كيفية التطهر من المذي

كيفية التطهر من المذي

يُعد المذي من المسائل الفقهية المهمة التي تتعلق بالطهارة، ويقع فيها كثير من الناس بسبب الجهل أو التهاون في أحكامها، وقد أولاها العلماء اهتماماً خاصاً لما يترتب على حكمها من آثار تمس صحة العبادة. والمذي في الإسلام له تعريف دقيق وحكم شرعي واضح، يتطلب الفهم والاتباع الدقيق لما ورد في السنة النبوية وأقوال الفقهاء المعتبرين.

هذا المقال يستعرض بشكل موسع طبيعة المذي، وحكمه، والطريقة الصحيحة للتطهر منه، مع التفصيل في الفروق بينه وبين غيره من الإفرازات، مع بيان أقوال أهل العلم في المسائل المتفرعة عنه، استناداً إلى أدلتهم من القرآن الكريم والسنة النبوية، وآراء المذاهب الفقهية الأربعة.

تعريف المذي في اللغة والاصطلاح

المذي في اللغة: هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو التفكير بالشهوة، ولا يعقبه فتور، ويكون عادة دون شعور أو إرادة من الإنسان.

وفي الاصطلاح الفقهي: هو سائل أبيض رقيق يخرج من القُبل عند شدة التفكير أو التقبيل أو المداعبة أو الرغبة الجنسية، دون وصول إلى الذروة (الإنزال)، ويخرج غالباً دون دفق ولا لذة تامة، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه، ولذلك يكثر خروجه عند الشباب خاصة.

الفرق بين المذي والمني والودي

أسباب خروج المذي

• التهيّج الجنسي سواء بالنظر أو التفكير أو التخيل.

• الملاعبة أو المداعبة بين الزوجين.

• الضغط على منطقة الحوض أو المثانة.

• بعض الحالات الطبية أو الاضطرابات النفسية قد تؤدي إلى سهولة خروج المذي.

• كثرة احتباس البول أو الإمساك.

حكم المذي في الإسلام

نجاسة المذي:

اتفق الفقهاء على أن المذي نجس، ويجب تطهير ما أصابه من البدن أو الثياب. وقد ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:

“كنت رجلاً مذاءً، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته مني، فسأل، فقال: توضأ واغسل ذكرك.”

عدم وجوب الغسل:

لا يوجب المذي الغسل، وإنما يوجب الوضوء فقط، لأن خروجه لا يصل إلى حد الجماع أو الإنزال الكامل، وهذا ما دلّت عليه نصوص السنة النبوية، ومنها الحديث السابق.

كيفية التطهر من المذي

1. غسل موضع المذي من الجسد

يجب غسل الموضع الذي أصابه المذي من الفرج أو الجلد أو أي مكان من البدن. يكفي في ذلك صب الماء على الموضع مع الفرك الخفيف لإزالة النجاسة.

2. غسل الفرج كله وليس فقط مكان السائل

السنة أن يُغسل الذكر كاملاً، لما جاء في حديث علي رضي الله عنه:

“كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقداد أن يسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ”

[صحيح البخاري، صحيح مسلم].

3. الوضوء بعد غسل الموضع

يجب الوضوء بعد خروج المذي كما في الحدث الأصغر، ولا يكفي مجرد غسل العضو. أي أنه يجب غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، وفقاً لأركان الوضوء.

4. تغيير الثياب أو نضحها بالماء

إذا أصاب المذي الثوب، يجب غسل الموضع المصاب، أو يُكتفى بنضح الماء عليه، كما ورد في حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، قال:

“كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الوضوء، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك.”

5. لا يوجب الغسل الكامل

بالاتفاق، لا يجب الاغتسال الكامل بعد خروج المذي، إلا إذا صاحب خروجه إنزال للمني أو جماع. في الحالة العادية، يُكتفى بالغسل الموضعي والوضوء فقط.

تطهير الملابس من المذي

• في حال التيقن من مكان الإصابة: يجب غسل الجزء المصاب فقط.

• في حال عدم التيقن من الموضع بدقة: يستحب نضح الماء على المنطقة المحتملة، كما في الحديث.

• لا يشترط غسل الثوب كله، ما لم تعم النجاسة أكثره.

ما يُستحب فعله عند كثرة خروج المذي

1. الوضوء لكل صلاة إذا كان المذي يخرج بكثرة ولا يمكن منعه، ويُعرف ذلك عند الفقهاء باسم “السلس”.

2. الاستنجاء قبل كل وضوء: عند دخول وقت الصلاة.

3. وضع حائل (مثل منديل) يمنع انتشار المذي على الثياب.

4. تكرار الوضوء لا يُطلب إلا بعد اليقين بخروجه، فلا يُبطل الوضوء بمجرد الشك.

أحكام المذي للمرأة

كما أن المذي يخرج من الرجال، فهو قد يخرج من النساء أيضاً عند الإثارة أو المداعبة. وله ذات الحكم من حيث النجاسة ووجوب غسل الفرج والوضوء فقط دون الغسل الكامل.

وتغسل المرأة فرجها جيداً، ثم تتوضأ كوضوءها للصلاة.

أقوال المذاهب الفقهية

الفرق بين الطهارة من المذي في حال العذر وعدمه

• من به عذر دائم (سلس المذي): يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت، ويلزمه التحفظ (بوضع خرقة أو منديل) ليمنع انتشار النجاسة.

• من يخرج منه المذي أحياناً فقط: يجب عليه الطهارة كلما خرج، ولا يصح له الصلاة قبل ذلك.

الاحتراز من المذي

• اجتناب ما يثير الشهوة قدر الإمكان.

• عدم الإكثار من التفكير أو التخيّل المحفّز.

• المبادرة إلى قضاء الحاجة وعدم حبس البول.

• ممارسة الرياضة المعتدلة لتحسين التحكم العضلي في المنطقة التناسلية.

آثار عدم الطهارة من المذي على العبادات

• الصلاة لا تصح إذا لم يُتطهر من المذي، لأنه حدث أصغر ونجس.

• الطواف حول الكعبة لا يصح إلا بطهارة كاملة من الحدث والنجس.

• مس المصحف يشترط له الطهارة، والمذي ناقض للوضوء.

• قراءة القرآن من غير المصحف لا تشترط الوضوء، لكن الأفضل الطهارة.

الخاتمة

التطهر من المذي مسألة دقيقة في أحكامها، لكنها يسيرة في تطبيقها. يُظهر الإسلام فيها التيسير والوضوح، حيث بيّن النبي ﷺ أحكامها بلا تعقيد، وترك لنا سننًا واضحة للتطهر منها. إن فهم هذه الأحكام والتزامها هو مما يدل على تمام تعظيم المسلم لعباداته واهتمامه بطهارته التي هي شرط من شروط القرب من الله تعالى، والتهيؤ لمناجاته في الصلاة وغيرها.

المراجع:

1. صحيح البخاري – كتاب الوضوء.

2. المجموع شرح المهذب للنووي، دار الفكر.