مراجعة فيلم “أوربيتر 9” (Orbiter 9):
فيلم “أوربيتر 9” هو فيلم خيال علمي درامي أُنتج في عام 2017، من إخراج المخرج التونسي حاتم خرايش، ويجمع بين عناصر الخيال العلمي مع قصة إنسانية عميقة. يعد هذا الفيلم من إنتاج مشترك بين إسبانيا وكولومبيا، وهو من بطولة كلارا لاجو، أليكس غونزاليس، أندريس بارا، وبلين روييدا. تم عرضه لأول مرة في 6 أبريل 2018 ويعد من بين الأفلام التي جمعت بين الأبعاد النفسية والفكرية لعناصر الخيال العلمي.
القصة:
تدور أحداث فيلم “أوربيتر 9” حول امرأة تدعى “هولينا”، وهي شخصية تُجسدها الممثلة الإسبانية كلارا لاجو، التي نشأت في محطة فضائية، حيث كانت وحيدة طوال حياتها. منذ ولادتها، كانت هولينا محبوسة في هذا الفضاء المعزول، بعيدًا عن الأرض والناس. تتطور حياة هولينا في هذه المحطة، التي كانت تجهل طبيعة العالم الذي يعيش فيه البشر على كوكب الأرض.
تبدأ حياة هولينا بالتحول عندما يدخل إلى حياتها مهندس فضائي يُدعى “آلونسو”، وهو الشخصية التي يجسدها الممثل أليكس غونزاليس. يدخل آلونسو المحطة الفضائية، ليكون بمثابة العامل المغير لمسار حياة هولينا بشكل غير متوقع. يثير ظهور آلونسو في حياة هولينا سلسلة من الأسئلة والتساؤلات التي تجعلها تتساءل عن كل شيء في حياتها، وعن طبيعة كوكب الأرض الذي لطالما كان بعيدًا عن إدراكها. كما أن العلاقة التي تنشأ بين هولينا وآلونسو تفتح المجال لفهم أعمق حول الوجود البشري، والشعور بالوحدة، والرغبة في معرفة الحقيقة.
التيمة الفلسفية:
يتميز فيلم “أوربيتر 9” بجو من الغموض والخيال العلمي الذي يستكشف الأفكار العميقة حول الإنسانية، والتفاعل بين الأفراد في بيئات معزولة. يستعرض الفيلم العديد من الأسئلة حول العزلة، والحرية، والرغبة في الارتباط، في إطار غريب ومثير. وتكمن قوة الفيلم في طبيعته البسيطة التي تركز على التفاعلات النفسية بين الشخصيات أكثر من التركيز على مشاهد الفضاء المعقدة، ما يجعل الفيلم يتناول المواضيع الفلسفية حول كيفية استكشاف الإنسان لذاته.
الفيلم يعد استكشافًا للعلاقات الإنسانية، وكيفية تأثير الماضي المجهول على تشكيل الواقع. العلاقة بين هولينا وآلونسو هي مركز الفيلم، فهي علاقة تبدأ بالشك، ثم تتطور إلى صراع نفسي بين الحقيقة والخداع. مع تطور الأحداث، يتضح أن هناك الكثير مما لا يعرفه الجميع عن المحطة الفضائية والعالم الذي كانت هولينا تعيش فيه.
الأداء التمثيلي:
الأداء التمثيلي في “أوربيتر 9” هو من العوامل التي تساهم في نجاح الفيلم، حيث تؤدي كلارا لاجو دورًا مميزًا يجعل المشاهد يشعر مع هولينا في عزلة وغموض حياتها. تطور الشخصية مع تقدم الأحداث يشهد تغييرًا جذريًا في مشاعرها وأفكارها، ما يجعل المتفرج يتعاطف معها. أما أليكس غونزاليس، فيجسد شخصية المهندس “آلونسو” بطريقة تجعلنا نرى تفاعله مع هولينا باعتباره مصدر التغيير الوحيد في حياتها.
أما أندريس بارا وبلين روييدا، فيؤديان أدوارًا تدعمان القصة في تنقلاتها المختلفة، حيث يمثلان شخصيات من عالم مختلف، ويضيفان طبقات إضافية من الغموض والإثارة.
التقنيات السينمائية:
يتميز الفيلم باستخدام تقنيات سينمائية قوية، تجعل من بيئة الفضاء تبدو واقعية ومشوقة. بينما يركز الفيلم على التفاعلات البشرية والصراعات النفسية، فإن المشاهد التي تدور في الفضاء تُظهر براعة المخرج وفريق العمل في تصميم الإضاءة والتصوير بحيث يعكس حالة الوحدة والغموض التي تعيش فيها الشخصيات. التصوير السينمائي يعزز من الإحساس بالعزلة والتشويق، مما يساعد في توصيل مشاعر الشخصيات بوضوح للمشاهد.
الرسالة الإنسانية:
يتجاوز “أوربيتر 9” كونه مجرد فيلم خيال علمي ليصبح فيلمًا يحمل رسالة إنسانية عميقة حول مفهوم الحرية والواقع، وكيف أن الأشخاص قد يعيشون في حالة من الغموض حول هويتهم ووجودهم. يحث الفيلم على التفكير في كيفية تأثير التجارب السابقة على القرارات المستقبلية والتفاعلات الشخصية. كما يبرز أهمية السعي وراء الحقيقة والبحث عن إجابات للأسئلة الكبرى المتعلقة بالوجود البشري.
الختام:
بشكل عام، يُعد فيلم “أوربيتر 9” إضافة مميزة لعالم السينما الخيالية والفلسفية. يحمل الفيلم بُعدًا فكريًا وعاطفيًا يمكن أن يثير تفكير الجمهور حول معاني الحياة والحقيقة والوحدة. قد يكون الفيلم طويلًا بعض الشيء بالنسبة للبعض، إلا أن التوتر والتشويق الذي يبني عليه المخرج طوال الأحداث يجذب الانتباه ويجعلك مشدودًا حتى النهاية. يضيف الفيلم لمسة جديدة لعالم الأفلام التي تتناول الحياة في الفضاء، ويستحق المشاهدة لمحبي هذا النوع من الأفلام.