10 حقائق عن كابلات شبكة الإنترنت تحت البحر

مقدمة

يشكّل الإنترنت في العصر الحديث العمود الفقري للاتصال العالمي، حيث تعتمد عليه جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تبادل المعلومات وإدارة الأنظمة الحساسة وتسيير الأعمال. غير أن القليل من الناس يدركون أن العمود الفقري الفعلي لشبكة الإنترنت العالمية لا يقوم على الأقمار الصناعية أو تكنولوجيا الجيل الخامس، بل على شبكة هائلة من الكابلات البحرية الممتدة في أعماق المحيطات، تربط القارات والدول ببعضها البعض عبر بيانات رقمية تسافر بسرعة الضوء تقريبًا.

كابلات الإنترنت تحت البحر تشكّل شبكة غير مرئية ولكنها حيوية بشكل بالغ، وهي تلعب دورًا أساسيًا في تشغيل العالم الرقمي الذي نحيا فيه اليوم. فيما يلي، استعراض معمق لعشر حقائق مفصلّة عن هذه البنية التحتية المحورية والتي غالبًا ما يتم تجاهلها رغم أهميتها القصوى.

1. أكثر من 95% من حركة الإنترنت تمر عبر كابلات بحرية

رغم الاعتقاد الشائع بأن الإنترنت يعتمد على الأقمار الصناعية، إلا أن الحقيقة هي أن ما يزيد عن 95% من حركة البيانات العالمية – من مكالمات هاتفية دولية، وبريد إلكتروني، وتصفح للمواقع، وبث للفيديوهات – تمر عبر الكابلات البحرية. هذه الكابلات تمتد عبر آلاف الكيلومترات وتربط القارات مثل أمريكا الشمالية بأوروبا، وآسيا بأفريقيا، والمحيط الهادئ بالمحيط الهندي، في شبكات معقدة ولكن فعّالة للغاية.

الكابلات البحرية توفر سعة نقل بيانات هائلة مقارنة بالأقمار الصناعية، كما أن زمن الانتقال (Latency) أقل بكثير، مما يجعلها الخيار الأمثل لتطبيقات تتطلب سرعة واستجابة فورية مثل تداول الأسهم وبث المحتوى عالي الدقة.

2. العدد الكلي للكابلات البحرية النشطة يتجاوز 500 كابل

حتى عام 2025، تشير البيانات إلى وجود أكثر من 500 كابل بحري نشط موزعين عبر محيطات العالم، بإجمالي أطوال تفوق 1.4 مليون كيلومتر. يتراوح طول الكابل الواحد من بضع عشرات من الكيلومترات إلى أكثر من 20,000 كيلومتر، مثل كابل “SEA-ME-WE 3” الذي يربط بين جنوب شرق آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

غالبًا ما تمتلك هذه الكابلات شركات اتصالات كبرى متعددة الجنسيات، أو يتم تطويرها عبر تحالفات بين دول وشركات خاصة، ويجري تمويلها بمئات الملايين من الدولارات، مما يعكس حجم أهميتها في البنية التحتية العالمية.

3. الكابلات البحرية ليست جديدة: عمرها يزيد عن 150 عامًا

تاريخ الكابلات البحرية يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، تحديدًا عام 1858، حيث تم مد أول كابل تلغراف تحت البحر بين أيرلندا ونيوفاوندلاند. هذا الكابل لم يدم طويلاً، لكنّه مهد الطريق لتطور تكنولوجي استثنائي على مدى العقود اللاحقة.

تطورت الكابلات من كابلات نحاسية تحمل إشارات تلغراف، إلى ألياف ضوئية تنقل بيانات رقمية بسرعة فائقة. التكنولوجيا الحديثة سمحت بنقل كميات هائلة من البيانات باستخدام الضوء داخل ألياف دقيقة جدًا مغلفة بطبقات حماية معقدة.

4. هيكل الكابل البحري شديد التعقيد ويحتوي على عدة طبقات حماية

يبدو الكابل البحري في صور الأقمار الصناعية كخط رفيع، لكنه في الواقع يتمتع ببنية معقدة للغاية لضمان استدامته في البيئات البحرية القاسية. يتكون الكابل من نواة مركزية من الألياف الضوئية، يحيط بها عدة طبقات من الحماية تشمل:

• طبقة من الهلام العازل للرطوبة

• طبقة فولاذية مضفرة للحماية من الضغط

• غلاف معدني ضد التآكل

• غلاف خارجي مقاوم للتيارات والاحتكاك

في المناطق الساحلية أو الضحلة، غالبًا ما يتم تدعيم الكابلات بطبقات إضافية وتُدفن تحت قاع البحر للحماية من مراسي السفن أو أنشطة الصيد.

5. الكابلات البحرية عرضة للتلف، ولكن يتم إصلاحها بسرعة فائقة

رغم التصميم المتين، تتعرض الكابلات البحرية لعدد من التهديدات، أبرزها:

• مراسي السفن

• معدات الصيد العميق

• الزلازل تحت البحر

• النشاط البركاني

• التدخل البشري المتعمد (التخريب أو التجسس)

عندما يتعرض كابل للتلف، يتم اكتشاف ذلك عبر انقطاع البيانات أو تغير في تدفقها، وتُرسل سفن خاصة إلى الموقع المحدد باستخدام نظام تحديد الأعطال. تقوم السفينة برفع الكابل المتضرر من الأعماق عبر رافعات خاصة ثم إصلاحه أو استبداله. زمن الاستجابة عادة يتراوح بين أيام إلى أسابيع حسب موقع الضرر وظروف البحر.

6. الشركات التكنولوجية الكبرى أصبحت تملك كابلاتها الخاصة

في السنوات الأخيرة، بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Google وFacebook وMicrosoft وAmazon في تمويل وتملك كابلات بحرية خاصة بها. الهدف من هذا التوجه هو التحكم الأكبر في تدفق البيانات، وزيادة سرعة خدماتها، وتقليل الاعتماد على أطراف ثالثة.

مثال على ذلك كابل “Dunant” الذي تملكه Google، ويصل بين الولايات المتحدة وفرنسا بطول يقارب 6,600 كيلومتر، ويوفر قدرة نقل تصل إلى 250 تيرابت في الثانية.

هذا التوجه يعكس التحول في ميزان القوى من شركات الاتصالات التقليدية إلى عمالقة التكنولوجيا الذين باتوا يتحكمون في البنية التحتية للإنترنت أيضًا.

7. عمليات التجسس والرقابة تمر أحيانًا عبر الكابلات البحرية

نظرًا لأن الكابلات البحرية تمر بكميات هائلة من المعلومات الحساسة، فإنها أصبحت هدفًا استراتيجيًا لوكالات الاستخبارات حول العالم. وثائق ويكيليكس وتسريبات إدوارد سنودن كشفت عن برامج واسعة النطاق تقوم بها وكالات مثل وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) لاعتراض البيانات من نقاط عبور الكابلات أو محطاتها الساحلية.

تعتمد العديد من الدول على التشفير المتقدم لحماية البيانات أثناء انتقالها، لكن التهديدات لا تزال قائمة، لا سيما في المحطات الأرضية حيث تنفصل البيانات عن الكابل وتصبح أكثر عرضة للوصول.

8. كابلات الإنترنت يمكن أن تحدد الجغرافيا السياسية للعالم

توزيع الكابلات البحرية ليس محايدًا جغرافيًا أو سياسيًا. الدول التي تستضيف نقاط ربط أو محطات رئيسية تتمتع بنفوذ استراتيجي هائل في منظومة الإنترنت. على سبيل المثال، تمر العديد من الكابلات عبر مضيق جبل طارق، قناة السويس، ومضيق هرمز، ما يجعلها نقاط اختناق استراتيجية.

تتنافس القوى العالمية على الاستثمار في مشاريع الكابلات البحرية لتعزيز نفوذها الجيوسياسي. الصين على سبيل المثال، تدعم مشاريع كابلات تربطها بإفريقيا وجنوب آسيا ضمن مبادرة “الحزام والطريق الرقمي”، بينما تطور الولايات المتحدة تحالفات كابلات بديلة لتقليل اعتمادها على شبكات يُحتمل أن تكون خاضعة للنفوذ الصيني.

9. كلفة بناء وصيانة كابل بحري تتعدى مئات ملايين الدولارات

بناء كابل بحري عالمي يتطلب تخطيطًا هندسيًا دقيقًا، ورسوماً تنظيمية دولية، وتقنيات متقدمة في الحفر والتمديد، بالإضافة إلى سفن متخصصة. تكلفة مشروع كابل عالمي واحد يمكن أن تتراوح بين 300 مليون إلى 800 مليون دولار، حسب الطول والمسار والبيئة البحرية.

كما أن الصيانة الدورية والاستجابة للأعطال تضيف عبئًا ماليًا كبيرًا على المشغلين، مما يجعل الاستثمار في هذه الكابلات مقصورًا غالبًا على تحالفات دولية أو شركات تكنولوجيا كبرى.

10. الكابلات البحرية تزداد أهمية في ظل تزايد الطلب العالمي على البيانات

مع تنامي الاعتماد على الحوسبة السحابية، الذكاء الاصطناعي، وتطبيقات الواقع الافتراضي، يتضاعف الطلب العالمي على نقل البيانات بوتيرة غير مسبوقة. تشير التقديرات إلى أن حركة البيانات العالمية تتضاعف كل 18 إلى 24 شهرًا، مما يتطلب تطوير كابلات بحرية جديدة أكثر قدرة واستدامة.

التقنيات الحديثة مثل تقسيم الطيف الضوئي (Space Division Multiplexing)، والتشفير الكمومي، وتطوير الألياف متعددة النوى، هي تقنيات واعدة قيد التجريب لزيادة الكفاءة المستقبلية للكابلات البحرية، وتحقيق استقرار أكبر للبنية التحتية الرقمية العالمية.

جدول يوضح مقارنة بين الكابلات البحرية والأقمار الصناعية في نقل البيانات

الخاتمة

تُعد كابلات الإنترنت البحرية العمود الفقري غير المرئي لعصر المعلومات الحديث، وهي بنية تحتية فائقة التعقيد تتشابك فيها التكنولوجيا، الجغرافيا، والسياسة. في عالم يزداد اعتمادًا على البيانات، تصبح هذه الكابلات بمثابة شرايين رقمية تمد الحضارة المعاصرة بما تحتاجه من اتصال ومعرفة، وتحدد في كثير من الأحيان ملامح القوة والتأثير في الساحة الدولية.

المراجع:

• TeleGeography Submarine Cable Map

• IEEE Spectrum: Undersea Cables – Who Owns Them and Why It Matters