أسباب العصبية وأهم محفزاتها

عنوان المقال: أسباب العصبية وعواملها الخفية

تُعدّ العصبية إحدى الانفعالات النفسية الشائعة في حياة الإنسان اليومية، وهي حالة شعورية تتصف بالتوتر والانفعال المفرط تجاه مواقف أو محفزات خارجية أو داخلية. ورغم أنّ الشعور بالغضب أو الانفعال قد يبدو طبيعياً ضمن الحدود المقبولة، إلا أن العصبية المزمنة أو المفرطة تعكس وجود خلل ما، سواء على المستوى النفسي، أو العصبي، أو الجسدي، أو الاجتماعي. وتكمن أهمية فهم العصبية في أنها قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح، مثل تدهور العلاقات الاجتماعية، والإضرار بالصحة البدنية والنفسية، وتراجع جودة الحياة بشكل عام.

هذا المقال يستعرض بشكل معمق أسباب العصبية ويحللها من زوايا متعددة تشمل الجوانب البيولوجية، النفسية، الاجتماعية، والسلوكية، إلى جانب تسليط الضوء على الأبعاد الثقافية والعصبية المرتبطة بها.

أولاً: الأسباب البيولوجية والعصبية للعصبية

ترتبط العصبية بشكل مباشر بوظائف الدماغ والجهاز العصبي المركزي، إذ تلعب بعض المواد الكيميائية العصبية دوراً رئيسياً في تنظيم الحالة المزاجية والانفعالات، مثل:

1. اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ

أحد الأسباب الأساسية للعصبية هو الخلل في مستويات النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين. عندما تنخفض هذه المواد أو تُفرز بشكل غير منتظم، يصبح الفرد أكثر عرضة للقلق، والتوتر، والانفعال المفرط.

2. فرط نشاط الجهاز العصبي الودي

في حالات التوتر أو الضغط النفسي، ينشط الجهاز العصبي الودي الذي يحفّز إفراز هرمونات التوتر كالكورتيزول والأدرينالين. هذا النشاط المستمر قد يجعل الجسم في حالة استنفار دائم، ويزيد من التهيج والانفعال.

3. مشكلات صحية عضوية

ترتبط بعض الحالات الجسدية بزيادة مستوى العصبية، مثل:

• اضطرابات الغدة الدرقية (فرط نشاطها).

• نقص فيتامين B12 والمغنيسيوم.

• فقر الدم أو اضطرابات سكر الدم.

• الأمراض العصبية مثل الصرع أو الشقيقة.

ثانياً: الأسباب النفسية للعصبية

العوامل النفسية لها تأثير مباشر في استجابة الفرد للمثيرات الخارجية. ومن أبرز الأسباب النفسية:

1. القلق المزمن

الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق غالباً ما يكونون أكثر عرضة للانفجارات العصبية بسبب الضغط النفسي المستمر وتوقع الخطر حتى في غياب محفز حقيقي.

2. الاكتئاب المقنّع

يُعدّ الاكتئاب أحد الأسباب الكامنة وراء العصبية، حيث يظهر عند البعض في شكل انفعال، وحدة طبع، وتقلب مزاجي بدل الحزن أو الانسحاب الاجتماعي التقليدي.

3. الضغط النفسي والتوتر المستمر

الحياة اليومية في ظل الضغوط المالية، أو العملية، أو الأسرية، قد تدفع الإنسان إلى استجابات عصبية مفرطة، خصوصاً إذا لم يكن لديه آليات نفسية صحية لتفريغ هذه الضغوط.

4. ضعف مهارات التعامل مع المشاعر

الأشخاص الذين لا يمتلكون مهارات تعبير صحي عن المشاعر، أو الذين يكبتون غضبهم لفترات طويلة، قد ينفجرون لاحقاً بشكل عصبي دون إنذار.

ثالثاً: الأسباب الاجتماعية والسلوكية

1. بيئة الطفولة والتنشئة

النشأة في بيئة أسرية متوترة أو مليئة بالعنف اللفظي أو الجسدي، تخلق نمطاً من الاستجابات العصبية المكتسبة. كما أن التقليد الاجتماعي للسلوكيات العدوانية أو الانفعالية يسهم في تكوين شخصية عصبية في مرحلة البلوغ.

2. التعرض للضغوط الاجتماعية

كثرة المتطلبات الاجتماعية والمهنية، والشعور الدائم بالمقارنة مع الآخرين، وعدم الرضا الذاتي، يمكن أن تؤدي إلى شعور دائم بالإحباط والانفعال.

3. سوء إدارة الوقت والمجهود

عدم التنظيم الشخصي، والتعرض للإرهاق الجسدي، وضيق الوقت، كلها عوامل تُضعف قدرة الفرد على ضبط أعصابه، وتدفعه للعصبية كردة فعل على الفوضى الداخلية والخارجية.

4. الإدمان على وسائل التواصل

التعرض المفرط للمثيرات السلبية في الإعلام ووسائل التواصل، مثل الأخبار السيئة، والمحتوى المثير للجدل، قد يولّد توتراً دائماً، ويجعل الشخص في حالة تأهب واستعداد للرد بعصبية.

رابعاً: العوامل الهرمونية

1. التقلبات الهرمونية لدى النساء

تؤثر التغيرات الهرمونية بشكل واضح في الحالة النفسية، خاصةً أثناء الدورة الشهرية، أو الحمل، أو ما قبل سن اليأس، وهو ما قد يزيد من احتمالية العصبية والانفعال.

2. التستوستيرون والاندفاع

ارتفاع مستويات التستوستيرون لدى الرجال قد يرتبط بزيادة العدوانية والانفعالات العصبية في بعض الحالات، خاصة عند وجود محفزات سلوكية أو اجتماعية.

خامساً: الأسباب الثقافية والبيئية

تختلف طبيعة التعبير عن الانفعال والعصبية باختلاف الثقافات والمجتمعات. بعض الثقافات تميل إلى الكبت والانضباط، فيما تتيح أخرى مساحة أكبر للتعبير المباشر عن الغضب. هذا يؤثر على تقييم العصبية كحالة مرضية أو سلوك طبيعي.

1. الضغوط الاقتصادية والسياسية

في المجتمعات التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي، تكون العصبية أعلى نتيجة الشعور بعدم الأمان، وانعدام السيطرة، والخوف من المستقبل.

2. الازدحام والضوضاء والتلوث البصري

العيش في بيئات مكتظة وصاخبة يُسهم في زيادة مستويات التوتر الحسي والعصبي، وبالتالي تصبح العصبية استجابة شبه يومية لمحفزات بيئية لا يمكن تجنبها.

سادساً: الجوانب الوراثية

تشير الأبحاث إلى أن هناك استعداداً وراثياً لبعض الأشخاص لتطوير شخصية عصبية، إذ تنتقل بعض السمات مثل سرعة الغضب، أو الحساسية الزائدة، من خلال الجينات. غير أن الوراثة وحدها لا تكفي، بل تتفاعل مع العوامل البيئية والنفسية لتشكيل السلوك النهائي.

جدول يوضح الفروقات بين العصبية الطبيعية والمَرَضية

سابعاً: العادات السيئة التي تعزز العصبية

بعض السلوكيات اليومية التي تبدو بسيطة في ظاهرها، قد تؤدي إلى تفاقم العصبية مثل:

• السهر الطويل واضطرابات النوم.

• الإفراط في تناول الكافيين والمنبهات.

• التغذية السيئة والاعتماد على السكريات.

• الإدمان على الهواتف الذكية قبل النوم.

• غياب النشاط البدني المنتظم.

ثامناً: العصبية كعرض لحالة أعمق

في بعض الحالات، تكون العصبية عرضاً لا يُمكن اعتباره منفصلاً عن اضطرابات نفسية أخرى مثل:

• اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder).

• اضطراب الوسواس القهري.

• اضطرابات ما بعد الصدمة.

• اضطراب ثنائي القطب.

وفي هذه الحالات، لا تكفي محاولات التحكم في العصبية وحدها، بل يجب معالجة السبب الجذري من خلال تدخل نفسي أو طبي.

المصادر:

1. Mayo Clinic – Irritability and its Causes.

2. American Psychological Association – Understanding Anger and Irritability.

هذا المقال يغطي بعمق الأبعاد المختلفة التي تسهم في ظهور العصبية، ويدعو إلى فهمها كتركيبة متعددة العوامل وليس مجرد انفعال لحظي، ما يمهد الطريق إلى التعامل معها بأسلوب علمي وعملي يساهم في تحسين جودة حياة الأفراد.