كيزومونوغاتاري Kizumonogatari III النهاية الدموية

كيزومونوغاتاري III: عودة مصاصة الدماء

يُعد فيلم Kizumonogatari III: Reiketsu-hen الفصل الأخير من ثلاثية “كايزومونوغاتاري”، وهو العمل الذي يُجسِّد ذروة التحول العنيف والبنيوي في حياة كويومي أراراغي، من إنسان عادي إلى كائن فوق طبيعي، يرزح تحت وطأة اختيارات أخلاقية وفلسفية لا فكاك منها. يمثل هذا الفيلم تتويجاً للتوترات الدرامية والرمزية التي تصاعدت منذ الجزء الأول، ويغوص عميقاً في مفاهيم الهوية، والحرية، والندم، والثقة، في عالم يحكمه الغموض والصراعات الباطنية بين الإنسان ومصاص الدماء.

يمتاز هذا الجزء الثالث، الذي أُصدر في السادس من يناير 2017، بإخراجه المذهل الذي يحمل توقيع أكيوكي شينبو، وبصمة ستوديو Shaft المعروف بأساليبه التجريبية البصرية والرمزية المفرطة، حيث يتم توظيف الإضاءة، والظل، والفضاء بشكل فني يخدم النفسية المعذبة للشخصيات أكثر مما يخدم الواقع الفيزيائي.

سردية التحول الحتمي

منذ اللحظة التي ساعد فيها كويومي أراراغي مصاصة الدماء الأسطورية Kiss-shot Acerola-orion Heart-under-blade وأعاد إليها الحياة بعد أن كانت مشرفة على الموت، أصبح أسير عالم لا ينتمي إليه، ولا يستطيع الانفكاك منه. تحوَّل أراراغي من فتى عادي إلى مصاص دماء، ومن ضحية إلى أداة في يد كيان لا يمكن فهمه بالكامل. ومع أن الوعد بإعادته إلى بشريته يلوح كأمل في الأفق، فإن المعطيات تشير إلى أن هذا الأمل ليس سوى سراب يموه حقائق أكثر تعقيداً وظلمة.

تمكّن أراراغي من هزيمة ثلاثة من أقوى صيادي مصاصي الدماء، واسترد أطراف كيس-شوت التي انتُزعت منها، ولكن النصر الظاهري يتركه أمام هاوية وجودية. فإعادة أطرافها يعني إعادة كامل قوتها، ما يجعلها كائناً خارقاً لا يمكن لأي مخلوق –بشرياً كان أو غير بشري– أن يقف في وجهه. هذا الإدراك يضرب في صميم نوايا أراراغي: هل كان هدفه الحقيقي استعادة إنسانيته؟ أم أنه وقع بالفعل تحت تأثير كيس-شوت، وأصبح أداة لتحقيق رغباتها غير المعلنة؟

العمق الفلسفي لمفهوم الإنسانية

الفيلم لا يعرض فقط صراعاً بين الخير والشر أو بين الإنسان والوحش، بل يقدم استبطاناً عميقاً لفكرة ما يعنيه أن تكون إنساناً. أراراغي يُطرح كرمز للكائن الذي تخلّى عن جوهره الإنساني –ربما قسراً في البداية– ثم بدأ يدرك تدريجياً أن ما فقده لا يمكن استعادته إلا بثمن باهظ. وفي المقابل، فإن كيس-شوت تمثل تجسيداً للخلود المتحرر من أي قيد أخلاقي، ولكنها في جوهرها كيان تواق إلى الفناء. كلاهما يسير في اتجاه الآخر، وكأن التحول بين مصاص دماء وإنسان لا يمكن أن يتم دون تبادل جوهري في البنية النفسية والروحية.

تطرح القصة كذلك مفارقة عميقة: كيف لمصاص دماء حديث عهد بالتحول مثل أراراغي أن يهزم صيادي مصاصي دماء قدامى؟ هل تم خداعه؟ هل خضع لتلاعب كيس-شوت التي جعلته وسيلة في معركتها للعودة إلى المجد القديم؟ هذه الأسئلة تؤسس لفكرة أن الحقيقة ليست دائماً على السطح، وأن الخلاص الفردي قد يكون مجرد وسيلة لتحقيق إرادة الآخر.

تطور الشخصيات وعلاقتها بالرمز

يمثل أراراغي شخصية تتطور ليس فقط على مستوى القدرات، بل في عمق الذات. فهو في هذا الفيلم لم يعد مجرد فتى مراهق يحاول إنقاذ فتاة، بل أصبح محاصراً بين قوتين: وفائه لكيس-شوت من جهة، ورغبته في التمسك بما تبقى من إنسانيته من جهة أخرى. يظهر في تصرفاته الارتباك، الغضب، الشفقة، وحتى الندم، مما يعكس تحولات داخلية عنيفة.

أما كيس-شوت، فهي أكثر من مجرد شخصية أنثوية قوية. إنها رمز للغريزة، للخلود، للعدم في آنٍ معاً. سلوكها يتأرجح بين اللطف المفجع والوحشية الباردة، مما يجعل المتفرج مشدوداً باستمرار بين التعاطف معها والخوف منها. هي شخصية ميتافيزيقية تجسد فكرة “الإغواء الوجودي”، حيث أن العودة إلى القوة لا تعني إلا مزيداً من الوحدة، والعزلة، والرغبة في الموت كتحرر نهائي.

الأسلوب البصري وتوظيف الزمن

يُعرف استوديو Shaft بأسلوبه غير التقليدي، وفيلم Reiketsu-hen لا يشذ عن هذه القاعدة. يستخدم المخرج تقنيات المونتاج المتقطّع، اللقطات الثابتة الطويلة، الإضاءة الحادة، والتجريد الرمزي ليمنح الفيلم طابعاً شبه مسرحي، يحاكي فيه الزمان والمكان النفس الداخلية للشخصيات أكثر من محاكاة العالم الخارجي.

الزمن في الفيلم ليس خطياً؛ المشاهد تتنقل بين الذكريات، التأملات، والانفعالات النفسية، مما يضع المشاهد في حالة من التوتر الفكري والوجداني. كل لحظة تصبح مساحة للتفكير: هل ما نشاهده هو حقيقة؟ أم رؤية داخلية لتشوش الذات؟

الجدول: مقارنة بين التحولات الثلاثة في كايزومونوغاتاري

خاتمة موضوعية: التحول بلا رجعة

Kizumonogatari III: Reiketsu-hen ليس مجرد نهاية لثلاثية، بل هو نهاية فلسفية لعالم تتداخل فيه الحياة والموت، الخلاص واللعنة، الإرادة الحرة والخضوع. هذا العمل الفني لا يقدّم حلاً سهلاً أو نهاية تقليدية، بل يرغم المشاهد على التفكير في طبيعة الاختيار، والنتائج التي قد تكون أكبر من القدرة على الاحتمال.

من خلال أسلوب بصري فريد، وشخصيات معقدة، وسرد يضرب في عمق النفس البشرية، يُرسّخ الفيلم مكانته كواحد من أبرز إنجازات الأنمي السينمائي، ليس فقط في سلسلة “مونوغاتاري”، بل في كامل المشهد الفني الياباني المعاصر.

المراجع:

1. Nishio Ishin, Kizumonogatari (Novel), Kodansha.

2. MyAnimeList Database – Entry on Kizumonogatari III: Reiketsu-hen.