قيمة المرأة في المجتمع

لمن لا يعرف قيمة المرأة

لطالما كانت المرأة عنصرًا حيويًا في جميع جوانب الحياة الإنسانية، إلا أن هناك من يجهل أو يتجاهل دورها العظيم في المجتمع والعائلة والعالم بأسره. يُعتبر الحديث عن “قيمة المرأة” من المواضيع الأساسية التي تتطلب التأمل العميق، خاصة في ظل الظروف التي ما زالت بعض المجتمعات فيها تعاني من التمييز على أساس الجنس. إن الحديث عن قيمة المرأة ليس مجرد كلمات منمقة، بل هو دعوة لإعادة النظر في المواقف والتصورات الخاطئة التي قد تكون قد تراكمت عبر الزمان.

في هذا المقال، سوف نتناول قيمة المرأة من عدة جوانب، بدءًا من مكانتها في الإسلام، مرورًا بدورها في المجتمع والأسرة، وصولاً إلى تأثيرها في مجالات العلم والسياسة والاقتصاد.

قيمة المرأة في الإسلام

من أولى الديانات السماوية التي أعطت المرأة مكانة عظيمة، جاء الإسلام ليؤكد على حقوقها ويعزز من دورها في المجتمع. فقد كان قبل الإسلام وضع المرأة في بعض المجتمعات متدنيًا، حيث كان يُنظر إليها ككائن تابع للرجل لا حقوق لها سوى الطاعة والتبعية. لكن القرآن الكريم جاء ليرسم صورة جديدة للمرأة، توضح دورها المركزي في بناء المجتمع والحفاظ على استمراريته.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ… وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَولَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَن أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ” (سورة الإسراء، 31). هذه الآية تؤكد أهمية دور المرأة كأم، وحقها في رعاية وتربية الأبناء على أكمل وجه. ولم يقتصر هذا التقدير على الأمومة فقط، بل شمل المرأة في جميع جوانب حياتها، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختًا.

دور المرأة في الأسرة

منذ بدء الخليقة، كانت المرأة ولا تزال حجر الزاوية في بناء الأسرة. لقد كانت ولا تزال في معظم الأحيان مصدر الحب والرعاية، وهي التي تعطي الأسرة التوازن العاطفي والنفسي. لا يقتصر دور المرأة في العناية بالأطفال وحسب، بل هي أيضًا شريكة الرجل في تحمل المسؤوليات، وتدير الكثير من الأمور الحياتية اليومية.

تربية الأجيال القادمة هي واحدة من أبرز المسؤوليات التي تتحملها المرأة. فالمرأة الأم تشكل في النهاية النواة الأولى للمجتمع، حيث تقدم لأبنائها الأسس التي سيبنون عليها شخصياتهم. تلك المبادئ والمعتقدات التي تغرسها في نفوس أطفالها قد تكون محورية في تشكيل المستقبل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات.

المرأة في العلم والمعرفة

بعيدًا عن الأنماط التقليدية التي كانت تحد من وصول المرأة إلى التعليم في عصور ماضية، فإن النساء في العصر الحديث أثبتن قدراتهن الفائقة في مختلف مجالات العلوم. من العالمة “ماري كوري” الحائزة على جائزة نوبل في مجال الفيزياء والكيمياء، إلى “ماري آنينغ” التي غيرت الكثير في علم الحفريات، تمثل النساء في مجال العلم نموذجًا يحتذى به.

وفي عصرنا الحالي، نجد العديد من النساء اللواتي ساهمن بشكل غير محدود في مجال الطب، والتكنولوجيا، والهندسة، والفضاء، وغير ذلك. فالمرأة لا تقل قدرة عن الرجل في مجال البحث العلمي والابتكار، وما يثبت ذلك هو انخراطها في أكبر المؤسسات البحثية والتعليمية في العالم.

المرأة في الاقتصاد والسياسة

على الرغم من التحديات والقيود التي فرضتها بعض الثقافات والمجتمعات على المرأة، إلا أن العديد من النساء أظهرن قوتهن وقدرتهن على التأثير في الاقتصاد والسياسة على مدار التاريخ. إن دور المرأة في الاقتصادات الحديثة أصبح لا غنى عنه، حيث تشغل النساء اليوم العديد من المناصب القيادية في الشركات الكبرى والمصارف والبنوك، بل وأصبحن من أكبر الأسماء في مجال ريادة الأعمال.

على المستوى السياسي، كان للمرأة أيضًا دور بارز في العديد من الثورات والتغيرات السياسية. في العالم العربي، على سبيل المثال، لعبت المرأة دورًا محوريًا في الثورات الشعبية التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية. وفي العديد من الدول الغربية، حصلت النساء على الحق في التصويت والمشاركة في العملية السياسية بعد نضال طويل، مما ساهم في تشكيل سياسات أكثر شمولية واهتمامًا بقضايا النساء.

المرأة كمؤثرة في المجتمع

تعتبر المرأة اليوم من أهم القوى المؤثرة في المجتمع. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للنساء أن يعبرن عن آرائهن، ويشاركن تجاربهن، ويناضلن من أجل قضاياهن. كما أن دور المرأة في الإعلام والفنون لا يمكن تجاهله، حيث برزت العديد من الفنانات والمبدعات اللاتي استطعن التأثير في الأجيال الحالية والمستقبلية.

إن النساء اليوم ليسن مجرد متلقين للثقافة والمعلومات، بل هن من يصنعنها ويشكلنها. استطاعت المرأة أن تثبت قدرتها على قيادة الحركات الاجتماعية، وأن تبرز كصوت قوي يدافع عن القضايا الاجتماعية والبيئية والصحية.

التحديات التي تواجه المرأة

رغم هذا الدور الفاعل للمرأة، إلا أنها لا تزال تواجه العديد من التحديات التي تمنعها من تحقيق إمكاناتها بالكامل. فالتمييز بين الجنسين لا يزال قائمًا في العديد من المجالات، مثل الأجور غير المتساوية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وقلة الفرص التعليمية والمهنية في بعض الأماكن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التقدم المستمر في مجال حقوق المرأة والتوعية حول أهمية إلغاء الفوارق بين الجنسين يشكل خطوة هامة نحو تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في شتى المجالات.

خاتمة

إن الحديث عن قيمة المرأة لا يمكن اختصاره في كلمات أو تعبيرات. فهي ليست مجرد كائن موجود لخدمة المجتمع أو الأسرة، بل هي أساس حيوي لتقدم البشرية. إن تقدير قيمة المرأة ليس فقط في الاعتراف بقدراتها، بل في دعم حقوقها وفتح المجالات أمامها للمشاركة بشكل كامل في بناء عالم أكثر عدلاً وتوازنًا.

لذا، لمن لا يعرف قيمة المرأة، نقول: إن المرأة هي القوة المبدعة، والرافعة للاقتصاد، والمدرسة الأولى لبناء الأجيال، والشريك في بناء المستقبل. وإذا أردنا عالمًا أفضل، فعلينا أن ندرك جيدًا أن قيمة المرأة لا يمكن أن تكون محل شك أو نقاش.