعلقة بالصلاة جالسًا

صلاة الجماعة للمُصلي الجالس

إذا كان الإمام جالسًا لعذر، يصلي المأمومون جلوسًا خلفه، أما إذا صلى الإمام قائمًا، فلا يجوز للمأموم الجلوس دون عذر.

صلاة المريض في المستشفى

يجوز للمريض أن يصلي على السرير جالسًا أو مستلقيًا حسب حالته، ولا يُسقط عنه الصلاة ما دام عقله حاضرًا.

الصلاة جالسًا في الطائرة أو القطار

في حالة العجز عن القيام والركوع والسجود، تُؤدى الصلاة بالإيماء، مع استقبال القبلة حسب الإمكان.

الفتوى المعاصرة

أجمعت اللجان الدائمة والهيئات الفقهية المعاصرة، مثل “مجمع الفقه الإسلامي” و”اللجنة الدائمة للإفتاء” في المملكة العربية السعودية، على صحة الصلاة جالسًا لعذر صحي دائم أو مؤقت، وأكدت على أهمية الاحتياط في الإيماء، وأداء الأركان بحسب القدرة.

خلاصة الضوابط الشرعية لأداء الصلاة جالسًا

أهمية النية والطمأنينة في الصلاة جالسًا

على الرغم من التيسير الممنوح في الصلاة جالسًا، فإن المطلوب من المسلم أن يُظهر الخشوع والطمأنينة في جميع أركان الصلاة، وأن يستحضر عظمة الموقف، فلا يكون أداؤه ميكانيكيًا أو سطحيًا.

فالنية الصادقة تعوض النقص في العمل، والإخلاص يُضفي على العبادة بُعدًا روحيًا يجعلها متقبلة بإذن الله، سواء أُديت قائمًا أو جالسًا أو مضطجعًا.

الخاتمة

الصلاة الجالسة رخصة عظيمة تدل على رحمة الإسلام وواقعيته في التعامل مع ظروف الإنسان. وقد بيّن الفقهاء كل ما يتعلق بها من ضوابط وهيئات وأركان على نحو يُراعي حالة المسلم الصحية والنفسية، مما يُيسر عليه أداء هذه العبادة العظيمة دون تفريط أو تعنت. ويتوجب على المسلم الحرص على أدائها كما شرع الله تعالى، والبحث عن الفتوى الدقيقة عند وجود حالة خاصة، حفاظًا على صحة العبادة وكمالها.

المراجع

1. صحيح البخاري، كتاب التهجد.

2. “الفقه الإسلامي وأدلته” – د. وهبة الزحيلي.