“قداسته”: تقرير شامل عن حياة البابا يوحنا بولس الثاني
في عالم الكتب التي تتناول الأديان والقيادات الروحية، يبرز كتاب “قداسته” (His Holiness) للصحفيين كارل برنشتاين وماركو بوليتي كعمل متميز يجمع بين الصحافة الاستقصائية، الدراما، التاريخ، والسيرة الذاتية. نُشر الكتاب في سبتمبر 1996 عن دار نشر دوبلداي، ويقدم تحليلاً عميقاً لشخصية البابا يوحنا بولس الثاني، الذي كان أول بابا غير إيطالي يُنتخب منذ خمسمائة عام.
تدور أحداث الكتاب حول حياة يوحنا بولس الثاني، الذي ولد في مدينة بولندية صغيرة حيث كان 20% من السكان من اليهود. وقد أثر هذا الخلفية العرقية على رؤيته للعالم، حيث كان البابا يوحنا بولس الثاني مدركاً تماماً لآلام معاداة السامية التي عانى منها اليهود. ككاهن ثم كأب روحي للكنيسة الكاثوليكية، عمل يوحنا بولس الثاني بجد ليجعل الفاتيكان يعترف بدولة إسرائيل، وذلك في خطوة مثيرة للجدل ولكنها ضرورية.
مؤلفا الكتاب، برنشتاين وبوليت، اعتمدا على مئات المقابلات مع شخصيات رئيسية في روما وواشنطن وموسكو ووارسو لتقديم هذا السرد المفصل. تسرد فصول الكتاب كيف أن يوحنا بولس الثاني، الذي عانى من فقدان جميع أفراد عائلته المقربين في مرحلة شبابه، قد وجد solace (الراحة) في الإيمان بالله، وتدريجياً أصبح شخصية محورية في الكنيسة الكاثوليكية. كما يستعرض الكتاب كيف أن دراسته وكتاباته حول الممارسات الجنسية قد ساعدت في تسريع صعوده في الكنيسة.
تحت قيادة يوحنا بولس الثاني، شهدت الكنيسة الكاثوليكية تحولاً ملحوظاً في مواقفها تجاه قضايا رئيسية مثل العقيدة، دور النساء، الجنس، وسائل منع الحمل، والإجهاض، فضلاً عن تعزيز قوة البابا داخل الكنيسة. وقد أدى ذلك إلى انقسام بين الكاثوليك حول العالم، حيث صعدت الكنيسة مرة أخرى لتكون قوة كبيرة في الساحة العالمية.
أحد الجوانب المثيرة في الكتاب هو كيف أدار البابا يوحنا بولس الثاني سياسة الكنيسة في زمن كانت فيه قضايا حقوق الإنسان وحقوق الشعوب المضطهدة تتصدر الأجندة العالمية. فقد تطرق إلى قضايا سياسية ودينية معقدة، وناقش القضايا العالمية بنهج مميز. كانت رسائله تؤكد على الحاجة إلى احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ما جعل منه شخصية بارزة على الساحة العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، يتناول الكتاب كيفية تأثير الخلفية السياسية والاجتماعية لأوروبا الشرقية، التي كان يعيش فيها يوحنا بولس الثاني، على سياساته واتجاهاته. فقد نشأ في زمن كانت فيه أوروبا مغمورة في الصراعات السياسية والأيديولوجية، مما جعله يكتسب رؤية شاملة للأزمات التي واجهتها البشرية، من الحرب العالمية الثانية إلى انهيار الشيوعية.
بفضل مهارات برنشتاين الصحفية واستيعاب بوليتي العميق للفاتيكان والاتحاد السوفيتي السابق، يقدم الكتاب سرداً مثيراً ومعمقاً للأحداث التي شكلت نهاية الحرب الباردة. يقدم الكتاب أيضًا صورة دقيقة للقائد الروحي العظيم الذي رغم كونه مثيراً للجدل، إلا أنه كان له تأثير كبير على الساحة العالمية.
يُعَدُّ “قداسته” مرجعاً أساسياً لفهم شخصية البابا يوحنا بولس الثاني، وتأثيره العميق على الكنيسة الكاثوليكية والعالم. من خلال تقديم سرد شامل لحياة هذا القائد الروحي، يساعد الكتاب القارئ على تقدير تعقيدات الدور الذي لعبه في shaping التاريخ الحديث.