قصة النبي عيسى عليه السلام

قصة النبي عيسى عليه السلام: من المهد إلى المعراج

يعد النبي عيسى بن مريم عليه السلام من الشخصيات المركزية في الديانات السماوية، وتعتبر سيرته نموذجًا حيًّا للرحمة، والتضحية، والإيمان. تشترك القصص حول حياته في العديد من جوانبها بين القرآن الكريم والتوراة والإنجيل، ولكن لكل ديانة زاويتها الخاصة في عرض تفاصيل هذه القصة العظيمة. نركز في هذا المقال على تقديم القصة من منظور إسلامي مستندين إلى ما ورد في القرآن الكريم، حيث يعتبر عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، الذي بعثه الله لهداية بني إسرائيل.

الولادة المعجزة

تبدأ قصة النبي عيسى عليه السلام من حادثة ولادته التي كانت معجزة فريدة. فقد كانت السيدة مريم العذراء بنت عمران قد نذرت نفسها لله، وعاشت في معبد صغير خاضعة للعبادة والاعتكاف. وحدث أن جاءها المَلَك جبرائيل عليه السلام ليبشّرها بأنها ستصبح أمًا لابن مبارك، رغم أنها لم تتزوج ولم يمسّها بشر. وكان هذا الأمر غريبًا بالنسبة لها، فطلبت من جبرائيل كيف يكون هذا، فقال لها: “كذلك قال ربك هو عليَّ هين، ولنجعله آيةً للناس ورحمةً منا وكان أمرًا مقضيًا” (سورة مريم: 21).

وبذلك، كانت ولادة عيسى عليه السلام معجزة، حيث وُلِد من دون أب، ليكون ذلك علامة على قدرة الله المطلقة في خلقه. وقد وصف القرآن الكريم ولادته في العديد من الآيات، مثل قوله تعالى: “فأشار إليها قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا” (سورة مريم: 23)، وهو ما يوضح حالة الحيرة والدهشة التي كانت تعيشها السيدة مريم بعد ولادة عيسى، لكنها واجهت ذلك بتسليم تام لإرادة الله.

الطفولة المعجزة

مرت حياة النبي عيسى عليه السلام في بداية مراحلها بالكثير من المعجزات التي ظهرت لتأكيد نبوته. فقد كان عيسى عليه السلام طفلًا مميزًا، حيث كان يتكلم في المهد. في حادثة فريدة، تحدث عيسى في مهده وقال: “إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًّا” (سورة مريم: 30-31). هذه الواقعة كانت شهادة من الله على أن عيسى كان نبيًا ورسولًا منذ لحظة ولادته.

كما ذكر القرآن الكريم معجزة أخرى في طفولته، عندما جعل الله من عيسى سببًا لإحياء الطير من الطين، حيث صنع طيرًا من طين ثم نفخ فيه فكان طيرًا بإذن الله، وقد فعل ذلك كمعجزة لإثبات قوة الله وعظمته (سورة آل عمران: 49).

الدعوة إلى التوحيد

نشأ عيسى عليه السلام في بني إسرائيل في وقت كانت فيه الأمة اليهودية قد ابتعدت عن دين الله، وتمسكت بالتقاليد والشرائع التي كانت في كثير منها من صنع البشر. بعث الله عز وجل عيسى ليُصلح المجتمع ويُعيده إلى عبادة الله وحده، وكان أولى رسائله هي التوحيد وعبادة الله. قدّم عيسى عليه السلام معجزات كثيرة دعما لرسالته، فقد كان يشفي المرضى ويُبرئ الأكمة والأبرص ويُحيي الموتى بإذن الله، مما جعل له الكثير من الأتباع. لكن في المقابل، كان هناك من يرفض دعوته ويكذبه.

إحدى المعجزات الكبرى التي قام بها عيسى عليه السلام هي معجزته الكبرى في إحياء الموتى. فقد ذكر القرآن أن عيسى أحيى رجلًا ميتًا وأعاد له الحياة، وكان هذا من أجل إثبات قوة الله في الخلق والحياة. كذلك، كان عيسى عليه السلام يطعم الجياع، ويشفي المرضى، ويبرهن دائمًا أن كل ما يفعله هو بأمر الله وإرادته.

الاختلاف حوله بين بني إسرائيل

كما هو الحال مع العديد من الأنبياء، فقد واجه عيسى عليه السلام معارضة شديدة من بعض قادة بني إسرائيل. كان هؤلاء القادة يعتبرون دعوته تهديدًا لسلطتهم الدينية والروحية، فحاولوا تكذيبه ورفضوا معجزاته رغم وضوحها. ورغم ذلك، كان له العديد من الأتباع الذين آمنوا برسالته، حتى أن بعضهم كان يصفه بالمخلص المنتظر، بينما رفض آخرون هذه الدعوة.

ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم يذكر بعض الحوارات التي جرت بين عيسى وقومه، مثل السؤال عن ماهية طعامه، أو التساؤل عن آيات الله التي جاء بها. وكان عيسى دائمًا يُجيبهم بالحكمة والبرهان من عند الله، ويؤكد لهم أنه ليس إلا عبدًا لله ورسولا مُرسلا.

الصلب ورفع عيسى عليه السلام

أحد الأجزاء الأشد إثارة في قصة النبي عيسى عليه السلام هو ما يتعلق بصلبه، حيث تختلف الروايات بين القرآن الكريم والمصادر المسيحية. بينما تذكر الأناجيل المسيحية أن عيسى قد صُلِب ورفع إلى السماء، ينفي القرآن الكريم هذه الرواية تمامًا.

القرآن الكريم يوضح أن بني إسرائيل قد حاكوا مؤامرة لقتل عيسى عليه السلام، إلا أن الله عز وجل أنقذه من بينهم، حيث قال تعالى: “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ” (سورة النساء: 157). وهو ما يعني أن عيسى لم يُصلب ولم يُقتل، بل رفعه الله إليه وأخذ جسمه إلى السماء، بينما ظن أعداؤه أنهم قد قتلوه.

عودة عيسى عليه السلام

ويعتقد المسلمون أن عيسى عليه السلام سيعود في آخر الزمان ليكون أحد العلامات الكبرى لقيام الساعة. في روايات عدة، يُذكر أن عيسى عليه السلام سيعود ليكسر الصليب ويقتل الخنزير، وسيحكم بالعدل، ويحقق السلام في الأرض. وسيؤمن به اليهود والمسيحيون في تلك الفترة، ثم يموت بعد ذلك حياة طبيعية كما يموت جميع البشر.

دور عيسى عليه السلام في الإسلام

يُعتبر عيسى عليه السلام في الإسلام نبيًا من أولي العزم، الذين لهم مكانة خاصة في الدين الإسلامي. يؤمن المسلمون أنه عبد لله ورسوله، وأنه لم يُصلب ولم يُقتل، بل رفعه الله إليه. يذكر القرآن الكريم عيسى في عدة سور، ومنها سورة آل عمران، وسورة مريم، وسورة النساء، وغيرها من السور التي تعرض جوانب مختلفة من حياته ومعجزاته. ويرتبط ذكر عيسى في الإسلام بمفهوم التوحيد، حيث يُعتبر رسولًا جاء ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

خاتمة

قصة النبي عيسى عليه السلام تمثل واحدة من أعظم القصص في تاريخ البشرية، فهي مليئة بالمعجزات والتحديات التي واجهها هذا النبي العظيم في سبيل نشر رسالته. من ولادته المعجزة إلى معجزاته العديدة ورفعه إلى السماء، كانت حياته مليئة بالبركات والدروس التي تساهم في تعزيز الإيمان بالله وفي فهم عميق لمفهوم التوحيد. إن النبي عيسى عليه السلام يمثل رمزًا للأمل والإيمان والرحمة، ولا تزال قصته تمثل مصدر إلهام لملايين الناس حول العالم.