قصة فيلم “تومب رايدر”: حين تكون الأنثى مقاتلة شجاعة!
في عالم السينما، كانت شخصية لارا كروفت، بطلة فيلم “تومب رايدر”، واحدة من الشخصيات التي أطلقت تحولًا كبيرًا في مفهوم البطولة النسائية في أفلام الحركة. قدمت لارا كروفت في مختلف إصداراتها صورة الأنثى القوية المستقلة التي تتحدى المجهول وتخاطر بحياتها من أجل إظهار قدرتها على التعامل مع المواقف الصعبة. ولكن، ما الذي يجعل فيلم “تومب رايدر” متفردًا؟ ولماذا يعتبر النقلة النوعية التي جعلت من الأنثى في السينما شخصية مقاتلة شجاعة، ليس فقط على مستوى السيناريو، بل أيضًا على مستوى الأداء؟
النشأة والتطور: بداية مع اللعبة ثم الشاشة الكبيرة
ظهرت شخصية لارا كروفت لأول مرة في عام 1996 من خلال لعبة الفيديو الشهيرة “تومب رايدر” التي طورتها شركة “كريستال دينامكس”. كانت الشخصية، في البداية، مجرد بطلة افتراضية تتنقل عبر عوالم مليئة بالمخاطر والكنوز المفقودة. ومع مرور الوقت، أصبح لارا كروفت رمزا للقوة الأنثوية التي يمكن أن تكون مقاتلة وحكيمة في نفس الوقت. لقد تم إعادة تصور الشخصية في عام 2001 حين قررت “مؤسسة الألعاب” تحويل اللعبة إلى فيلم سينمائي.
الفيلم الأول “تومب رايدر” (2001) من إخراج سايمون ويست، كان بمثابة النقلة التي لفتت الانتباه إلى الشخصية بشكل أكبر. قامت الممثلة أنجلينا جولي بدور لارا كروفت، حيث أثبتت أنها قادرة على تجسيد هذه الشخصية ذات الطبيعة المثيرة والغامضة، لتصبح واحدة من أشهر الأيقونات السينمائية في تاريخ هوليوود.
لكن التحول الأكثر تأثيرًا جاء مع فيلم “تومب رايدر” الذي صدر في عام 2018، عندما أعادت المخرجة روار أوجوج “إعادة تأسيس” الشخصية بطريقة أكثر واقعية وعملية. هذه المرة، لم تعد لارا كروفت مجرد شخصية مفعمة بالحيوية والحركة، بل أصبحت رمزًا للقوة والتحدي والنضج، تحمل في جوانبها أسئلة عن الحياة والموت، وتحقيق الذات في مواجهة الأزمات.
النسخة الجديدة: لارا كروفت الشجاعة والمقاتلة
عند الحديث عن فيلم “تومب رايدر” (2018)، يتعين أن نتوقف عند الطريقة التي تم بها تطوير الشخصية من خلال معالجة نضوج لارا كروفت في الفيلم. هذه النسخة الجديدة من لارا كروفت، التي تجسدها أليسيا فيكاندر، تقدم لنا صورة مختلفة عن الشخصية التي ألفناها. فهي ليست مجرد مغامرة مسلية أو شخصية تبحث عن كنوز ضائعة، بل هي امرأة شابة تواجه واقعًا صعبًا وتحديات مريرة على المستوى الشخصي.
الفيلم يبدأ مع لارا كروفت كفتاة صغيرة تكافح للعثور على هدفها في الحياة بعد اختفاء والدها المثير للجدل. إن ماضي والدها، الذي كان يملك إمبراطورية تجارية ضخمة وأصبح شخصًا غامضًا، يلاحقها طوال حياتها، ولكنها ترفض أن تتبع خطاه وتقرر البحث عن نفسها بعيدًا عن إرثه. وهذا ما يميز فيلم “تومب رايدر” عن غيره من الأفلام التي تسرد قصة بطلة على شاكلة الرجل، حيث تظهر لارا كروفت في رحلة اكتشاف الذات.
بالمقارنة مع نسخ سابقة، فإن لارا في هذا الفيلم تمتاز بنوع من الجدية التي تميز شخصيتها. هي ليست ببساطة شخصية مغامرة تبحث عن الذهب أو الكنوز القديمة، بل هي أيضًا شخص يعاني من خسارة حقيقية، ويحاول استعادة شيء أكبر من الحياة نفسها، وهو معنى الحقيقة التي تركها لها والدها.
المعركة الداخلية: ملامح الشجاعة في المرأة
واحدة من أهم القيم التي يظهرها فيلم “تومب رايدر” (2018) هي الشجاعة. ولكن هذه الشجاعة لا تظهر فقط في مواجهات لارا مع الأعداء أو خلال مغامراتها المليئة بالخطر. فشجاعة لارا تتجسد أولًا في قرارها بأن تذهب للبحث عن والدها المفقود على جزيرة معزولة وخطيرة، حيث لا توجد ضمانات للنجاة. هذا الاختيار لا يمثل مجرد رغبة في المغامرة، بل هو إصرار على فهم الذات وتحقيق العدالة والكرامة حتى في أقسى الظروف.
إضافة إلى ذلك، فإن المعركة الداخلية التي تخوضها لارا كروفت في هذا الفيلم تمثل الكثير من النضج الشخصي. فخلال الفيلم، نرى لارا تتساءل عن حقيقة والدها، وعن مسؤولياتها في الحياة، وعن ماضيه الذي لا يزال يشكل جزءًا كبيرًا من هويتها. إنها لا تترك ماضيها أو مغامراتها الطموحة لتحدد شخصيتها، بل هي تحدد نفسها من خلال خياراتها التي تتعلق بالمستقبل، وكأنها ترفض الانصياع لأعراف المجتمع التي قد تجبرها على السير في درب معين.
الفيلم والجمهور: تأثير لارا كروفت على السينما النسائية
واحدة من أبرز الجوانب التي جعلت فيلم “تومب رايدر” (2018) مميزًا هي الطريقة التي أعاد بها صياغة النموذج السينمائي للبطولة النسائية في أفلام الأكشن. فحتى قبل هذا الفيلم، كانت الشخصية النسائية في الأفلام تتراوح بين الحبيبة المساعدة أو الضعيفة التي يحتاجها البطل لتكتمل القصة. ولكن مع لارا كروفت، قدم فيلم “تومب رايدر” نموذجًا جديدًا لبطل مستقل، يعاني مثل الرجال، ويقاتل مثلهم، ولكنه يبقى دائمًا متمسكًا بقيم إنسانية عميقة.
هذه الشخصية لم تكن فقط موجهة للنساء، بل كانت رمزًا للإنسانية بشكل عام. لارا كروفت في هذا الفيلم تمثل نموذجا للبطل الذي لا يقتصر على العنف البدني فقط، بل يمتد إلى الأبعاد النفسية والتحديات التي يتوجب على الإنسان مواجهتها للتمكن من تحقيق الذات. في عالم السينما، كانت هذه نقطة تحول في تصوير النساء في أدوار البطولة، حيث أصبحت لارا تمثل الشخصية التي تقود الأحداث وتظل على رأس المسيرة.
العناصر السينمائية: التصوير والإخراج والتمثيل
يمثل فيلم “تومب رايدر” (2018) مثالاً جيدًا على الاستخدام الفعّال لعناصر التصوير والإخراج في تصوير الشخصية. إذا كانت الأنماط السابقة قد اعتمدت على الأفلام السريعة والغير معقدة في تقديم المغامرات، فإن هذا الفيلم قام بتوظيف تقنيات سينمائية متقدمة تُظهر لارا كروفت في مشاهد تتطلب مهارات عالية في الأداء الجسدي والنفسي على حد سواء.
أما بالنسبة لتمثيل أليسيا فيكاندر، فقد كانت الاختيار المثالي لتمثيل لارا كروفت في هذه النسخة الواقعية. فهي لا تقدم أداءً مجردًا من الشجاعة، بل تجسد شعورًا بالرهبة والتحدي المستمر أمام المجهول. هذه اللمسات جعلت الشخصية أكثر مصداقية، وبدلاً من أن تكون محض خيال، أصبحت لارا كروفت شخصية ممكنة على أرض الواقع، تمثل النساء الأقوياء اللواتي يواجهن الحياة بشجاعة.
الختام: قوة الأنثى عبر الأجيال
منذ أول ظهور للارا كروفت في ألعاب الفيديو، كانت الشخصية تمثل حلمًا لكثير من النساء في عالم يهيمن عليه الأبطال الذكور. ومع مرور الوقت، أصبح “تومب رايدر” أكثر من مجرد فيلم أكشن، بل أصبح تجسيدًا للنساء اللواتي يتحدين القيود ويتحدين التوقعات المجتمعية من أجل الوصول إلى إمكانياتهن الكاملة.
يعد فيلم “تومب رايدر” 2018 هو نموذج حقيقي لما يجب أن تكون عليه الشخصية النسائية في الأفلام، حيث تدمج بين القوة الجسدية والذكاء العقلي، وبين الشجاعة والإنسانية، لتظل لارا كروفت واحدة من أكثر الشخصيات التي أثرت في السينما الحديثة، وأدت إلى تعزيز صورة المرأة البطلة في أعين المشاهدين في كافة أنحاء العالم.
