قيادة فعّالة في الأزمات: بناء الثقة وتعزيز المرونة

في هذه اللحظة الحاسمة، تتجلى أهمية القيادة الحقيقية، إذ يجد القائد نفسه أمام امتحان حياة يحدد بواسطته طبيعة قدرته على التحدي والتصدي للظروف القاسية. إنها لحظة تكوين الهوية القيادية، حيث يبرز القائد ذاته كحامل لحق الإدراك وفهم الحقيقة، وكربط حيوي بين الماضي والمستقبل، يستخدم فيه روحه الداخلية كأفضل أداة لاستكشاف المجهول في عالم يعج بالتحولات والتقلبات.

في فجر العام 1780، كانت “أبيجيل آدمز” تخطب ابنها “جون كينزي”، وتوجه إليه بكلمات تتركز على أهمية التحديات في صقل الشخصية. تقول: “الشخصية العظيمة لا تولد في جو هادئ أو في بيئة فارغة، بل تنمو فقط في مواجهة التحديات المتتالية والمتنوعة. إن الحاجة الملحة هي استكشاف أعماق الإنسان وأنبل الفضائل المزروعة في وعيه.”

وهكذا، يتجلى فهم الأزمة كتهديد وفرصة في نفس الوقت. لقد هزت الأزمات قوام العديد من القادة ومؤسساتهم، ولكن بالمقابل، أصر آخرون على تحدياتهم وتجاوزها. يكمن في وجه الأزمة فرصة للنجاح وتطوير المهارات القيادية، فالقادة الذين يستطيعون توجيه فريقهم عبر الظروف الصعبة يكتسبون احترام الآخرين ودعمهم.

في علم اللغة الصينية، يُستخدم رمزان للتعبير عن مفهوم الأزمة، حيث يُرمز الحرف الأول إلى “التهديد” والحرف التالي إلى “الفرصة”. وهكذا يجب أن ينظر القائد إلى الأزمة، فهي ليست فقط تحديًا، بل هي أيضًا فرصة للتغلب والتقدم.

في مواجهة الأزمة، يبرز القادة الذين يتقنون مجالات متعددة ويظهرون مرونة قدرتهم على التكيف مع التحولات والتغيرات. يُذكر قول جيف إميلت أن “القيادة هي رحلة طويلة ذات طابع خاص”، وفي بعض الأحيان، تكون محفوفة بالتحديات والتوتر. لذا يجب على القائد أن يتعلم كيف يكون قائدًا فعّالًا وموثوقًا به، دون أن يتوارج عن مهمته بسبب الظروف الصعبة.

وهنا يأتي دور الممارسات القيادية في التصدي للأزمات. إذ يمكن استخدام دروس وتصورات سابقة للتعامل مع التحديات وتعزيز قدرات القائد على الوقوف والبناء خلال الأزمات.

الدرس الأول: واجه الواقع واعترف بأخطائك
لن يتمكن القائد من التعامل مع الأزمة إلا إذا أدرك أنه يواجه وضعًا صعبًا وأن لديه دورًا في ذلك. يبدأ التعامل مع الواقع من خلال الاعتراف بالمسؤولية عن ظهور الأزمة ودفع منظمته نحو مواجهتها.

في سياق ملهم، تجلت قصة شركة “Amgen” في عام 2007، حيث تم مواجهة تحديات كبيرة بشأن عقار “Aranesp”. كان الرئيس التنفيذي “كيفين شيرير” يتعامل مع أزمة تهدد سمعة الشركة ومبيعاتها. ومع ذلك، فقد اعترف بالأخطاء وشجع موظفيه على الاعتراف بأخطائهم، مما ساعد الشركة على الخروج من الأزمة والاحتفاظ بمكانتها في السوق.

وهكذا، يظهر أهمية تكييف الشخص والمؤسسة مع الواقع الجديد، حيث يقول شيرير: “لمن يبقى؟ هل هو للأقدم، الأقوى أم الأسرع؟ لا، إنما للأصلح والأكثر قدرة على التكيف مع واقعه الجديد.”

الدرس الثاني: تسليط الضوء على المخاوف
لا يمكن للقائد حل جميع المشكلات بمفرده، ولذا يجب أن يتجه إلى فريقه للحصول على الدعم والتعاون. إن التحديات تشكل فرصة لتعزيز العلاقات الفردية والجماعية، وهي لحظة يجب استغلالها بجدية لتعزيز التواصل وبناء الروح الجماعية.

في ختام هذه الرحلة، يظهر أن الأزمة ليست مجرد اختبار، بل هي منصة لبناء الشخصية القيادية وتطويرها. يُظهر القائد الحقيقي تصرفات وممارسات فريدة تميزه عندما يواجه التحديات، وهو الذي يعيش واقعه ويسعى لاستخدام الأزمة كمنصة للنمو والتقدم.