كبت الغضب وتأثيره الصحي

كبت الغضب أثناء المشاجرات الزوجية.. يضر بالصحة

يُعد الغضب واحداً من أكثر الانفعالات البشرية شيوعاً وتعقيداً، وتزداد حدته وتأثيره داخل العلاقات الزوجية نظراً للطابع الحميمي والعاطفي الذي يميز هذه العلاقة. وعندما يتخذ أحد الشريكين قراراً بكبت الغضب بدلاً من التعبير عنه، فإن هذا الخيار لا يؤدي فقط إلى اضطراب في التوازن العاطفي والنفسي، بل يمتد أثره إلى الصحة الجسدية والوظائف الحيوية، وهو ما أكدته العديد من الدراسات في مجال علم النفس والطب السلوكي.

كبت الغضب: آلية دفاع أم قنبلة موقوتة؟

يلجأ الكثير من الأزواج، بدافع الحفاظ على استقرار العلاقة أو تجنب تفاقم الشجار، إلى كبت الغضب داخل أنفسهم، وإظهار مظاهر الهدوء أو التماسك الخارجي. وتُعرف هذه الآلية بأنها إحدى آليات الدفاع النفسي التي يستخدمها العقل لتفادي مواجهة مباشرة، لكنها في واقع الأمر لا تلغي المشاعر، بل تؤجلها أو تحوّلها إلى أشكال أخرى من السلوكيات أو الأعراض الجسدية.

ومن منظور علم النفس التحليلي، فإن كبت الغضب يعني حجز الطاقة الانفعالية داخل النفس دون تفريغها بشكل صحي، مما يجعل الجسم والعقل في حالة تأهب دائم وتوتر مزمن. هذا التوتر قد يُخزَّن في أنسجة الجسم، خاصة في العضلات، أو يتحول إلى أعراض نفسجسمية مثل الصداع المزمن، اضطرابات الجهاز الهضمي، أو حتى أمراض القلب.

آثار كبت الغضب على الصحة الجسدية

تشير دراسات علمية عديدة إلى وجود علاقة مباشرة بين كبت الغضب وارتفاع احتمالية الإصابة بأمراض جسدية خطيرة. وقد توصلت دراسة نشرتها مجلة Psychosomatic Medicine إلى أن الأفراد الذين يكبتون مشاعر الغضب لديهم معدلات أعلى للإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب التاجية.

وفيما يلي جدول يوضح بعض الآثار الجسدية المترتبة على كبت الغضب أثناء المشاجرات الزوجية:

التأثير النفسي لكبت الغضب داخل العلاقة الزوجية

يمتد أثر كبت الغضب إلى الجانب النفسي، حيث يؤدي إلى نشوء مشاعر الإحباط المزمن، وتراكم الضغائن، وتراجع الشعور بالأمان والصدق العاطفي داخل العلاقة. وفي الغالب، يفضي هذا النمط إلى ظهور أنماط تواصل سامة، مثل الصمت العقابي أو العدوان السلبي، وهي سلوكيات تهدد استمرارية العلاقة على المدى الطويل.

ويُعد الغضب المكبوت في الحياة الزوجية عاملاً رئيسياً في زيادة معدلات الاكتئاب والقلق عند الطرف الذي يتجنب المواجهة. كما أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين لا يعبرون عن غضبهم يواجهون صعوبة في تنظيم مشاعرهم، ويكونون أكثر عرضة لنوبات الغضب المفاجئة في مواقف لا تستدعي هذا الانفعال.

الفرق بين ضبط النفس وكبت الغضب

من المهم التمييز بين “ضبط النفس” و”كبت الغضب”، فالأول يشير إلى القدرة الواعية على تأجيل رد الفعل الانفعالي إلى حين توفر ظروف مناسبة للتعبير عنه بشكل ناضج ومتزن، وهو أمر صحي ومطلوب. أما كبت الغضب، فهو منع المشاعر من الخروج تماماً، وغالباً ما يتم ذلك بدافع الخوف أو الشعور بالضعف أو عدم الرغبة في المواجهة.

ضبط النفس يُمارس من منطلق القوة النفسية والنضج العاطفي، بينما كبت الغضب غالباً ما يُمارس من منطلق الخوف أو القلق من فقدان الحب أو تفاقم الصراع. وشتّان بين الحالتين من حيث الأثر النفسي والجسدي.

الآثار التراكمية للغضب المكبوت

عند تكرار كبت الغضب في المواقف الزوجية، تتراكم المشاعر السلبية تدريجياً في النفس، ما يؤدي إلى تشكيل ما يشبه “خزان انفعالي” ينفجر في لحظة غير متوقعة، وقد يكون الانفجار عنيفاً ومدمراً. وقد أظهرت دراسات تحليلية طويلة المدى أن الأزواج الذين يكبتون مشاعرهم هم أكثر عرضة للطلاق والانفصال المفاجئ دون سابق إنذار، لأن المشاعر التي لا تُعبَّر عنها تفقد قيمتها في التواصل وتتحول إلى “شرخ صامت”.

كما أن كبت الغضب المتكرر قد يؤدي إلى تغيرات في الشخصية، منها الانسحاب العاطفي، جفاف التواصل، والشعور الدائم بأن الطرف الآخر لا يقدر أو لا يفهم. ويكون لهذه التحولات أثر عميق على استقرار الحياة الزوجية وعلى تربية الأطفال في بيئة يغيب عنها الحوار والانفتاح العاطفي.

كبت الغضب عند النساء والرجال: الفروق النوعية

تشير الدراسات إلى أن النساء أكثر ميلاً إلى كبت الغضب مقارنة بالرجال، ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى التنشئة الاجتماعية التي تكرس فكرة أن المرأة يجب أن تكون “هادئة”، “متفهمة”، و”متسامحة”، حتى على حساب صحتها النفسية. أما الرجال، ففي بعض السياقات، قد يميلون إلى كبت الغضب خوفاً من إيذاء الطرف الآخر أو تجنب فقدان السيطرة.

هذا التباين في التعبير والكبت يؤدي إلى نشوء فجوات نفسية بين الشريكين، لأن كل طرف يُفسر سلوك الآخر بناءً على منظوره الذاتي، ما يُعزز سوء الفهم ويضاعف المشاعر السلبية المكبوتة.

البدائل الصحية لكبت الغضب أثناء الخلافات الزوجية

• التواصل الواضح وغير العنيف: استخدام تعبيرات مثل “أنا أشعر…” بدلاً من “أنت تفعل…” لتجنب الهجوم المباشر وتحويل الغضب إلى تعبير بنّاء.

• الانسحاب المؤقت الواعي: الخروج المؤقت من الموقف لتجنب التصعيد، على أن يتبع ذلك عودة للحوار بعد هدوء المشاعر.

• التفريغ الجسدي للغضب: عبر المشي، الكتابة، أو ممارسة الرياضة، كوسيلة لتحويل الطاقة السلبية إلى طاقة حركية صحية.

• الاستشارة الزوجية: مراجعة متخصصين في العلاقات الزوجية يمكن أن يساعد في بناء أدوات تواصل أكثر نضجاً وفعالية.

• التنفس العميق والتأمل: أساليب تقليل التوتر الفوري تساعد على تهدئة رد الفعل الفسيولوجي للغضب، مما يمنح مساحة للتفكير المتزن.

الخلاصة الطبية والنفسية

يُعد كبت الغضب أثناء المشاجرات الزوجية أحد العوامل الصامتة التي تُساهم في تدهور الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء. وهو لا يُسهم في حل المشكلات، بل يعيد صياغتها في شكل أمراض جسدية أو اختلالات عاطفية، قد يصعب علاجها لاحقاً. ومن هنا، فإن تعلم التعبير عن المشاعر بطريقة واعية ومتزنة يُعد خطوة أساسية في بناء علاقة زوجية صحية تقوم على الصراحة، الاحترام، والانفتاح النفسي المتبادل.

المصادر:

• Psychosomatic Medicine Journal, American Psychosomatic Society

• Gottman, J. (1999). The Seven Principles for Making Marriage Work