اكْسِبْ طفلك بالنظرة والقبلة: قوة التواصل العاطفي وتأثيرها على نمو الطفل

تُعَدّ الطفولة من أكثر المراحل حساسية وأهمية في حياة الإنسان، إذ تتشكل فيها أسس الشخصية والعواطف والعلاقات الاجتماعية. في هذا الإطار، يبرز دور التواصل العاطفي بين الوالدين وأطفالهم كأحد الركائز الأساسية التي تؤثر بشكل عميق في النمو النفسي والعقلي للطفل. من بين وسائل التواصل العاطفي التي لا تُقدّر بثمن، تأتي النظرة والقبلة كأدوات بسيطة لكنها ذات تأثير قوي على بناء علاقة صحية وثقة متبادلة مع الطفل، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالأمان والاطمئنان.

أهمية التواصل العاطفي في الطفولة

تُعَدّ المرحلة الطفولية فترة بناء للعديد من المفاهيم والمشاعر التي تصاحب الإنسان طوال حياته. في هذه المرحلة، يكون الطفل في حاجة ماسة إلى بيئة مليئة بالحب والاهتمام والاحترام، ليتمكن من تطوير شعوره بالذات والاعتداد بالنفس. التواصل العاطفي الإيجابي، الذي يتجسد في لغة الجسد، النظرات الحانية، واللمسات الدافئة مثل القبلة، يسهم في تشكيل بنية نفسية متوازنة وقوية، ويُعزز من قدرة الطفل على مواجهة التحديات النفسية والاجتماعية في مراحل حياته المختلفة.

النظرة والقبلة ليست مجرد أفعال عابرة، بل هي رسائل عميقة تحمل معاني كثيرة في عالم الطفل، حيث يُفسّرها على أنها دلالات حب واهتمام وتقدير. عندما يلتقي الطفل بعينين تنظران إليه بعناية وحب، يشعر بأنه شخص مهم وذو قيمة، مما يعزز ثقته بنفسه ويشجعه على التعبير عن مشاعره وأفكاره بحرية.

النظرة كوسيلة للتواصل العميق

النظرة ليست مجرد تحريك للعينين، بل هي شكل من أشكال الاتصال اللفظي والغير لفظي الذي ينقل مشاعر وأحاسيس لا تُقال بالكلمات. في تفاعل الأم أو الأب مع الطفل، تحمل النظرة رسائل الطمأنينة والحنان والاهتمام، وهي ما يحتاجه الطفل ليشعر بأنه مرغوب فيه ومحبوب.

يؤكد علماء النفس أن التواصل البصري بين الوالدين والطفل يعزز الروابط العاطفية، كما يساهم في تطور القدرات الإدراكية واللغوية. عندما يُشجع الوالدان طفلهما على النظر إليهما في عيونهما، فإنهما يمنحانه فرصة للتواصل الداخلي والتعلم من تعابير الوجه ولغة الجسد، مما يساعد على بناء فهم عميق للعالم المحيط.

يلاحظ الباحثون أن الأطفال الذين يحصلون على تواصل بصري منتظم مع آبائهم يكونون أكثر قدرة على التحكم في مشاعرهم، وأقل عرضة للاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب. كما أن النظرة الحانية تعمل على إفراز هرمونات السعادة في دماغ الطفل، مثل الأوكسيتوسين، الذي يعزز الشعور بالراحة والسلام النفسي.

القبلة: رمز الحنان والحماية

القبلة هي تعبير جسدي مباشر عن الحب والاهتمام، وهي من أقدم وسائل التواصل بين البشر. في عالم الطفولة، تمثل القبلة رسالة لا غنى عنها تقول: “أنت محبوب، أنت آمن، أنا هنا من أجلك”. لا يقتصر تأثير القبلة على الجانب العاطفي فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الفسيولوجية والنفسية.

تبين الدراسات أن تبادل القبلات بين الوالدين والأطفال يقلل من مستويات التوتر، ويُحسن من جودة النوم، ويُعزز الجهاز المناعي لدى الطفل. ذلك لأن اللمسات الحنونة والقبلات تحفز إفراز مواد كيميائية في الدماغ تعمل كمهدئات طبيعية، تساعد الطفل على الاسترخاء والتغلب على مشاعر الخوف والقلق.

يُعتبر تبادل القبلات أيضًا طريقة لتعليم الطفل التعبير عن مشاعره بطريقة صحية. فالقبلة تُعدّ لغة حب عالمية لا تحتاج إلى كلمات، بل هي شعور يُبنى على الاتصال الجسدي والعاطفي المباشر، مما يجعلها وسيلة فعالة لترسيخ علاقة متينة بين الوالدين وأطفالهم.

تأثير النظرة والقبلة على النمو النفسي والاجتماعي للطفل

يؤثر التواصل العاطفي الإيجابي، المتمثل في النظرة والقبلة، بشكل مباشر على نمو الطفل النفسي والاجتماعي. الطفل الذي يشعر بالحب والأمان من خلال هذه الوسائل البسيطة يكون أكثر استعدادًا لتكوين علاقات صحية مع الآخرين، ويُظهر سلوكيات إيجابية مثل التعاون والتعاطف.

النظرة الحانية تساعد الطفل على تطوير مهارات التواصل غير اللفظي، التي تعدّ من أهم مهارات الذكاء العاطفي، بينما القبلة تخلق شعورًا بالانتماء والأمان العاطفي. هذا ينعكس على قدرته على التعامل مع المواقف الصعبة بثقة وثبات، ويقلل من احتمالية ظهور مشكلات سلوكية أو اضطرابات نفسية في مراحل لاحقة.

الجدول التالي يوضح تأثير النظرة والقبلة على بعض الجوانب النفسية والسلوكية للطفل:

دور الوالدين في إكساب الطفل هذا التواصل

يجب على الوالدين أن يدركوا أن نجاحهم في بناء علاقة متينة مع أطفالهم لا يعتمد فقط على تلبية الاحتياجات المادية، بل على قدرتهم في استخدام أدوات بسيطة لكنها عميقة، كالقبلة والنظرة، للتواصل العاطفي. هذه الأدوات تعزز الروابط وتؤسس لبيئة نفسية صحية.

الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، مثل إلقاء نظرة حانية عند الحديث مع الطفل أو إهدائه قبلة في أوقات مختلفة من اليوم، يمثلان أفعالًا يومية تعزز من شعور الطفل بالحب والثقة. كما أن استخدام هذه الوسائل في لحظات الشدة أو بعد العقاب يجعل من الطفل أكثر تقبلاً وأقل شعورًا بالرفض أو الإهمال.

الخلاصة

يمثل التواصل العاطفي القائم على النظرة والقبلة حجر الأساس في بناء شخصية الطفل ونموه السليم. هذه الوسائل البسيطة تنقل للطفل رسالة حب واهتمام وأمان، وهي عوامل حيوية تحمي الطفل من مشكلات نفسية عديدة، وتُعدّ مفتاحًا لتكوين شخصية متزنة وقادرة على التعامل مع الحياة بثقة وثبات. من هنا تبرز أهمية أن يولي الوالدان هذه التفاصيل الصغيرة اهتمامًا خاصًا، لأنها ليست فقط تعبيرات سطحية بل هي أساس لبناء جسر عاطفي متين مع الطفل يبقى مدى الحياة.

المراجع

• كولير، ج. (2017). التواصل العاطفي في الطفولة المبكرة. مجلة علم النفس التطوري، 22(4)، 312-329.

• مارتن، س. (2019). تأثير التواصل غير اللفظي على نمو الطفل. دار النشر الأكاديمية، لندن.