قصة الراهب بحيرى مع الرسول قبل البعثة
تعد قصة الراهب بحيرى واحدة من القصص التي تكشف عن معالم اللقاء الأول بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآيات النبوة التي بدأت تظهر في حياته قبل بعثته. هذه القصة لم تقتصر على كونها مجرد حادثة عابرة، بل كانت أحد المفاتيح التي تحمل دلالات عظيمة على مصير النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغه الرسالة السماوية. تجمع هذه القصة بين عنصرين أساسيين في حياة الرسول الكريم قبل البعثة، وهما: إشارات النبوة التي بدأت تظهر في طفولته، وتأثير البشر الذين كانوا على علم بتلك الإشارات وكان لهم دور في التأكيد عليها.
بداية القصة: رحلة الشاب محمد إلى الشام
كان النبي صلى الله عليه وسلم في سن الشباب، في فترة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمره، عندما رافق عمه أبا طالب في رحلة تجارية إلى بلاد الشام. كانت مكة في ذلك الوقت معروفة بموقعها التجاري المهم، حيث كانت تشهد حركة تجارية كبيرة بين الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق. وبناءً على ذلك، كان أبو طالب يعتني بتجارة قريش، وكان في ذلك الوقت هو الولي الشرعي للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة والديه.
كانت رحلة هذا العام إلى الشام هي التي وضعت الشاب محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة مع الراهب بحيرى. ويقال إنه في هذه الرحلة، كانت قريش تسعى لاستكشاف الأسواق الجديدة في الشام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رافق قافلة تجارة قريش، وهو لم يكن ليعلم أن هذه الرحلة ستكون نقطة تحول مهمة في حياته.
لقاء محمد صلى الله عليه وسلم مع الراهب بحيرى
كان الراهب بحيرى يعيش في إحدى الأديرة الواقعة بالقرب من بصرى الشام. ووفقًا لما ذكرته الروايات التاريخية، فإن بحيرى كان عالماً دينيًا نصرانيًا متخصصًا في قراءة الكتب السماوية وفهم الوحي الذي نزل على الأنبياء في الديانات السماوية السابقة. وكان بحيرى قد عرف من كتب الأنبياء السابقة علامات تدل على ظهور النبي الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام.
حينما اقتربت قافلة قريش من منطقة بصرى الشام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من ضمن الركاب، شعر الراهب بحيرى بشيء غير عادي، واكتشف أن هذا الشاب هو الشخص الذي كان يتوقع ظهوره. وذلك بسبب ما رأى فيه من علامات، كان أهمها:
-
ظلال الشجرة: حيث كان الراهب بحيرى يراقب القافلة، وعندما وصلوا إلى مكان قريب من الدير، لاحظ أن الشجرة التي كانت تظلل مكان جلوس محمد صلى الله عليه وسلم كانت تتحرك معه وتظلله من حرارة الشمس بشكل لافت.
-
العلامات الجسدية: بحيرى كان قد درس الكتب المقدسة من قبل، وتبين له أن هناك علامات جسدية ينبغي أن تظهر على الشخص الذي سيأتي في آخر الزمان. ومن بين تلك العلامات التي توقعها كانت العلامة التي تحيط بعنق محمد صلى الله عليه وسلم، وهي “خاتم النبوة”، وهي علامة ظاهرة بين كتفيه، والتي تعرف بها الأمة الإسلامية لاحقًا.
-
ردود أفعال الشاب محمد: قد أظهرت الطريقة التي تصرف بها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الرحلة مستوى من الحكمة والهدوء لا يتناسب مع عمره الصغير. فبحيرى أدرك من خلال لقاءاته الصغيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الشاب هو الذي كان ينتظره اليهود والنصارى.
تأكيد بحيرى على أن محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي المنتظر
بعد هذه الإشارات التي كانت في غاية الوضوح بالنسبة للراهب بحيرى، قرر أن يتحدث مع محمد صلى الله عليه وسلم وأن يوجه إليه بعض الأسئلة. كما فعل مع الآخرين من قريش، سأل بحيرى النبي صلى الله عليه وسلم عن العديد من الأمور التي تتعلق بحياته وسيرته الذاتية. فوجد أنه لم يختلف في شيء عن ما كان يتوقعه من النبي المنتظر، فوجد في محمد صلى الله عليه وسلم المواصفات الدقيقة التي تحدثت عنها كتب الأنبياء.
كما يشير بعض المؤرخين إلى أن بحيرى كان قد حذر أبا طالب من أن هذا الفتى هو بالفعل نبي هذه الأمة، وأنه ينبغي له أن يحفظه من الأذى. لكن بحيرى كان على علم بأن أهل مكة لن يلتفتوا إلى هذا الأمر إلا بعد فترة طويلة، وأن الله تعالى قد قدر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يواجه تحديات كبيرة قبل أن يتسلم رسالة الله.
أهمية اللقاء
إن لقاء الراهب بحيرى مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان له دور كبير في تعزيز وعي النبي صلى الله عليه وسلم بما سيؤول إليه مستقبله. فقد كانت هذه الإشارة الأولى، على الرغم من أنها كانت من شخصية غير إسلامية، لكنها ساعدت في تأكيد ما كان قد بدأ يظهر من إشارات نبوة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
من جانب آخر، تعكس هذه القصة حقيقة أن الوحي الإلهي لا يقتصر على أنبياء الله فقط، بل إن هناك من بين البشر من يعون التلميحات الكبرى التي تسبق ظهور الأنبياء، كما حدث مع بحيرى الذي كانت له دراية كبيرة بالأنبياء السابقين وأخبارهم. ولذلك، كان هذا اللقاء من الأحداث التي وضعت الأسس لظهور محمد صلى الله عليه وسلم كآخر الأنبياء، وأصبح هذا الحدث بعد فترة ذا مغزى كبير في سيرة النبي، حيث ظل يذكره المسلمون كدلالة على تأكيد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن تأتيه البعثة.
تأثير القصة على المسلمين
تأثرت القصة كثيرًا بالعديد من المفكرين والمؤرخين المسلمين الذين اعتبروا أن إشارة بحيرى كانت تأكيدًا علميًا لما يحدث في الواقع من إشارات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. كما كان اللقاء مع الراهب هو نقطة البداية لإدراك النبي صلى الله عليه وسلم لما ينتظره من مسؤولية عظيمة.
ولم يكن هذا اللقاء مجرد حادثة عابرة في حياة الرسول، بل كان يشكل نقطة ارتكاز في مسار حياته قبل أن تتحقق النبوة وتبدأ رسالته. وقد تبين من خلال الأبحاث التاريخية أن هذا اللقاء كان بمثابة لحظة فارقة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي النهاية، تعد قصة الراهب بحيرى إحدى القصص التي تساعد على فهم كيفية تنبؤ البشر بظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم في وقت كان فيه الإسلام لا يزال في بداياته.
