طريقة صلاة التهجد: كيفية تأديتها وأحكامها
مقدمة
تعتبر صلاة التهجد من أهم وأعظم العبادات التي يمكن أن يؤديها المسلم في جوف الليل، وهي من الصلوات المستحبة التي حثنا الإسلام على الإكثار منها، لكونها تجمع بين العبادة والتهجد والتقرب إلى الله في وقت الخلوة والمناجاة. وتكتسب صلاة التهجد مكانة عظيمة في قلب المسلم، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من قيام الليل، وكان يوصي الصحابة بذلك. تأتي هذه الصلاة ضمن العبادات التي تساهم في تعزيز الإيمان، ورفع درجات المسلم، وزيادة التقوى والورع في حياته. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل طريقة صلاة التهجد، وآدابها، وأوقاتها، بالإضافة إلى فوائدها وأهميتها في حياة المسلم.
تعريف صلاة التهجد
صلاة التهجد هي صلاة نافلة يتم تأديتها في الليل بعد نوم الإنسان، وهي تختلف عن صلاة التراويح التي تُؤدى في رمضان. تتميز صلاة التهجد بأنها صلوات فردية، يمكن للمرء أن يؤديها في أي وقت من الليل بعد أن ينام ولو لوقت قصير، ثم يستيقظ ليؤدي الصلاة. يطلق على هذا النوع من الصلاة اسم “التهجد” نظراً لأن الشخص ينهض من نومه ويستيقظ متعباً لأداء العبادة، مما يتطلب منه مجاهدة النفس وتجاوز الراحة التي كان فيها.
أوقات صلاة التهجد
ليس لصلاة التهجد وقت معين محدد إلا أنها تفضل أن تُؤدى في الثلث الأخير من الليل، وهو الوقت الذي تفتح فيه أبواب السماء وتتنزل فيه الرحمات وتستجاب فيه الدعوات. ويمكن تقسيم الليل إلى ثلاثة أجزاء:
-
الثلث الأول: من بعد المغرب حتى منتصف الليل.
-
الثلث الثاني: من منتصف الليل حتى الفجر.
-
الثلث الأخير: من بعد الفجر حتى الشروق.
وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يَنزلُ ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا حين يبقى ثُلثُ الليلِ الآخِرِ، فيقولُ: مَن يدعوني فاستجيبَ له؟ مَن يسألني فآتيه؟ مَن يستغفرني فأغفرَ له؟” (رواه البخاري).
كيفية صلاة التهجد
تُؤدى صلاة التهجد كأي صلاة نافلة، حيث يمكن أداء ركعتين أو أكثر حسب قدرة المسلم ورغبته. فيما يلي خطوات أداء صلاة التهجد بشكل مفصل:
-
النية:
قبل أن يبدأ المسلم في أداء صلاة التهجد، يجب أن تكون نية الصلاة خالصة لله سبحانه وتعالى. ويستحسن أن ينوي الشخص أن يؤدي الصلاة بنية القرب من الله، وطلب مغفرته ورحمته. النية في التهجد لا تشترط أن تُلفظ باللسان، بل هي نية في القلب. -
الاستيقاظ من النوم:
بعد النوم ولو لفترة قصيرة، يجب على المسلم أن يستيقظ في الثلث الأخير من الليل، ويستحب له أن يبدأ بالاستغفار والدعاء قبل أن يتوجه للصلاة. -
الوضوء:
كما هي الحال مع أي صلاة، يشترط أن يكون المسلم طاهراً، وبالتالي يجب عليه الوضوء قبل أداء صلاة التهجد إذا لم يكن على طهارة. -
عدد الركعات:
لا يوجد عدد معين من الركعات لصلاة التهجد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي في الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشر ركعة. ويجب أن تكون صلاة التهجد أكثر من ركعتين، وإذا رغب المسلم في أداء أكثر من ذلك فلا بأس. ويمكن أن يُصلي المسلم التهجد ركعتين ركعتين. -
القيام بالصلاة:
يبدأ المسلم الصلاة بركعة قصيرة تُسمى “التحية” أو “الركعة الأولى”، بعدها يقرأ سورة الفاتحة وسورة قصيرة من القرآن في كل ركعة، ويمضي في الركعات بشكل طبيعي مع الإطالة في القراءة والتفكر في معاني الآيات التي يقرأها. -
الدعاء بين الركعات:
يفضل في صلاة التهجد أن يطيل المسلم الدعاء بين الركعات وفي السجدات، حيث يكون هذا وقتاً مستحباً للدعاء، وقد ورد في الحديث الشريف: “أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌ، فأكثروا الدعاء” (رواه مسلم). -
الوتر:
بعد الانتهاء من صلاة التهجد، يُسن للمسلم أن يختم صلاته بصلاة الوتر. وتعتبر صلاة الوتر من صلوات الليل التي يُستحب أن تكون ركعة واحدة أو ثلاث ركعات على أن يختمها بالدعاء. -
الختم بالدعاء:
بعد الانتهاء من الصلاة، يُستحب للمسلم أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويُطلب منه أن يسأل الله المغفرة، والرحمة، والنجاة من النار.
أهمية صلاة التهجد
صلاة التهجد تعد من أعظم العبادات، وهي طريق للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. في ما يلي، نستعرض بعض الفوائد والفضائل لهذه الصلاة المباركة:
1. التقرب إلى الله:
إن قيام الليل يعد من أصدق طرق العبد للتقرب إلى ربه. ففي جوف الليل يكون الإنسان في أقرب لحظاته لله، بعيدا عن مشاغل الحياة والفتن التي تحيط به خلال النهار.
2. مغفرة الذنوب:
إن صلاة التهجد تعد من أسباب مغفرة الذنوب، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه” (رواه البخاري). وقيام الليل عموماً، بما في ذلك التهجد، يُعتبر سبباً لمغفرة الذنوب.
3. رفع الدرجات:
تُسهم صلاة التهجد في رفع درجات المؤمن في الجنة، ويظهر ذلك من خلال الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ في الجنةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها اللهُ لمن أطعمَ الطعامَ، وأفشى السلامَ، وصلى بالليلِ والناسُ نيامٌ” (رواه مسلم).
4. تحقيق السكينة والطمأنينة:
إن أداء صلاة التهجد يساهم في إضفاء حالة من السكينة والطمأنينة في قلب المؤمن، ويُعتبر من أفضل الأوقات للتأمل والتفكر في نعم الله سبحانه وتعالى. كما يساعد المؤمن على تهدئة نفسه بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية.
5. استجابة الدعاء:
صلاة التهجد تفتح أبواب السماء لدعوات المؤمن. ففي الثلث الأخير من الليل، تنزل الرحمات وتُستجاب الدعوات، كما أن الله عز وجل يقرَب من عباده في هذا الوقت ويستجيب لمن يدعوه بصدق.
6. تجديد الإيمان:
تعتبر صلاة التهجد وسيلة لتجديد الإيمان في قلب المسلم. فقيام الليل يعزز ارتباط الشخص بالله ويُذكره بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ما يعمق شعور التقوى والخشية من الله.
آداب صلاة التهجد
-
إحسان الوضوء: يجب على المسلم أن يحرص على الوضوء الطاهر والقيام به بشكل صحيح.
-
إطالة القراءة: يستحب الإطالة في القراءة، بحيث يقرأ المسلم بعض السور الطويلة مثل سورة البقرة وآل عمران، لكن يمكن أن يقرأ سوراً قصيرة في حال كان يطمح للإسراع في الصلاة.
-
التفاعل مع الصلاة: يجب على المسلم أن يتفاعل مع الصلاة في قلبه ويشعر بها، بحيث يكون ذهنه حاضرًا ويُركز على ما يقرأ.
-
الخشوع والتأمل: يجب أن يتحلى المسلم بالخشوع أثناء الصلاة، ويُركز على معاني الآيات القرآنية ويشعر بتأثيرها في قلبه.
-
التهجد في جماعة أو فرديًا: يمكن أداء صلاة التهجد فردياً، ولكن إذا كان المسلم يفضل أن يُؤديها جماعة مع أهل بيته أو أصدقائه، فلا حرج في ذلك.
خاتمة
إن صلاة التهجد هي عبادة عظيمة تحمل في طياتها فوائد لا حصر لها. هي فرصة للمسلم للابتعاد عن الدنيا والاهتمام بقربه من الله، وهي فرصة لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات. وعلى الرغم من أنها صلاة تطوعية، فإن المسلم الذي يحرص عليها، ويؤديها في الأوقات المباركة، يجني العديد من الثمار الروحية والنفسية التي تعود عليه بالفائدة في الدنيا والآخرة.
