على الرغم من وجود كتابات متعددة لكتّاب كبار، مثل يوسف إدريس ومصطفى محمود وإحسان عبد القدوس، حول مواضيع شائكة يمكن أن يرفضها المجتمع مباشرة، مثل الدين والجنس، إلا أن السينما المصرية قد تجنبت بشكل كبير التطرق إلى تلك المواضيع. يعود ذلك إلى خوفها من فتح أبواب الجدل التي لم يكن المجتمع المصري مستعدًا لتقبلها بأي حال من الأحوال. ولم تكن السينما المصرية تتعمق في معالجة المواضيع الدينية بشكل مباشر، حيث كانت تقتصر عادة على العرض التاريخي دون استكشاف المعتقدات الدينية بشكل عام.
على الرغم من وجود بعض الأفلام التي قد تعطي انطباعًا خاطئًا بأن محتواها ديني، مثل “شفيقة القبطية” أو “الراهبة”، إلا أن هذا لا يمنع من وجود أفلام تناقش بعض القضايا الدينية. ومع ذلك، لم تكن هذه الأفلام تعرض بشكل جماهيري، بل تقتصر تداولها على نطاق ضيق. ومعروف أن هناك مواضيع لا يمكن الاقتراب منها بشكل مباشر في السينما المصرية، وتتعلق هذه المواضيع بالدين والسياسة والجنس.
تظل المجتمعات المصرية ترفض التحدث بشكل مفتوح في السينما حول فكرة الحلال والحرام، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الرجل والمرأة. ورغم وجود بعض الأفلام القصيرة التي تتناول العلاقة الجنسية، إلا أنها قد تبدو خالية من المضمون الفني وتخاطب الغرائز دون إضافة قيمة فنية.
ومن بين الأفلام التي استثنت من هذا القاعدة هو فيلم مصري روائي من إنتاج عام 1965 بعنوان “الحرام”، المأخوذ عن قصة يوسف إدريس التي تحمل نفس الاسم. يتناول الفيلم فكرة الحرام بشكل شامل، ليس فقط في العلاقة بين الرجل والمرأة، بل من خلال نظرة على طبقات المجتمع وكيفية تعاملها مع بعضها البعض.
تدور قصة الفيلم في خمسينات القرن الماضي حول الطبقات المهمشة اجتماعياً، وخاصة عمال التراحيل الذين يتنقلون بحثًا عن الرزق. يبرز الفيلم حياة عزيزة، التي تجسد دورها الفنانة فاتن حمامة، والتي تعيش في إحدى قرى الدلتا. بسبب فقرها، تضطر عزيزة للعمل في حقول الغير، ومن هنا تتكشف الظروف القاسية التي يعيشها الطبقة الفقيرة. يضاف إلى ذلك مرض زوجها، الذي يجعلها تتحمل مسؤولية كسب العيش بمفردها.
في لحظة من الضعف، تخون عزيزة زوجها مع صاحب الأرض لتأمين طلبه البسيط، ولكنها تندم لاحقًا على قسوتها ويظهر الندم عليها من خلال مفترق الطرق في قصتها. وتظهر القضية الأخلاقية حين تكتشف عزيزة أنها حامل وتخشى من كشف الأمر، حيث تختبئ وتلد بمفردها في حقل بعيد.
تتساءل القصة عن ما إذا كانت عزيزة قد ارتكبت جريمة قتل حملت على ضميرها، أم أن الظروف الصعبة دفعتها إلى ذلك في لحظة ضعف. يعبر كاتب السيناريو ببراعة عن هذه اللحظة من خلال عبارة على لسان عزيزة: “جدر البطاطا هو السبب”. تلك العبارة تعكس الضعف الذي شعرت به عزيزة وحاجتها للرجل في ظل عدم قدرة زوجها على تلبية رغباتها.
يعتبر فيلم “الحرام” من بين أفضل الأفلام التي قدمتها السينما المصرية على مدى تاريخها. يتميز بجرأته في طرح موضوع حساس يتجنبه العديد من الأفلام حتى الآن. وقد حقق الفيلم الترتيب الخامس ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وتم ترشيحه لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان.
يظهر مهارة المخرج بركات في التحكم التام في الأحاسيس والتفاصيل، حيث اهتم بشكل كبير بالإيحاء والتعبير عن الواقعية. قام بتصوير الفيلم في أماكن حقيقية في الريف المصري، مما أضاف للفيلم طابعًا واقعيًا وجعله يتمتع بالتفاعل مع البيئة والحياة اليومية للشخصيات.
في النهاية، يُعتبر فيلم “الحرام” تحفة فنية تتناول قضية حساسة بجرأة وإبداع، ويظل إرثاً هاماً في تاريخ السينما المصرية.
المزيد من المعلومات
إن فيلم “الحرام” الذي أخرجه كريم بركات وأُنتِج عام 1965، يُعتبر تحفة فنية استثنائية لعدة أسباب. يجمع الفيلم بين قوة السيناريو ومهارات التصوير والأداء الفني المتميز لطاقم العمل، مما أسهم في ترسيخ مكانته كواحد من أبرز الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
يمتاز الفيلم بتقديم صورة واقعية للحياة في الريف المصري خلال فترة الخمسينات، حيث يظهر التصوير في أماكن حقيقية ويتناسب مع التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية لتلك الحقبة. استخدام الأماكن الطبيعية واللغة الريفية في الفيلم يعكس الاهتمام البالغ الذي أولاه المخرج للواقعية وتجسيد الثقافة والحياة اليومية للشخصيات.
كما يبرز الفيلم تميز الممثلة فاتن حمامة في دور عزيزة، حيث قدمت أداءً مؤثرًا وعاطفيًا يعكس الصراعات الداخلية التي تعيشها الشخصية. كان دورها في الفيلم محط إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء، وأسهمت بشكل كبير في نجاح الفيلم.
من الجوانب الفنية الملحوظة في “الحرام”، يمكن الإشارة إلى الاهتمام الكبير بتفاصيل الإخراج، حيث قام بركات بتحقيق توازن مثالي بين السرد السينمائي والفحص الدقيق للشخصيات. كما استخدم التعبير البصري ببراعة لتوجيه الانتباه إلى التفاصيل الرمزية والرموز الموجودة في السياق الاجتماعي والثقافي للفترة التي تدور فيها الأحداث.
يعتبر فيلم “الحرام” إحدى التجارب السينمائية التي استطاعت أن تكسر بعض الحواجز الاجتماعية والثقافية في تناول مواضيع حساسة. من خلال تسليط الضوء على حياة طبقة المهمشين اجتماعيًا، يفتح الفيلم نافذة على الظروف القاسية التي يمكن أن تجعل الأفراد يتخذون قرارات غير تقليدية، مما يجعله يحمل رسالة اجتماعية هامة.
إن “الحرام” لا يقتصر على أن يكون عملًا سينمائيًا فحسب، بل يُعَدّ تمثيلاً فنيًا للمشاكل والتحديات التي يمكن أن يواجهها المجتمع في مواجهة الفقر والمرض والظروف الاقتصادية الصعبة. يظل الفيلم حتى اليوم مصدر إلهام وتقدير لعشاق السينما المصرية وعملًا يتمتع بأهمية فنية وثقافية.