مراجعة فيلم “1922” (2017): قصة قاتل وتداعياته النفسية في عالم مظلم
في عالم السينما، تعد الأفلام التي تستند إلى أعمال الكاتب الأمريكي ستيفن كينغ من بين الأكثر شهرة وإثارة للاهتمام، إذ تتسم أعماله بقدرتها على دمج الإثارة النفسية مع الرعب الملموس. من بين تلك الأفلام التي أُنتجت استنادًا إلى أعماله، يأتي فيلم “1922” الذي أخرجه زاك هيلديتش، مستندًا إلى رواية قصيرة تحمل نفس الاسم كتبها كينغ. صدر هذا الفيلم في 20 أكتوبر 2017 وحقق نجاحًا نقديًا وجماهيريًا نظرًا لتناول موضوعات مظلمة ومعقدة، مثل القتل وتأثيراته النفسية، والعواقب التي يتكبدها القاتل.
القصة:
تدور أحداث فيلم “1922” في عام 1922، حيث يروي الفلاح “ويليام” (الذي يلعب دوره الممثل توماس جاين) قصة ارتكابه جريمة قتل مروعة. يبدأ الفيلم بتقديم شخصية ويليام وزوجته “آرلين” (التي تؤدي دورها الممثلة مولي باركر) التي ترغب في تركه والانتقال للعيش في المدينة مع ابنها، ما يهدد الحياة الريفية التي بنوها معًا. ترفض آرلين العيش في الظروف القاسية التي يفرضها زوجها الفلاح في المزرعة، مما يدفع ويليام إلى اتخاذ قرار قاسٍ ومروع.
القتل الذي يرتكبه ويليام ليس النهاية، بل هو بداية لسلسلة من الأحداث المأساوية التي تبدأ بالتحقيق في جريمة القتل وتتصاعد مع مرور الوقت. يكتب ويليام اعترافًا بجريمته في محاولة للتخلص من مشاعر الذنب التي تلاحقه. ومع تتابع الأحداث، تتكشف تدريجيًا التداعيات النفسية لهذه الجريمة الوحشية، حيث تبدأ حياة ويليام في الانهيار بسبب الشعور بالذنب والعواقب المترتبة على أفعاله.
الأداء والتمثيل:
واحدة من أهم نقاط القوة في فيلم “1922” تكمن في أداء الممثلين، وخاصة توماس جاين الذي أظهر براعة كبيرة في تجسيد شخصية ويليام. قدم جاين شخصية معقدة، مليئة بالندم والصراع الداخلي، الأمر الذي جعل الجمهور يشعر بتوتره مع تطور الأحداث. كما قدمت مولي باركر أداءً رائعًا في دور آرلين، حيث أدت دور الزوجة التي يقرر ويليام قتلها في إطار قصته المأساوية.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أداء الممثلين الداعمين مثل ديلان شميد وكايتلين بيرنارد، الذين أضافوا عمقًا أكبر إلى الشخصيات الثانوية في الفيلم. هذه الشخصيات ساعدت في تقديم صورة كاملة عن المعاناة والدمار الذي يعيشه ويليام جراء قراره المروع.
الإخراج والتصوير:
تتميز “1922” بأجواء مظلمة وقاتمة تعكس البيئة الريفية التي تجري فيها الأحداث. اختار المخرج زاك هيلديتش أن يعكس الشعور بالعزلة والكآبة من خلال التقاط مشاهد واسعة للمزرعة التي هي محور الأحداث. استخدام الإضاءة الخافتة والصور التي تبرز تفاصيل الحياة اليومية في الريف ساعد في تعزيز الجو النفسي المظلم للفيلم.
السيناريو الذي كتبته جلوريا بيبيلو، بناءً على رواية ستيفن كينغ، كان موفقًا جدًا في إبراز المعاناة النفسية للشخصيات، مع التركيز على تأثير الجريمة على عقلية ويليام ووجوده. يتسم الفيلم ببناء درامي محكم يجعل من الصعب على المشاهد التنبؤ بما سيحدث في كل مرحلة.
المضمون النفسي والفلسفي:
الفيلم لا يقتصر فقط على كونه فيلمًا عن جريمة قتل، بل يتناول أيضًا موضوعات أعمق تتعلق بالندم، وتأثير الجريمة على النفس البشرية. يعرض الفيلم كيف أن الجريمة لا تؤدي فقط إلى تداعيات قانونية، بل تؤثر بشكل كبير على العقل الباطن للشخص، مما يدفعه إلى العيش في حالة من الصراع الداخلي المستمر. بالإضافة إلى ذلك، يطرح “1922” تساؤلات حول الوجود، والحياة الريفية، وكيف يمكن للإنسان أن يكون مسؤولًا عن مصيره الشخصي.
التقييم العام:
“1922” هو فيلم درامي نفسي يتسم بالعمق والتوتر. لا يعتمد على الحيل التقليدية للترهيب، بل يركز على الإثارة النفسية التي تتطور ببطء. الفيلم موجه لأولئك الذين يفضلون الأفلام التي تتناول جوانب معقدة من الشخصية البشرية بدلاً من الاعتماد على الأحداث العنيفة أو الرعب التقليدي. حصل الفيلم على تقييم “TV-MA” نظرًا للمحتوى العنيف والنفسي، وهو موجه لجمهور بالغ.
بالنظر إلى أنه مقتبس عن عمل أدبي شهير لستيفن كينغ، فإن الفيلم ينجح في نقل أجواء روايته بأسلوب سينمائي متقن. الأداء الرائع للممثلين والسيناريو المحكم يجعلان من “1922” تجربة سينمائية مثيرة.
الختام:
في النهاية، يمكن القول إن فيلم “1922” يقدم تجربة سينمائية فريدة من نوعها، تجمع بين الرعب النفسي والتشويق المظلم. إذا كنت من محبي الأفلام التي تستند إلى الأدب الكلاسيكي، أو إذا كنت تفضل القصص المعقدة التي تستكشف أعماق النفس البشرية، فإن هذا الفيلم سيكون خيارًا مناسبًا لك.