كيفية صلاة التهجد: أسرارها وأحكامها
تعد صلاة التهجد من أعظم النوافل التي يمكن للمسلم أن يؤديها تقربًا إلى الله عز وجل، وسببًا في نيل الرحمة والمغفرة. إنها ليست مجرد عبادة موسمية أو عمل ديني يقوم به المسلم في وقت معين، بل هي وسيلة من وسائل تنقية القلب وتهذيب النفس، وتعميق الصلة مع الله سبحانه وتعالى. وقد ورد في السنة النبوية الشريفة العديد من الأحاديث التي تحث على صلاة التهجد وتبيّن فضلها، وكذلك كيفية أدائها.
مفهوم صلاة التهجد
التهجد في اللغة العربية يعني “القيام” أو “الاستيقاظ بعد النوم”، وهو مشتق من “الهَجْد” الذي يعني النوم. وعليه، فإن صلاة التهجد هي صلاة الليل التي يؤديها المسلم بعد نومه، غالبًا في الثلث الأخير من الليل، وهي تعتبر من الصلوات المفضلة التي كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحرص عليها.
وتُؤدى صلاة التهجد في أي وقت من الليل بعد صلاة العشاء وحتى قبل الفجر، ولكنها تكتسب عظمته وفضله في الثلث الأخير من الليل، وهو الوقت الذي يتنزل فيه الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: “من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له”.
فضل صلاة التهجد
تعد صلاة التهجد من العبادات التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ويصوم يوما ويفطر يوما” (رواه البخاري).
إن من فضائل صلاة التهجد:
-
قرب العبد من ربه: حيث يُعتبر القيام في الليل من أبرز مظاهر التوبة والندم على المعاصي.
-
مغفرة الذنوب: كما في الحديث النبوي الذي أشار إلى أن التهجد يُكفر الذنوب ويزيد من حسنات العبد.
-
الراحة النفسية: يعكس وقت الليل في صلاة التهجد صفاء الذهن والسكينة، مما يسهم في تهدئة الأعصاب والابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية.
-
استجابة الدعاء: يقال إن الدعاء في وقت التهجد هو من أوقات استجابة الدعاء.
-
رفع الدرجات: صلاة التهجد من أعظم الأسباب التي ترفع درجات المؤمن في الآخرة، فهي تعبير عن صدق العبد في سعيه لمرضاة الله.
كيفية أداء صلاة التهجد
إن صلاة التهجد ليست محددة بعدد ركعات معين، ولا بصيغة محددة، بل هي نافلة يُؤدى بها المسلم صلاة الليل وفقًا لما يُستحب في الشريعة الإسلامية. ومع ذلك، هناك عدة خطوات وأحكام مهمة يجب على المسلم أن يعرفها ويتبعها في أداء صلاة التهجد.
1. النية
كما هو الحال مع جميع العبادات في الإسلام، يجب أن تكون نية المسلم خالصة لله تعالى في أداء صلاة التهجد. لا بد من توافر الإخلاص والنية الصادقة في القيام بهذه الصلاة للعبادة والتقرب إلى الله.
2. الوقت المناسب لصلاة التهجد
تبدأ صلاة التهجد من بعد صلاة العشاء وحتى قبل صلاة الفجر. ولكن يستحب القيام في الثلث الأخير من الليل، حيث يُذكر في الحديث أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في هذا الوقت ويقول: “من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له”.
3. عدد الركعات
ليس هناك عدد معين من الركعات لصلاة التهجد. يمكن للمسلم أن يصلي ما يشاء من الركعات، ولكن الأكثر شيوعًا هو أن يصلي المسلم من 2 إلى 12 ركعة. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين 8 إلى 13 ركعة، وهو ما ورد في الأحاديث.
وقد كان السلف الصالح يفضلون أداء صلاة التهجد بصلاة طويلة يتخللها ركوع وسجود طويلين، مما يعكس مدى أهمية الخشوع في هذه الصلاة.
4. كيفية الصلاة
تُصلى صلاة التهجد مثل سائر الصلوات، حيث يبدأ المسلم الصلاة بالتكبير ثم يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة في كل ركعة. يمكن للمسلم أن يطيل الركوع والسجود، كما يمكنه قراءة أطول السور أو الدعاء في السجود. لم يُحدد عدد محدد للركعات أو السور، لكن الأفضل أن يطيل المصلي القراءة ويسعى إلى التركيز الكامل في عبادته.
5. الدعاء في صلاة التهجد
من السنن المتبعة في صلاة التهجد الدعاء في السجود، حيث يُعتبر هذا الوقت من أوقات إجابة الدعاء. يفضل المسلم أن يستغفر الله في السجود ويطلب منه ما يشاء من حاجات دنيوية وأخروية.
الفرق بين صلاة التهجد وصلاة الليل
صلاة الليل هي أي صلاة تُؤدى في الليل غير الفرائض، ويمكن أن تشمل صلوات مثل الوتر، التراويح، والتهجد. لكن هناك فرقًا بين صلاة التهجد وصلاة الليل العامة:
-
التهجد: هي صلاة خاصة تُؤدى بعد النوم في آخر الليل، وهي مستحبة لأن فيها نزول خاص لرحمة الله تعالى.
-
صلاة الليل: تشمل كل صلاة تُؤدى في الليل، ويمكن أن تؤدى قبل النوم أو بعده.
صلاة التهجد في رمضان
يعتبر شهر رمضان من أفضل الأوقات لصلاة التهجد، خاصة في العشر الأواخر من رمضان. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي الليل في رمضان بصلاة التهجد، ومن هنا تأتي أهمية هذه الصلاة في هذا الشهر الفضيل.
يمكن للمسلم في رمضان أن يخصص جزءًا من الليل لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح، حيث يتكامل دور التهجد مع عبادة الصيام والقيام في هذا الشهر العظيم.
أحكام متعلقة بصلاة التهجد
-
الوتر: يُفضل أن تُختتم صلاة التهجد بصلاة الوتر، وهي سنة مؤكدة، وذلك لما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا”.
-
السواك قبل الصلاة: يستحب للمسلم أن يتوضأ ويستخدم السواك قبل أداء صلاة التهجد، لتحسين الطهارة والشعور بالنقاء قبل الوقوف بين يدي الله.
-
عدد الركعات في الوتر: يُستحب أن يُصلى الوتر من ركعة إلى ثلاث ركعات، ويمكن أن تكون ركعة واحدة أو أكثر، وفقًا لما يراه المسلم مناسبًا.
-
الخشوع: من الأمور التي يجب أن يحرص عليها المسلم في صلاة التهجد الخشوع والتدبر في الصلاة. فتلك لحظات من العبادة التي يُستحب فيها إطالة السجود والتركيز التام على التضرع لله سبحانه وتعالى.
خاتمة
إن صلاة التهجد هي من أعظم العبادات التي يمكن للمسلم أن يؤديها ليحظى بالقرب من الله عز وجل. فهي صلاة تتطلب إخلاصًا في النية، واهتمامًا بالوقت والمكان، وقدرتها على منح المسلم راحة روحية وسكينة قلبية لا تضاهيها أي عبادة أخرى. إن التهجد ليس فقط عملاً جسديًا، بل هو عمل روحي يُنقي القلب ويرتقي بالنفس نحو العلو في الدنيا والآخرة.
