فيلم “I Am Divine”: توثيق حياة أسطورة الدراج “ديفاين”
مقدمة
يعتبر فيلم “I Am Divine” من الأفلام الوثائقية التي تروي قصة حياة واحدة من أبرز وأهم الشخصيات في تاريخ السينما الأمريكية، والتي تُمثل رمزية قوية للمجتمع المثلي وحرية التعبير عن الهوية الجندرية. هذا الفيلم الوثائقي من إخراج جيفري شفارتز، ويستعرض حياة وعمل شخصية “ديفاين”، وهو اسم المسرحية الشهيرة التي اشتهرت بكونها واحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً في عالم الفن والمجتمع. يعتبر هذا الفيلم الذي أُطلق عام 2013 واحداً من أهم الأعمال التي تساهم في تسليط الضوء على شخصية فنية تُعدّ أيقونة في مجال الدراج.
القصة والسياق التاريخي
فيلم “I Am Divine” يقدم رحلة ملحمية من بدايات “ديفاين” غير المتوقعة في حي بالتيمور في ولاية ماريلاند، إلى أن أصبحت واحدة من أكثر الشخصيات شهرة في عالم الفن والموسيقى السينمائي. الفيلم يعرض كيف كانت “ديفاين” – أو بالأحرى هارفي فييرستين، الاسم الحقيقي للشخص – تتحول إلى رمز عالمي للتمرد والتحدي للأعراف الاجتماعية في عصرها. برغم أنه قد تبدو حياتها كمغامرة غير تقليدية، فإنها كانت محكومة بعزيمة كبيرة وإرادة قوية لأن تصبح صوتاً للأشخاص الذين كانوا مهمشين في مجتمعاتهم.
الحياة الفنية والسينمائية لديفاين
ديفاين كان لها دور محوري في أعمال المخرج المبدع جون ووترز، الذي يعتبرها بمثابة “موساه” الملهمة. العلاقة التي نشأت بينهما كانت فريدة من نوعها، حيث أسهمت في تطوير العديد من أعمال ووترز التي لعبت فيها ديفاين أدواراً مثيرة وشاذة، مما جعلها تصبح أشهر ممثلة في السينما المستقلة في السبعينات والثمانينات.
فيلم “I Am Divine” يسلط الضوء بشكل خاص على أفلام جون ووترز الشهيرة مثل “Pink Flamingos” (1972) و “Female Trouble” (1974)، حيث قدمت ديفاين أداءً خارقاً يعكس تمردها على المعايير الجمالية والتوقعات الاجتماعية. في “Pink Flamingos”، كانت ديفاين تؤدي شخصية “بيبي ديفاين”، وهو دور يتسم بالتمرد على المجتمع الأمريكي التقليدي ويشهر أعلام الجندرية والهويات غير التقليدية.
الرمزية الثقافية والجندرية
واحدة من أهم الرسائل التي يروج لها فيلم “I Am Divine” هي أهمية التقبل والاحتفال بالتنوع الجنسي والجندري. ديفاين، من خلال ظهورها الإعلامي وأدوارها المثيرة، مثلت صوتاً للأشخاص المثليين وأثرت في كيفية نظرة المجتمع إلى الجندر والهويات غير التقليدية. كما أن ديفاين عملت على تجاوز الحدود المجتمعية والعنصرية الجنسية التي كانت تسود في تلك الفترة، ليصبح لها تأثير ثقافي يستمر حتى يومنا هذا.
الفيلم يعرض أيضاً علاقة ديفاين المتوترة مع الشهرة وتحديات الحياة الشخصية، حيث يعكس لحظات من الصراع الداخلي التي عانت منها الشخصية الشهيرة خلف الكاميرات. في ذلك الوقت، كانت ديفاين تحارب الصور النمطية التي غالباً ما كانت تروج للأشخاص من ذوي الهويات الجنسية غير التقليدية كمجرد “خارجين عن المألوف” في المجتمع الأمريكي السائد. إلا أن ديفاين كانت تجد قوتها في كونها شخصية فنية فريدة، عبرت عن نفسها بطريقة مبتكرة وصريحة.
التأثير على الثقافة الشعبية
بفضل ديفاين، أصبح المجتمع المثلي في الولايات المتحدة يتمتع بوجود أقوى في الأوساط الفنية، وأصبح ممثلوهم وفنانوهم يشغلون أدوارًا أكثر وضوحًا على الشاشة. الشخصيات مثل ديفاين ألهمت العديد من الفنانين والفنانات في مختلف أنحاء العالم ليكونوا صريحين في التعبير عن أنفسهم. على الرغم من أن ديفاين توفيت في عام 1988، إلا أن تأثيرها الثقافي لا يزال حاضراً في العديد من الأفلام، العروض المسرحية، والموسيقى التي تُمثل تمرداً فنياً.
مراجعة فنية وأثر الفيلم
من الناحية الفنية، يعتبر فيلم “I Am Divine” عملاً وثائقياً ممتازاً يتضمن مقابلات مع أشخاص كانوا جزءاً من حياة ديفاين، بما في ذلك المخرج جون ووترز وأصدقاء آخرين لها. الفيلم لا يقتصر على عرض حياة ديفاين فقط، بل يتناول أيضًا التحولات الاجتماعية والسياسية التي جرت في أمريكا في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، ويقدم خلفية اجتماعية غنية تظهر كيف ساعدت ديفاين في تغيير وجه الثقافة الشعبية والفن الأمريكي بشكل عام.
بجانب المقابلات، يستخدم الفيلم العديد من اللقطات الأرشيفية، بما في ذلك مشاهد من أفلام ديفاين، التي تمنح المشاهدين تجربة غنية وغامرة في عالم الشخصية. كما أن الفيلم ينجح في تحقيق التوازن بين التوثيق الواقعي للماضي وبين الاحتفاء بإرث ديفاين من خلال تسليط الضوء على تأثيرها الطويل الأمد على السينما والثقافة.
الختام
فيلم “I Am Divine” هو أكثر من مجرد وثائقي عن حياة “ديفاين”، إنه أيضًا شهادة على التحدي والتغيير الاجتماعي من خلال الفن. هو دعوة للاحتفال بالاختلاف والتمرد على الأنماط المألوفة. يُظهر هذا الفيلم كيفية تحويل شخصية متفردة من مجرد شخصية في فيلم مستقلة إلى رمز عالمي للحرية الفردية والمساواة، ليصبح أحد أعمدة الثقافة الأمريكية الحديثة.