قوة التحكم بالانفعالات.. رؤية علمية وإيمانية – الجزء الأول
التحكم بالانفعالات يعد أحد المواضيع التي تلقى اهتمامًا كبيرًا في ميادين متعددة، سواء في المجال النفسي، الاجتماعي، أو حتى الروحي. من المعروف أن الانفعالات تتفاعل مع مختلف الظروف والتحديات الحياتية، وقد تكون هذه الانفعالات مدمرة أو بنّاءة بحسب طريقة التحكم فيها. في هذا المقال، نستعرض تأثير الانفعالات على حياتنا، وكيفية تطوير قدرتنا على التحكم بها، مع تسليط الضوء على الرؤية العلمية والإيمانية لهذه المسألة.
مفهوم الانفعالات
الانفعالات هي استجابات فورية ومؤقتة للمحفزات الخارجية أو الداخلية، وتتمثل في مشاعر مثل الغضب، الفرح، الحزن، الخوف، والدهشة. وتعتبر الانفعالات جزءًا من التركيبة النفسية البشرية التي تنظم سلوك الفرد وتوجهه تجاه الأحداث. يعتقد الكثيرون أن الانفعالات مجرد ردود فعل تلقائية ليس بإمكاننا التحكم فيها، لكن هذا غير صحيح؛ فالانفعالات هي ظاهرة يمكن تعديلها وتنظيمها، الأمر الذي يتطلب وعيًا ذاتيًا وتقنيات معينة.
الانفعالات من منظور علمي
علم النفس يعترف بأهمية الانفعالات في تشكيل سلوك الفرد وقراراته. تندرج الانفعالات تحت ما يُعرف بالوظائف النفسية التي تساهم في تفاعل الإنسان مع البيئة المحيطة به. وعندما يواجه الشخص موقفًا مثيرًا، سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا، يتفاعل عقله ومخه مع تلك المحفزات لتوليد انفعال.
كيف يسيطر الدماغ على الانفعالات؟
عندما يتعرض الإنسان لمواقف معينة، يتم تفعيل جهازه العصبي، ويبدأ الدماغ في معالجة المعلومات والتفاعل معها من خلال مركزين رئيسيين:
- المخ limbic system: وهو المسؤول عن تنظيم الانفعالات مثل الخوف والغضب.
- القشرة المخية prefrontal cortex: التي تتحكم في العمليات المعرفية مثل التفكير المنطقي واتخاذ القرارات.
الدماغ البشري قادر على تنظيم الانفعالات من خلال قشرة المخ الأمامية، التي تعمل كآلية تحكم في الانفعالات غير المرغوب فيها. ولكن مع ذلك، تتأثر هذه العملية بالعديد من العوامل مثل الضغط النفسي والتجارب السابقة، مما قد يجعل التحكم في الانفعالات أمرًا معقدًا في بعض الأحيان.
تقنيات التحكم بالانفعالات في علم النفس
- التنفس العميق: واحدة من أكثر تقنيات التحكم في الانفعالات فعالية، حيث يعمل التنفس العميق على تقليل التوتر وتهدئة الجهاز العصبي.
- التأمل واليقظة: يُعد التأمل والتدريب على اليقظة (Mindfulness) من الطرق الفعالة لزيادة وعي الشخص بمشاعره، مما يساعده في التحكم بها بدلًا من الاستسلام لها.
- إعادة التقييم المعرفي: وهذه التقنية تعتمد على تغيير تفسير الفرد للمواقف الصعبة، بحيث يراها بشكل إيجابي أو محايد بدلاً من الاستجابة السلبية.
الانفعالات في المنظور الإيماني
في الديانة الإسلامية، يعتبر ضبط الانفعالات والتحكم فيها جزءًا من تعاليم الأخلاق والتربية النفسية. القرآن الكريم والسنة النبوية يوجهان المسلمين إلى كيفية التعامل مع الانفعالات وتوجيهها بشكل صحيح، بعيدًا عن التأثيرات السلبية.
القرآن الكريم وتعاليمه في التحكم بالانفعالات
في القرآن الكريم، توجد العديد من الآيات التي تحث على التحكم في الغضب والتصرف بحكمة في المواقف الصعبة. قال الله تعالى:
“وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (آل عمران: 134).
هذه الآية تدعو إلى ضبط الغضب والكظم، وهو ما يعني الامتناع عن الاستجابة السلبية للغضب أو الانفعالات. يعتبر الكظم من أعلى مراتب التحكم في الانفعال، حيث يتم التحكم في الغضب من خلال قرار واعٍ وموقف هادئ.
السنة النبوية ودروسها في التحكم بالانفعالات
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قدوة في كيفية التحكم في الانفعالات، حيث ورد في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
“ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.” (رواه البخاري)
هذا الحديث يظهر أهمية التحكم في النفس خاصة في لحظات الغضب، حيث يُعتبر الشخص الذي يستطيع التحكم في نفسه في تلك اللحظات الشديدة هو الشخص القوي حقًا.
قوة التحكم بالانفعالات في حياتنا
القدرة على التحكم بالانفعالات تعد من أعظم القوى النفسية التي يمتلكها الإنسان. فالفرد الذي يستطيع ضبط مشاعره في المواقف المختلفة يتمتع بقدرة أكبر على اتخاذ قرارات صائبة، كما أن هذا التحكم يعزز علاقاته الاجتماعية، سواء مع الأصدقاء أو الأسرة أو الزملاء.
إحدى أهم فوائد التحكم بالانفعالات هي تجنب اتخاذ قرارات متسرعة قد تؤدي إلى الندم في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التحكم بالانفعالات يزيد من قدرة الشخص على تحمل ضغوط الحياة والمواقف المحرجة.
خاتمة الجزء الأول
في الختام، يتبين أن قوة التحكم بالانفعالات لا تقتصر فقط على الجانب العلمي، بل لها جانب إيماني عميق. من خلال تبني التقنيات العلمية والإيمان بتوجيهات الدين، يمكن للإنسان أن يطور قدرته على التحكم في انفعالاته، مما يعزز من جودة حياته النفسية والاجتماعية. في الجزء الثاني من هذا المقال، سنتناول المزيد من التقنيات التي تساعد في ضبط الانفعالات، بالإضافة إلى استعراض كيفية تطبيقها بشكل عملي في الحياة اليومية.