قصة رية وسكينة: جريمة مروعة

قصة رية وسكينة: بين الواقع والخيال

تعد قصة رية وسكينة واحدة من أشهر وأغرب القصص التي عرفها تاريخ مصر الحديث، وارتبطت بشخصيات غير تقليدية تمثل أسطورة من أساطير الجريمة المصرية. وبالرغم من مرور أكثر من مئة عام على الأحداث، فإن قصة رية وسكينة ما زالت تثير الجدل وتحتل مكانة بارزة في الذاكرة الشعبية، وتظل محط اهتمام العديد من الباحثين والمثقفين الذين يحاولون فك طلاسم هذه القصة التي تتداخل فيها الحقائق مع الخيال، وتختلط فيها مشاعر الندم والشر.

البداية: من هي رية وسكينة؟

ريا وسكينة هما اسمان ارتبطا بشكل وثيق في الأذهان بمجزرة قتل مروعة شغلت الرأي العام في أوائل القرن العشرين في مصر. وُلدت رية وسكينة في قرية صغيرة في الدلتا، وكانتا في البداية مجرد فتاتين بسيطتين في أعين الناس، لكن تحولتا لاحقًا إلى أسمائهما التي ارتبطت بجريمة قتل تقشعر لها الأبدان.

ريهام أحمد (أو رية كما كانت تُعرف في الأوساط الشعبية) وسكينة حسن عبد الرحيم كانتا شقيقتين ارتبطت حياتهما بمجموعة من الحكايات والممارسات غير القانونية، حيث بدأن في فترة ما بيع وشراء في السوق السوداء، وتحديدا في مجال الأعمال المحرمة مثل الدعارة والإجرام. لكن لم يكن أحد يتوقع أن تقود هذه الأنشطة إلى كارثة مروعة تهز المجتمع المصري بأسره.

الخلفية الاجتماعية والتاريخية: مصر في بداية القرن العشرين

في مطلع القرن العشرين، كانت مصر تمر بفترة حرجة من تاريخها. كانت البلاد تحت الاحتلال البريطاني، وكان الشعب يعاني من الفقر والبطالة وانتشار الأمراض. وقد تأثرت شرائح واسعة من المجتمع بالقهر والفقر المدقع، ما دفع البعض إلى اللجوء إلى أساليب غير مشروعة لتأمين لقمة العيش. في هذا السياق الاجتماعي المضطرب، قد تكون حياة رية وسكينة قد بدأت تأخذ مساراً مغايراً، مع انغماسهما في أفعال شنيعة جعلتهما محط أنظار الصحافة والجمهور.

البداية: الوقائع المحيرة

كان بداية تلك القصة المأساوية في عام 1920 عندما بدأت الشقيقتان في ممارسة أعمال مشبوهة تحت غطاء بيوت الدعارة والتجارة غير المشروعة. في تلك الفترة، كانت القاهرة مكانًا تتداخل فيه طبقات اجتماعية متعددة، حيث نشأت في العاصمة شبكات تجارة الجنس والانحراف، ووجدت رية وسكينة فرصتهما في تلك البيئة غير الصحية.

بدأت الأقاويل تتردد عن قيام الشقيقتين بجذب ضحايا من النساء اللواتي يأتين إلى بيوت الدعارة، وأحيانًا عن طريق “التجارة” بهن. ما كانت تعرفه معظم الناس في البداية كان مجرد شائعات حول سلوك غير عادي، لكن الحقيقة المروعة تكشفت بعد ذلك حينما ظهر أن الشقيقتين كانتا تُقَومان في قتل ضحاياهن بعد أن تُغريهن، ثم تقومان بسرقة ممتلكاتهن.

الجريمة الكبرى: كيف تحولت رية وسكينة إلى قاتلتين؟

في الوقت الذي اعتقد فيه الكثيرون أن الشقيقتين فقط تديرون “محلات دعارة” في حي محرم بك في الإسكندرية، كانت الحقائق أبشع من ذلك. فمع الوقت، بدأت الشقيقتان في استخدام أساليب مروعة لقتل النساء اللواتي يجذبنهن إلى تلك البيوت. وبدأت الجرائم تتوالى في موجات متعاقبة.

كانت ضحايا الشقيقتين في الغالب من النساء اللاتي لا حول لهن ولا قوة. وكانن يبدأن بالتودد إليهن، ثم يدفعهن إلى ارتكاب أفعال غير مشروعة، وعندما يكشفن عن نواياهن أو يبدأن في التهديد بكشف سلوكيات الشقيقتين للعامة، كان يُقدِّمن على قتلهن. كانت الطريقة المعتادة في قتل الضحايا هي ضربهن على رأسهن بالأسلحة الحادة، ثم تقومان بسرقة متعلقاتهن الشخصية مثل المجوهرات والأموال.

أثارت هذه الجرائم الرعب في الشارع المصري، حيث بدأت الشرطة في التحقيق والبحث عن المجرمتين، وعما إذا كانا يعملان بمفردهما أو لهما شركاء آخرون.

إلقاء القبض على رية وسكينة: بداية النهاية

في عام 1921، بدأ ضباط الشرطة في توجيه الأنظار نحو رية وسكينة بعد أن اكتشفت السلطات جثث عدة نساء في منطقة محرم بك. وأدت عملية التحقيق إلى ربط الشقيقتين بهذه الجرائم، مما جعلها موضوعًا ساخنًا في الصحف المصرية في تلك الفترة.

تم القبض على رية وسكينة في نهاية العام 1921 بعد أن تكشفت أدلة كثيرة تدينهما. ساعدت شهود عيان في تقديم تفاصيل حاسمة حول تورط الشقيقتين في الجرائم. ومع تزايد الأدلة، اعترفت الشقيقتان بالعديد من جرائم القتل، وفي النهاية اعترفتا بتنفيذ جريمة قتل عشرات النساء على مدار سنوات، وتضمنت القصة تفاصيل مروعة عن طريقة قتل الضحايا وسرقة ممتلكاتهم.

المحاكمة: عرض مفجع على العامة

أُقيمت محاكمة علنية في 1922، حيث كان الرأي العام مشدودًا إلى تلك الواقعة بسبب الجرأة التي تميزت بها الجريمة. وقد أُدينت رية وسكينة بتهم القتل العمد والسرقة، وبعد أن تم تقديم أدلة قاطعة من قبل النيابة العامة، أُصدر حكم الإعدام عليهما.

كانت المحاكمة محط اهتمام وسائل الإعلام في مصر والعالم العربي، حيث تمت تغطية الجلسات بتفاصيل دقيقة، وتُعتبر واحدة من أشهر المحاكمات في تاريخ مصر في تلك الحقبة.

الختام: الإعدام وبداية الأسطورة

في النهاية، تم تنفيذ حكم الإعدام على رية وسكينة في 21 ديسمبر 1921. كان هذا اليوم بمثابة النهاية لقصة الجريمة التي هزت المجتمع المصري، ولكن أيضًا بداية لأسطورة خيالية استمر تداولها بين الأجيال على مر السنين. أصبحت القصة رمزًا للجريمة التي ارتكبتها امرأتان في مجتمع كانت تطغى عليه العديد من الصعوبات الاجتماعية. ورغم مرور سنوات على الحادثة، لا تزال حكايات رية وسكينة ترويها الأجيال وتستخدم كمثال على “الشر” الذي قد يخرج من أبسط الناس.

تُعد قصة رية وسكينة واحدة من القصص التي تختلط فيها الحقائق بالخيال، ولا يزال التاريخ يسجلها باعتبارها واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ مصر.