قلوب الأخطبوط ووظائفها

عدد قلوب الأخطبوط، وظائفها، تركيبها، وأسرارها البيولوجية الفريدة

يُعد الأخطبوط من الكائنات البحرية اللافقارية التي لطالما أثارت دهشة العلماء والباحثين بسبب خصائصه الفريدة وقدراته غير المألوفة. ينتمي الأخطبوط إلى طائفة الرأسقدميات (Cephalopoda)، وهو كائن يتمتع بذكاء خارق، ومرونة جسمانية نادرة، بالإضافة إلى قدرة مذهلة على التمويه وتغيير اللون والنمط الجلدي، وهي خصائص منحته أفضلية بقاء كبيرة في أعماق المحيطات. من بين هذه السمات البيولوجية المثيرة، يحتل الجهاز الدوري في جسد الأخطبوط – وخاصة تعدد قلوبه – مكانة خاصة في الدراسات العلمية، نظراً لتفرده بين معظم الكائنات البحرية. في هذا المقال الموسّع، سنستعرض بالتفصيل عدد قلوب الأخطبوط، وظائفها، بنيتها، علاقتها بتكوين الجسم والسلوك الحيوي، والأهمية التطورية لهذه الظاهرة النادرة.

التركيب التشريحي العام للأخطبوط

قبل الخوض في تفاصيل قلوب الأخطبوط، لا بد من فهم البنية التشريحية العامة لهذا الكائن. يتكون جسم الأخطبوط من ثلاثة أجزاء رئيسية:

1. الرأس: يحتوي على الدماغ، العينين، والفم.

2. العباءة (Mantle): وهي الجزء العضلي الرئيسي الذي يحتوي على معظم الأعضاء الحيوية كالقلب، الكبد، الجهاز الهضمي، والجهاز التناسلي.

3. الأذرع الثمانية: وهي مرنة وعضلية وتُعد مركزاً حسياً وحركياً بالغ الأهمية، إذ يحتوي كل ذراع على مئات الممصات وأعصاب مستقلة.

كم عدد قلوب الأخطبوط؟

الأخطبوط يمتلك ثلاثة قلوب، وهي من أبرز السمات البيولوجية التي تميزه عن معظم الكائنات الحية. وتُقسم هذه القلوب إلى:

1. قلب مركزي واحد (Systemic Heart)

2. قلبان فرعيان (Branchial Hearts)

وهذا التكوين الثلاثي القلبي لا يُرى إلا في بعض أنواع الرخويات، ويُعد تطوراً نوعياً في الجهاز الدوري للأخطبوط من أجل تلبية حاجاته الفسيولوجية المعقدة.

وظائف القلوب الثلاثة

1. القلب المركزي (القلب الجهازي)

• يقع هذا القلب في منتصف الجسم، ويُعد المسؤول الأساسي عن ضخ الدم المؤكسج إلى جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك الأذرع والرأس والأنسجة الداخلية.

• يتوقف هذا القلب عن العمل مؤقتاً عندما يسبح الأخطبوط، وهي ظاهرة غريبة تفسر سبب ميل الأخطبوط إلى الزحف بدلاً من السباحة المستمرة.

• ضخ الدم عبر القلب الجهازي يحدث تحت ضغط أعلى نسبياً لتأمين تدفق الدم المحمل بالأكسجين إلى الأنسجة العضلية النشطة.

2. القلبان الفرعيان (قلبي الخياشيم)

• كل قلب فرعي مرتبط بخيشومية واحدة، ويعمل على ضخ الدم غير المؤكسج من الجسم إلى الخياشيم حيث يتم تبادل الغازات.

• تلعب هذه القلوب دوراً مهماً في تنظيم تدفق الدم خلال عملية التنفس، وهي خاصية تضمن فعالية عالية في استخلاص الأكسجين من المياه.

آلية دوران الدم

يدور الدم في جسم الأخطبوط بنظام مغلق مكون من دورتين:

• الدورة الخيشومية: يبدأ الدم من الجسم إلى القلبين الفرعيين، ومن هناك إلى الخياشيم حيث يتم تحميله بالأكسجين.

• الدورة الجهازية: ينقل القلب المركزي الدم المؤكسج من الخياشيم إلى بقية الجسم.

ويُلاحظ أن كل قلب يعمل ضمن نطاق وظيفي محدد، في تنسيق دقيق يضمن بقاء الجسم مؤكسجاً ومتزوداً بالطاقة المطلوبة للحركة، التمويه، والهروب السريع عند الضرورة.

تركيب الدم وعلاقته بالقلوب

دم الأخطبوط يختلف عن دم الإنسان في التركيب الكيميائي، حيث يعتمد على الهيموسيانين (Hemocyanin) بدلاً من الهيموغلوبين لنقل الأكسجين. يحتوي الهيموسيانين على النحاس بدلاً من الحديد، ويعطي الدم لوناً أزرق بدلاً من الأحمر.

• فعالية الهيموسيانين تكون أعلى في درجات الحرارة المنخفضة، وهو ما يُفسر سبب فعالية هذا النظام الدوري في أعماق البحار الباردة حيث يعيش العديد من أنواع الأخطبوط.

• نظرًا لأن الهيموسيانين أقل كفاءة من الهيموغلوبين في نقل الأكسجين، فإن الحاجة إلى ثلاث قلوب يُعد تكيفًا لتعويض هذا القصور عبر زيادة كمية الدم المتدفقة وضمان تشبع الأنسجة بالأكسجين.

التكيف التطوري والأهمية البيولوجية لتعدد القلوب

وجود ثلاثة قلوب في جسد الأخطبوط لا يُعد رفاهية تشريحية بل ضرورة حيوية تطورت عبر ملايين السنين لضمان:

• كفاءة دوران الدم في بيئة مائية منخفضة الأكسجين.

• المرونة الحركية اللازمة للهرب من المفترسات والاصطياد الدقيق للفريسة.

• القدرة على التمويه والتلوّن بسرعة، وهي عمليات تستهلك طاقة كبيرة تتطلب إمداداً عالياً بالأكسجين.

يُضاف إلى ذلك أن الأخطبوط من الكائنات التي تعتمد على نمط حياة نشط نسبياً، وهو ما يستدعي جهازاً دورانياً عالي الكفاءة. فقد أثبتت الدراسات أن كل قلب يعمل بتناغم دقيق مع القلوب الأخرى، وفي حال توقف أحدها عن العمل (كما في القلب الجهازي عند السباحة)، يتم تعويضه مؤقتاً بالتوزيع المتوازن للدم عبر الأوعية الثانوية.

تأثير السباحة على عمل القلوب

ظاهرة توقف القلب المركزي مؤقتاً أثناء السباحة تُعد إحدى السمات المثيرة في فسيولوجيا الأخطبوط. فعندما يسبح، يتوقف القلب الجهازي عن ضخ الدم، مما يقلل من كفاءة توزيع الأكسجين ويجعل السباحة مرهقة على المستوى الطاقوي. وهذا ما يفسر لجوء الأخطبوط إلى الزحف كوسيلة تنقل أساسية، وهي أقل تكلفة طاقوية مقارنة بالسباحة.

الجدول: مقارنة بين قلوب الأخطبوط ووظائفها

التباين بين الأنواع المختلفة من الأخطبوط

رغم أن جميع أنواع الأخطبوط تمتلك هذا التكوين القلبي الثلاثي، إلا أن كفاءة عمل القلوب تختلف من نوع لآخر حسب:

• عمق المياه التي يعيش فيها

• نسبة الأوكسجين في البيئة المحيطة

• الحجم العام للأخطبوط

• نشاطه اليومي وسلوكه الغذائي

فمثلاً، الأخطبوط العملاق في شمال المحيط الهادئ يملك نظاماً