اضطراب تبدد الشخصية: الأعراض والعلاج

اضطراب تبدد الشخصية: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

تعريف اضطراب تبدد الشخصية

يعتبر اضطراب تبدد الشخصية (Dissociative Identity Disorder) من الاضطرابات النفسية التي تتميز بتواجد شخصيات متعددة داخل الشخص الواحد. يتسبب هذا الاضطراب في انقطاع مستمر في الوعي، والتفكير، والذاكرة، والإحساس بالهوية. مما يؤدي إلى أن يشعر الشخص وكأنه لا يمتلك هوية ثابتة أو أنه يعيش حياة مزدوجة، حيث يعيش كل جزء من شخصيته في حالة من الانفصال عن باقي الأجزاء الأخرى.

على الرغم من أن اضطراب تبدد الشخصية كان في الماضي يُعتبر من الحالات النادرة، إلا أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن هذا الاضطراب قد يكون أكثر شيوعاً مما كان يُعتقد في السابق. وقد يتم تشخيصه في مراحل مختلفة من حياة الشخص، سواء في مرحلة الطفولة أو البلوغ، ويؤثر بشكل كبير على الشخص في علاقاته الشخصية، وعمله، وصحته النفسية بشكل عام.

أعراض اضطراب تبدد الشخصية

الأعراض المرتبطة باضطراب تبدد الشخصية تتنوع بشكل كبير وتختلف من شخص لآخر. ومن أهم هذه الأعراض:

1. الشعور بعدم الاتساق الداخلي: يشعر الشخص المصاب باضطراب تبدد الشخصية وكأن هناك جزءًا منه يعيش حياة منفصلة عن بقية الأجزاء. قد يشعر بأنه شخص آخر تمامًا أو أنه يفتقر إلى الشعور بالهوية.

2. الفجوات في الذاكرة: واحدة من أبرز سمات هذا الاضطراب هي الفجوات الكبيرة في الذاكرة. قد ينسى الشخص أحداثًا كبيرة في حياته، أو يواجه صعوبة في تذكر المعلومات اليومية. وهذا يشمل نسيان أحداث من الطفولة أو مشاهدات تتعلق بشخصيات أخرى كان يعيش بها في وقت سابق.

3. الشعور بالانفصال عن الذات: قد يشعر الشخص المصاب وكأن هناك “آخر” يعيش بداخله، ويُظهر سلوكيات، وأفكارًا، وردود أفعال مختلفة تمامًا عن سلوكه المعتاد.

4. الوجود في حالات من الانفصال عن الواقع: يشعر البعض بالتشويش أو الانفصال عن الواقع، بحيث لا يستطيعون تحديد ما إذا كانوا في حالة “حلم” أو “واقع”.

5. تعدد الشخصيات: قد يظهر الشخص المصاب بأعراض متعددة لشخصيات أو “أجزاء” مختلفة. هذه الشخصيات قد تكون متباينة في سلوكياتها، أفكارها، وأحيانا في قدرتها على تذكر أحداث معينة.

6. فقدان الوعي الذاتي: يمكن أن يكون الشخص غير قادر على تحديد من هو أو يشعر بأنه “شخص آخر”.

7. التصرفات المندفعة أو الغريبة: تظهر تصرفات غير معتادة أو غير متوقعة من الشخص، وتكون أحيانًا خارجة عن سيطرته.

أسباب اضطراب تبدد الشخصية

هناك العديد من الأسباب المحتملة لاضطراب تبدد الشخصية، وتبقى بعض الأسباب غير واضحة تمامًا، لكن يمكن تحديد بعض العوامل التي قد تؤدي إلى تطور هذا الاضطراب:

1. التعرض لصدمة نفسية شديدة: يعد التعرض لصدمة نفسية شديدة، مثل الاعتداء الجنسي أو العنف الجسدي، أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى حدوث اضطراب تبدد الشخصية. وعادةً ما يبدأ الشخص المصاب بتطوير آلية دفاع نفسية للتعامل مع هذه الصدمات، وهي تبدد الوعي والشعور بالانفصال عن الواقع.

2. الطفولة المبكرة: يعاني الكثير من الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب من تجارب قاسية في الطفولة مثل الإهمال أو التوتر الشديد داخل الأسرة. هذه التجارب تؤدي إلى تطور آليات هروب نفسية، ومنها تطور الشخصية المتعددة.

3. الإصابة بالاكتئاب أو اضطرابات القلق: قد يؤدي الاكتئاب الحاد أو اضطرابات القلق إلى انقطاع في الوعي وظهور اضطرابات مثل تبدد الشخصية كجزء من الاستجابة النفسية لهذه الاضطرابات.

4. الاختلالات الكيميائية في الدماغ: هناك دلائل على أن خللًا في بعض المواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين، يمكن أن يسهم في تطور هذا الاضطراب. فقد تؤدي هذه الاختلالات إلى اضطراب التفاعل بين العقل والجسم.

5. التعرض للضغوطات المستمرة: بعض الأشخاص الذين يتعرضون لضغوطات مستمرة طوال حياتهم قد يطورون هذا الاضطراب كرد فعل على تلك الظروف المرهقة، مثل النزاعات العائلية المستمرة أو العمل في بيئات مليئة بالتوتر.

6. الوراثة: على الرغم من أن الدراسات حول تأثير الوراثة في هذا الاضطراب لا تزال قيد البحث، إلا أن هناك دلائل على أن العوامل الوراثية قد تلعب دورًا في تطور اضطراب تبدد الشخصية.

طرق علاج اضطراب تبدد الشخصية

علاج اضطراب تبدد الشخصية يتطلب علاجًا نفسيًا طويل الأمد ومتكاملًا يشمل عدة جوانب لتساعد الشخص في إعادة تكامل هويته والحد من الأعراض. إليك بعض الأساليب العلاجية الأكثر شيوعًا:

1. العلاج النفسي (العلاج بالكلام): يعتبر العلاج النفسي النوع الأكثر فاعلية في معالجة اضطراب تبدد الشخصية. يتم من خلاله العمل على مساعدة الشخص في التعامل مع الصدمات النفسية التي أدت إلى ظهور الاضطراب. يتضمن هذا العلاج تقنيات مثل:

   • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد الشخص في إعادة تقييم أفكاره وسلوكياته بشكل يساعده على التفاعل بشكل صحي مع تجاربه السابقة.

   • العلاج بالتعرض: يهدف إلى مساعدة الشخص على مواجهة الأحداث الصادمة بشكل تدريجي وآمن.

2. العلاج التحليلي العميق: يعتمد على تحليل العقل الباطن للشخص ومحاولة فهم جذور الاضطراب من خلال فحص المشاعر والصدمات العاطفية.

3. العلاج الجماعي: قد يساعد العلاج الجماعي الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب على التفاعل مع الآخرين وفهم أن لديهم تجارب مشتركة مع آخرين يعانون من مشاعر مشابهة، مما يخفف من شعور العزلة.

4. الأدوية: على الرغم من أن الأدوية ليست العلاج الأساسي لاضطراب تبدد الشخصية، إلا أن الأطباء قد يوصون باستخدام أدوية مضادة للاكتئاب أو مضادة للقلق للمساعدة في معالجة الأعراض المرتبطة بالاكتئاب أو القلق.

5. التدريب على المهارات الاجتماعية: يساعد بعض الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب على تعلم كيفية التفاعل بشكل صحي مع الآخرين وإعادة بناء هويتهم الاجتماعية.

6. تقنيات التأمل واليقظة: قد يساعد التأمل في مساعدة الأشخاص على العودة إلى الواقع والتركيز على اللحظة الحالية، مما يقلل من مشاعر الانفصال عن الذات.

7. العلاج الطبي المتكامل: يتضمن العلاج المتكامل تقديم الرعاية النفسية والجسدية معًا، ويشمل تحسين النوم، التغذية، وتوجيه الشخص نحو نشاطات بدنية تساعده في تجنب التوتر والقلق.

8. الدعم الأسري: يعد الدعم الأسري جزءًا مهمًا من العلاج، حيث يمكن للعائلة أن تلعب دورًا كبيرًا في مساعدة الشخص على التعامل مع الاضطراب من خلال توفير بيئة دعم وفهم.

الخلاصة

اضطراب تبدد الشخصية هو حالة نفسية معقدة تؤثر على الشخص بشكل عميق، وقد تتسبب في مشاعر الانفصال عن الذات والواقع. يترتب عليه تأثيرات كبيرة على الحياة اليومية للشخص، إلا أن العلاج الفعال يمكن أن يساعد في تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة. العلاج النفسي هو العلاج الأساسي، لكنه قد يحتاج إلى الدعم الطبي والاجتماعي لتحقيق أفضل النتائج. كما أن الوقاية من هذا الاضطراب تشمل تقليل التعرض للصدمات النفسية والعمل على تحسين الوعي الذاتي والقدرة على التأقلم مع التوترات النفسية.