قصيدة البردة وكعب بن زهير

شرح قصيدة البردة لكعب بن زهير

قصيدة البردة هي إحدى أشهر وأعظم القصائد في الأدب العربي، وقد كتبها الشاعر كعب بن زهير في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم. تعتبر هذه القصيدة من أروع ما قيل في مدح الرسول، وتحمل في طياتها معاني سامية ورؤى فنية تعكس مكانة الشاعر وعمق إيمانه. في هذا المقال، سنحاول تحليل وشرح هذه القصيدة العظيمة، مع تسليط الضوء على أهم الأبعاد الثقافية واللغوية والتاريخية التي تميزها.

1. نبذة عن حياة كعب بن زهير

كعب بن زهير هو شاعر عربي من أسرة قريشية نبيلة. كان من الشعراء المعروفين في الجاهلية قبل أن يدخل الإسلام. كان في البداية من أعداء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر في شعره العديد من الهجاء ضد المسلمين. ولكن بعد أن سمع عن معجزات النبي وحسن سيرته، قرر أن يهجر خصومته للنبي ويذهب إليه شخصياً. وصل إلى المدينة في سنة 9 هـ بعد أن شعر بالندم على هجائه للنبي، وتوجه إليه في مجلسه.

تروى الحكاية الشهيرة أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ قصيدته الشهيرة “البردة” التي مدح فيها الرسول، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الأبيات، ثم أعطاه بردته التي كانت جلباباً مميزاً له. ومن هنا جاءت تسميتها بـ “قصيدة البردة”. وقد كانت هذه اللحظة نقطة تحول في حياة كعب بن زهير، حيث أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت القصيدة التي مدح فيها النبي.

2. مقدمة القصيدة: التحول من الهجاء إلى المدح

في مطلع القصيدة، يبدأ كعب بن زهير بأسلوب فني يعكس التحول الكبير في قلبه. فقد بدأ القصيدة بالاعتراف بخطأه وتوبته، قائلاً:

“بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ

مُتيمٌ أثرهُ لم يُفْتِقِ”

هنا يعبر الشاعر عن مشاعره الشخصية وحزنه العميق على فراق “سعاد”، التي قد تكون رمزاً للألم أو للندم في حياته السابقة. ثم يصف حاله بعد التوبة والتحول من الهجاء إلى المدح، حيث أصبح قلبه مشتاقاً لحب الرسول صلى الله عليه وسلم.

3. المدح النبوي في قصيدة البردة

عندما وصل الشاعر إلى وصف النبي صلى الله عليه وسلم، فقد استخدم أسلوباً بلاغياً رفيعاً، حيث ركز على جمال وصف النبي من حيث صفاته الجسدية والأخلاقية. فقال:

“أثبَتُ وجهٍ بَضٍّ حُسنهُ

مُزجَّ بِلطفٍ ورحْمَةٍ سَابِغَةٍ”

هنا يشير الشاعر إلى جمال وجه النبي صلى الله عليه وسلم، كما يذكر خصائصه من الرأفة والرحمة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الشاعر، نموذجًا للصفات الإنسانية الطيبة والنبيلة التي تتمثل في حسن التعامل مع الآخرين والرحمة بالفقراء والمحتاجين.

4. البلاغة والفنون الأدبية في القصيدة

تتسم القصيدة بعدد من الأشكال البلاغية التي تجعلها من أعظم القصائد في الأدب العربي. فقد استخدم الشاعر الأسلوب المجازي والوصف البليغ لوصف النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى التنقل بين الصور الشعرية المختلفة التي تجمع بين العاطفة والشرف والكرم. من أبرز الأساليب البلاغية في القصيدة:

• التشبيه والاستعارة: حيث استخدم الشاعر التشبيه في تصوير جمال النبي وسمو أخلاقه. مثلما في قوله “كَأنَّ فِيهِ رِيحَ الصَّبَاءِ” الذي يشير إلى النقاء والطهارة.

• الطباق والمقابلة: في العديد من الأبيات، يعارض كعب بين صفات النبي صلى الله عليه وسلم وبين أفعال المشركين أو أعداء الإسلام، مما يبرز تميز النبي صلى الله عليه وسلم.

5. الجزء الأخير من القصيدة: التسليم والتوبة

في الأبيات الأخيرة من قصيدته، يعبر كعب بن زهير عن توبته الحقيقية وندمه على ما بدر منه من هجاء للنبي. وقد استخدم أسلوب الاعتراف والتسليم لتوجيه الشكر والامتنان للنبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الأبيات، يظهر عمق إيمانه واستعداده للذوبان في حب النبي ورسالته. يقول:

“أمَّا النَّبيُّ فإنَّك أعلَتَ الناسُ

إِنَّما كانَ عِزُّك وفَخْركَ به”

هنا يعبر الشاعر عن تسليمه الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم، معتقداً أن الرسول هو من أسمى الشخصيات التي كانت السبب في رفع مكانته وسمعته بين الناس.

6. دلالة “البردة” على التوبة والمغفرة

إن قصيدة البردة هي بمثابة رمز للتوبة والمغفرة. عندما أهدى النبي صلى الله عليه وسلم كعباً بن زهير بردته، كان ذلك بمثابة شهادة على تقبل التوبة والمغفرة من الله ورسوله. هذه الهدية كانت بمثابة اعتراف من النبي بنقاء قلب كعب بن زهير بعد توبته، وفتح له الباب ليكون من أهل الإيمان.

7. أهمية قصيدة البردة في تاريخ الأدب العربي

لقد تركت قصيدة البردة أثراً كبيراً في الأدب العربي، واعتبرت واحدة من أروع ما قيل في مدح النبي صلى الله عليه وسلم. وقد حظيت القصيدة بشعبية كبيرة في الأوساط الأدبية والدينية، وظلت تدرس وتُقرأ عبر الأجيال. كانت القصيدة بمثابة جسر بين الجاهلية والإسلام، حيث قدمت نموذجاً للشاعر الذي يتحول من الهجاء إلى المدح، ومن الظلام إلى النور. كما أن القصيدة ساهمت في إبراز خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة معبرة، مما جعلها مرجعاً كبيراً في الأدب العربي.

8. الختام: رسالة قصيدة البردة

تُعد قصيدة البردة مثالاً عظيماً على التحول الروحي والفكري، فهي تعكس كيف أن الشاعر قد استطاع أن يتجاوز العداء والتحدي ليصل إلى مرحلة الإيمان والتسليم الكامل. إن في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، نجد صورة حية للرحمة والعظمة التي كان يتمتع بها، وهي رسالة تكتسب معناها العميق في العصر الحديث، حيث تظل قيم الحب والرحمة والتسامح من أساسيات الحياة الإنسانية.