من أين يستخرج الذهب؟
الذهب هو أحد المعادن الثمينة التي تعتبر من أقدم المواد التي استخدمها الإنسان على مر العصور. يتميز الذهب بخصائصه الفريدة، مثل قابليته العالية للطرق والسحب، ومقاومته للتأكسد، مما يجعله مادة مثالية لاستخدامات متعددة في مجالات مختلفة، مثل صناعة المجوهرات، العملات المعدنية، والإلكترونيات، بالإضافة إلى استخدامه في القطاع المالي كاحتياطي عالمي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين يأتي الذهب وكيف يتم استخراجه من باطن الأرض؟
الذهب في الطبيعة
الذهب عنصر طبيعي نادر للغاية في قشرة الأرض. يتواجد الذهب في الطبيعة في شكل خامات معدنية متنوعة. يُعدّ الذهب من العناصر الكيميائية ذات الرمز “Au”، وهو عنصر فلزي لين، لامع، ولونه أصفر مائل إلى البرتقالي. يعتبر الذهب أحد المعادن التي لا تترسب عادة على شكل مركبات، بل يتم العثور عليه غالباً في حالته العنصرية النقية في الطبيعة. ويمثل هذا المزيج من النقاء والندرة سراً من أسرار القيمة الكبيرة للذهب.
على الرغم من أن الذهب يُصنف من المعادن النادرة، إلا أن الكميات التي يمكن استخراجها تظل ضخمة بالمقارنة مع العديد من المعادن الأخرى. ذلك لأن الذهب لا يتآكل أو يتأكسد بسهولة، مما يجعله يظل موجوداً لآلاف السنين في صورة نقية. لكن، لا يتواجد الذهب بشكل عشوائي في أي مكان على سطح الأرض، بل يتجمع في أماكن خاصة تسمى “التراكمات المعدنية” أو “الودائع الذهبية”.
أنواع ودائع الذهب
تتواجد ودائع الذهب بشكل رئيسي في ثلاثة أنواع رئيسية:
-
الودائع الأولية (الجيولوجية):
هذا النوع من الودائع يعتبر الأندر والأكثر تعقيدًا من حيث استخراج الذهب. يوجد الذهب هنا في الصخور التي تحتوي على كميات كبيرة من المعادن الأخرى. وتُعد الودائع البركانية أو الصخرية المصدر الرئيسي لهذه الودائع. تتشكل هذه الودائع من خلال العمليات الجيولوجية مثل الحركات التكتونية والانفجارات البركانية التي تؤدي إلى صعود المواد المعدنية من داخل القشرة الأرضية إلى سطح الأرض. -
الودائع الثانوية (الرواسب):
تختلف الودائع الثانوية عن الأولية من حيث أنها لا تتكون داخل الصخور، بل تُركّب في قاع الأنهار أو البحيرات نتيجةً لعملية تآكل الصخور الحاملة للذهب. في هذه الودائع، يصبح الذهب أكثر تركزًا بسبب حركة المياه التي تؤدي إلى فصل الذهب عن الرمال والصخور الأخرى. -
الودائع الناتجة عن البراكين والمياه الجوفية:
تتجمع هذه الودائع من جراء نشاطات البراكين التي تضغط المعادن المنصهرة أو المياه الجوفية الساخنة التي تتفاعل مع الصخور المحيطة.
أساليب استخراج الذهب
على الرغم من أن الذهب يمكن العثور عليه في الطبيعة على شكل رقائق دقيقة أو قطع صغيرة، فإن عملية استخراجه تتطلب تقنيات متعددة ومعقدة بسبب ارتباطه الكبير بمعادن أخرى في الصخور. لذلك، تتم عملية استخراج الذهب باستخدام مجموعة من الأساليب الحديثة التي تشمل:
1. التعدين السطحي:
التعدين السطحي هو الطريقة الأكثر استخدامًا لاستخراج الذهب، ويشمل إزالة طبقات التربة والطبقات الصخرية القريبة من سطح الأرض للوصول إلى خام الذهب. ويشمل هذا النوع من التعدين عدة طرق منها:
-
الحفر السطحي المفتوح: يتم الحفر لإزالة الطبقات الصخرية السطحية للوصول إلى الودائع الغنية بالذهب.
-
التعدين بالحقن: حيث يتم ضخ مواد كيميائية إلى الصخور لتفكيك المعادن وفصل الذهب عن غيره من المعادن.
2. التعدين تحت الأرض:
في بعض الأحيان، توجد الودائع الذهبية على عمق كبير تحت سطح الأرض، مما يتطلب حفر الأنفاق والطرق للوصول إلى الذهب. يعتمد هذا الأسلوب على التقنيات الهندسية المتقدمة لضمان سلامة العمال، حيث يُستخدم مزيج من الحفر التفجيري أو الحفر الآلي للوصول إلى الودائع. يشمل التعدين تحت الأرض تقنيات معقدة واستخدام آلات حفر ثقيلة وتفجيرات دقيقة.
3. استخلاص الذهب من الخامات باستخدام الزئبق أو السيانيد:
عندما يتم استخراج خام الذهب من الصخور، يتم عادة معالجة المعدن باستخدام مواد كيميائية لفصل الذهب عن الصخور الأخرى. يتم استخدام الزئبق في بعض الأحيان لالتقاط الذهب حيث يتفاعل مع الذهب ليشكل خليطًا سائلًا يمكن فصله عن المعادن الأخرى.
من ناحية أخرى، يستخدم السيانيد على نطاق واسع في عملية “التصفيح” لاستخراج الذهب، حيث يتم خلط السيانيد مع الصخور المطحونة لتذويب الذهب، ثم يتم جمع الذهب المنفصل واستخراجه.
4. التعدين باستخدام المياه:
استخدم التعدين باستخدام المياه منذ العصور القديمة، حيث يتم تدفق المياه عبر الرمال والطين لفصل الذهب عن المواد الأخرى. هذه الطريقة تعتمد على كثافة الذهب التي هي أكبر بكثير من كثافة المواد الأخرى، وبالتالي يغرق الذهب في أسفل المجاري المائية بينما تطفو المواد الأخرى.
استخراج الذهب في العصر الحديث
مع التقدم التكنولوجي، أصبح من الممكن استخراج الذهب بكفاءة أعلى وبطرق أكثر أمانًا. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في عملية استخراج الذهب تتعلق بالآثار البيئية واستخدام المواد الكيميائية السامة مثل السيانيد والزئبق.
يستخدم الآن العديد من المناجم الكبيرة حول العالم آلات متطورة، مثل الحفارات العملاقة والمعدات الميكانيكية الثقيلة، وذلك لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف. ولكن هذه العمليات تأتي مع تحديات بيئية كبيرة، حيث تتسبب عملية التعدين في إزالة مساحات شاسعة من الأراضي الغنية بالنباتات والحياة البرية. كما يمكن أن تؤدي النفايات السامة الناتجة عن عملية استخراج الذهب إلى تلوث المياه والهواء.
أكبر مناجم الذهب في العالم
من بين المناجم الكبيرة التي تستخرج الذهب، تبرز عدة مواقع رئيسية حول العالم، ومنها:
-
منجم غراسبيرغ (إندونيسيا):
يعد منجم غراسبيرغ من أكبر المناجم في العالم، ويستخرج كميات ضخمة من الذهب والنحاس. يقع المنجم في جزيرة بابوا، وهو مملوك لشركة “فري بورت-ماكموران” الأمريكية. -
منجم توكوي (غانا):
يعد منجم توكوي في غانا من أكبر المناجم في أفريقيا، وهو مصدر رئيسي لإنتاج الذهب في المنطقة. -
منجم كورتيز (الولايات المتحدة الأمريكية):
يعتبر منجم كورتيز من أكبر مناجم الذهب في الولايات المتحدة، حيث يساهم بشكل كبير في إنتاج الذهب داخل أمريكا.
التحديات البيئية لاستخراج الذهب
مع تزايد الطلب على الذهب، تكثف الجهود لاستخراجه من خلال تقنيات متقدمة. إلا أن هذه العمليات لها آثار بيئية ضارة، حيث أن التخلص من المواد الكيميائية السامة مثل السيانيد والزئبق في البيئة يمكن أن يؤدي إلى تلوث المياه والتربة. علاوة على ذلك، فإن إزالة الغابات والموارد الطبيعية من أجل إقامة المناجم يؤدي إلى تدمير البيئة المحيطة والتهديد بالانقراض للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية.
الختام
يبقى الذهب معدنًا ثمينًا ومطلوبًا بشدة في العديد من الصناعات. إن طرق استخراجه المعقدة قد تكون مكلفة من حيث المال والوقت، لكنها تتطلب ابتكارًا مستمرًا لضمان زيادة الإنتاج مع الحفاظ على البيئة في الوقت نفسه. مع ازدياد الحاجة للذهب في الصناعات الحديثة، يبقى السؤال حول كيفية استخراجه بشكل أكثر استدامة أحد التحديات الكبرى التي يواجهها العالم اليوم.
