أعراض التوحد وأسبابه

أعرض التوحد: أسبابها، تأثيراتها وسبل التعامل معها

يُعتبر التوحد من أبرز الاضطرابات العصبية التي تصيب الأطفال في مراحل مبكرة من العمر، وله تأثيرات كبيرة على جوانب متعددة من حياة الشخص المصاب. تشير الدراسات الحديثة إلى أن التوحد ليس مجرد مرض واحد، بل هو طيف من الاضطرابات التي تشمل مجموعة واسعة من الأعراض والمظاهر السلوكية والمعرفية والاجتماعية. في هذا المقال، سيتم التطرق إلى أعرض التوحد بشكل مفصل، بما في ذلك أسبابها المحتملة، التأثيرات التي تترتب عليها، وكيفية التعامل مع الأطفال المصابين بهذا الاضطراب.

1. تعريف التوحد

التوحد هو اضطراب في النمو العصبي يؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع العالم من حولهم. يصنف التوحد ضمن الاضطرابات الطيفية، مما يعني أنه يمكن أن يظهر بنطاق واسع من الأعراض شديدة التفاوت من شخص لآخر. عادةً ما تظهر أعراض التوحد في مراحل الطفولة المبكرة، وتتجلى في صعوبات في التفاعل الاجتماعي، التواصل، والتصرفات النمطية.

2. أنواع التوحد وأعرضه

أ. التوحد الكلاسيكي

يُعرف التوحد الكلاسيكي أيضًا باسم “الاضطراب في النمو العصبي”، ويتميز بمجموعة من الأعراض التي تبدأ عادة في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. من أبرز هذه الأعراض:

• صعوبة في التواصل الاجتماعي: يعاني الأفراد المصابون بهذا النوع من التوحد من صعوبة في التفاعل مع الآخرين وفهم الإشارات الاجتماعية مثل تعبيرات الوجه ولغة الجسد.

• الأنماط السلوكية النمطية: قد يظهر الأطفال المصابون بتوحد كلاسيكي سلوكيات متكررة مثل التكرار المستمر لحركات معينة أو الألعاب.

• التأخر في المهارات اللغوية: يواجه الكثير من الأطفال المصابين بالتوحد صعوبة في اكتساب المهارات اللغوية، مما يؤثر على قدرتهم على التواصل بكفاءة.

ب. التوحد عالي الأداء

أحيانًا يطلق على هذا النوع اسم “الأسبرجر” (على الرغم من أن هذا المصطلح لم يعد يُستخدم كثيرًا في التصنيفات الحديثة). يتميز هذا النوع من التوحد بأن الأفراد يتمتعون بذكاء طبيعي أو أعلى من المتوسط، لكنهم قد يعانون من صعوبات في التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين، ويواجهون صعوبة في فهم المفاهيم المجردة أو تغيير الروتين اليومي.

ج. اضطراب النمو العام

هذا النوع من التوحد يتسم بتأخر في النمو الاجتماعي واللغوي والسلوكي. يمكن أن يواجه الأطفال الذين يعانون من اضطراب النمو العام صعوبة كبيرة في تطوير المهارات الحركية والتفاعلية.

د. التوحد مع الإعاقة الذهنية

في هذه الحالة، يعاني الطفل المصاب من تأخر شديد في قدراته العقلية إلى جانب الأعراض التوحدية. قد يكون هناك أيضًا صعوبات في المهارات الحركية والتعلم.

3. أسباب التوحد

في حين أن سبب التوحد لم يتم تحديده بشكل قاطع حتى الآن، تشير الأبحاث إلى أن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية قد تلعب دورًا في ظهوره. هناك بعض العوامل التي قد تكون مرتبطة بظهور التوحد، مثل:

• العوامل الوراثية: تشير الدراسات إلى أن التوحد يمكن أن يكون موروثًا إلى حد كبير، حيث أظهرت الأبحاث أن وجود توأم أو أخوين مصابين بالتوحد يزيد من احتمالية إصابة فرد آخر في الأسرة.

• العوامل البيئية: عوامل مثل الولادة المبكرة، نقص الأوكسجين أثناء الولادة، أو تعرض الجنين لعدوى أو مواد كيميائية قد تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالتوحد.

• الاضطرابات في الدماغ: قد تكون هناك تشوهات في تطور الدماغ تساهم في ظهور أعراض التوحد، مما يتسبب في خلل في كيفية معالجة الدماغ للمعلومات.

4. تأثيرات التوحد على الطفل

تتفاوت تأثيرات التوحد بشكل كبير من طفل لآخر، ولكن هناك بعض التأثيرات المشتركة التي قد يعاني منها الأطفال المصابون. تتضمن هذه التأثيرات:

• صعوبات في التواصل الاجتماعي: يُعتبر التواصل الاجتماعي من أبرز التحديات التي يواجهها الطفل المصاب بالتوحد. قد يواجه صعوبة في التواصل مع الأقران أو البالغين، وقد ينعزل عنهم بشكل مستمر. يعاني البعض من صعوبة في فهم اللمسات الجسدية أو حتى التعبيرات الوجهية.

• صعوبة في التعبير عن المشاعر: الأطفال المصابون بالتوحد قد يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بشكل ملائم، مما قد يؤدي إلى مشاعر الإحباط أو التوتر.

• الأنماط السلوكية النمطية: الأطفال المصابون بالتوحد قد يظهرون سلوكيات متكررة وغير مرنة، مثل التكرار المستمر للأفعال أو الانشغال بأشياء محددة. هذه الأنماط قد تشمل التلويح بالأيدي أو الدواران المستمر.

• صعوبات في مهارات الحياة اليومية: يمكن أن يعاني الأطفال المصابون من صعوبة في تعلم المهارات اليومية مثل الأكل، اللباس، أو استخدام الحمام بشكل مستقل.

5. سبل التشخيص المبكر والعلاج

التشخيص المبكر للتوحد أمر بالغ الأهمية، حيث يمكن أن يساعد في تحسين الفرص العلاجية وتقديم الدعم اللازم للأطفال المصابين. في البداية، قد يلاحظ الآباء أو المعلمون تغييرات في سلوك الطفل مثل عدم التفاعل مع الآخرين أو التأخر في المهارات اللغوية.

يُشخص التوحد عادة عن طريق مجموعة من التقييمات التي تشمل المراقبة السلوكية والتقييم النفسي والعصبي. قد يُستخدم أيضًا اختبار “مقابلة التوحد” (ADI-R) أو “فحص التوحد” (ADOS) لتقييم الأعراض.

العلاج والتدخل المبكر

على الرغم من أنه لا يوجد علاج نهائي للتوحد، إلا أن هناك العديد من الأساليب العلاجية التي يمكن أن تساعد في تحسين مهارات الأطفال المصابين. تشمل هذه الأساليب:

• العلاج السلوكي المعرفي: يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي من أنجح العلاجات المستخدمة لتعليم الأطفال المصابين بالتوحد مهارات التفاعل الاجتماعي واللغوي.

• التدريب على مهارات الحياة اليومية: يساعد تدريب الأطفال على أداء الأنشطة اليومية بشكل مستقل في تعزيز قدرتهم على التفاعل مع العالم من حولهم.

• العلاج بالتخاطب: يُعدّ العلاج بالتخاطب أساسيًا لتحسين مهارات اللغة والتواصل.

• التدخلات العلاجية الطبيعية والتمارين الحركية: يمكن أن تساعد بعض التدخلات البديلة مثل العلاج بالحركة أو العلاج الطبيعي في تعزيز التواصل الاجتماعي.

6. التعامل مع التوحد في الحياة اليومية

من الضروري توفير بيئة داعمة للأطفال المصابين بالتوحد تساعدهم على التكيف مع متطلبات الحياة اليومية. يمكن أن يشمل ذلك:

• إنشاء روتين ثابت: الأطفال المصابون بالتوحد يفضلون الروتين الثابت والمألوف. من خلال توفير بيئة روتينية، يتم تقليل مشاعر القلق والتوتر.

• تعليمهم المهارات الاجتماعية: يمكن أن يتعلم الأطفال المصابون بالتوحد كيفية التعامل مع المواقف الاجتماعية من خلال التوجيه والدعم المستمر.

• استخدام تقنيات التعلم المرئي: بما أن الكثير من الأطفال المصابين بالتوحد يتعلمون بشكل أفضل من خلال الملاحظات البصرية، فإنه من المفيد استخدام أدوات تعليمية مرئية مثل الصور والرسوم المتحركة.

7. أهمية الدعم الأسري والمجتمعي

تعتبر الأسرة والمجتمع دورًا محوريًا في دعم الأطفال المصابين بالتوحد. في المنزل، يجب على الأسرة أن تقدم بيئة محبة وآمنة تساعد على التطور الاجتماعي والعاطفي. أما في المجتمع، فيجب أن تكون هناك سياسات تضمن حقوق الأفراد المصابين بالتوحد وتوفر لهم فرصًا متساوية في التعليم والعمل.

8. الخاتمة

يعتبر التوحد أحد الاضطرابات العصبية التي تؤثر بشكل عميق على حياة الأطفال وعائلاتهم. لكن مع التشخيص المبكر والتدخل المناسب، يمكن للعديد من الأطفال المصابين بالتوحد أن يعيشوا حياة مليئة بالفرص والإنجازات.