فيصل الفايز: سيرة سياسية ومسيرة وطنية في خدمة الأردن
المقدمة
يشكل فيصل عاكف الفايز أحد أبرز الشخصيات السياسية في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث لعب دورًا محوريًا في الحياة السياسية الأردنية منذ بدايات الألفية الجديدة، وترك بصمة واضحة في مجالات التشريع والإدارة والتمثيل الدبلوماسي والوطني. ويُعرف الفايز ليس فقط كأحد رموز العائلة السياسية العريقة في الأردن، بل كصاحب رؤية إصلاحية معتدلة تجسد التوازن بين الالتزام بالثوابت الوطنية والانفتاح على متطلبات التطوير السياسي والاجتماعي.
ينتمي فيصل الفايز إلى عائلة سياسية عريقة؛ فوالده عاكف الفايز شغل مناصب وزارية رفيعة وكان من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الدولة الأردنية، مما شكّل بيئة ملهمة لصقل شخصيته السياسية والفكرية. وعلى مدى عقود، تولى فيصل الفايز مناصب متعددة، بدءًا من العمل في الديوان الملكي ووزارة الخارجية، مرورًا بتوليه منصب رئيس الوزراء في واحدة من أصعب المراحل السياسية، وانتهاءً برئاسته لمجلس الأعيان الأردني، حيث يُعد من الشخصيات التي تتمتع بثقة المؤسسة الملكية والشارع السياسي الأردني.
النشأة والتعليم
ولد فيصل عاكف الفايز عام 1952 في العاصمة الأردنية عمّان، في أسرة سياسية مرموقة، ما أتاح له فرصة مبكرة للتعرف على مفاصل الدولة وآليات صنع القرار فيها. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس عمّان، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا لاستكمال تعليمه الجامعي.
حصل الفايز على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة “Cardiff University” في المملكة المتحدة، وهي دراسة منحته الأسس النظرية لفهم العلاقات الدولية والسياسات العامة. بعد ذلك، واصل دراساته العليا في مجالات متخصصة بالسياسة الدولية والإدارة العامة، مما ساهم في تأهيله للعمل في الحقل الدبلوماسي والسياسي ضمن الدولة الأردنية.
المسار المهني المبكر
بدأ الفايز مسيرته المهنية في وزارة الخارجية الأردنية، حيث عمل في عدد من السفارات الأردنية، وخاصة في عواصم رئيسية مثل باريس ولندن، ما وفر له خبرة دبلوماسية مبكرة ومهارات عالية في التفاوض والتمثيل الدولي. وقد كانت تلك السنوات بمثابة مرحلة تأسيسية لصقل رؤيته السياسية واستيعابه لتحديات الدولة في الداخل والخارج.
لاحقًا، التحق بالديوان الملكي الهاشمي، حيث عمل في عدة مواقع داخل الجهاز التنفيذي للديوان، منها مدير مكتب جلالة الملك عبدالله الثاني، قبل أن يُعين لاحقًا وزيرًا للبلاط الملكي الهاشمي، وهو منصب يعكس ثقة ملكية رفيعة المستوى لما يتطلبه من حكمة سياسية وبُعد استراتيجي في التعامل مع مختلف مؤسسات الدولة.
رئيسًا للوزراء (2003–2005)
في 25 أكتوبر 2003، تم تكليف فيصل الفايز بتشكيل الحكومة الأردنية خلفًا لعلي أبو الراغب. وجاء هذا التعيين في فترة حساسة من تاريخ الأردن والمنطقة، حيث كانت التحديات الإقليمية، لا سيما ما بعد الغزو الأمريكي للعراق، تلقي بظلالها على الداخل الأردني. وتميزت حكومة الفايز بمحاولات إصلاحية لافتة، شملت ملفات سياسية واقتصادية متعددة، وسط بيئة سياسية متشابكة.
أبرز ما ميز حكومة الفايز هو التركيز على الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد، إلى جانب تقديم مبادرات لتمكين الشباب وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة، بما يتماشى مع التوجيهات الملكية في بناء دولة حديثة وعصرية. كما سعت حكومته لتعزيز مبدأ سيادة القانون وتفعيل مؤسسات الرقابة والمساءلة. ورغم قصر مدة حكومته نسبيًا، إلا أنها وضعت الأسس لعدد من البرامج الإصلاحية التي تبنتها الحكومات اللاحقة.
جدول: بعض الإنجازات البارزة خلال فترة رئاسته للحكومة
| المجال | الإنجاز |
|---|---|
| الإصلاح الإداري | إطلاق برامج تحديث الجهاز الحكومي وإعادة الهيكلة |
| مكافحة الفساد | دعم هيئة مكافحة الفساد وتعزيز صلاحيات ديوان المحاسبة |
| التعليم | تطوير المناهج ودعم التعليم المهني |
| الاقتصاد | مشاريع تحفيزية لدعم القطاع الخاص والاستثمار |
| تمكين المرأة | رفع نسبة التمثيل النسائي في المؤسسات الحكومية |
رئاسة مجلس النواب (2003)
قبل أن يتولى رئاسة الوزراء، شغل فيصل الفايز منصب رئيس مجلس النواب الأردني لفترة قصيرة عام 2003. وخلال تلك الفترة، أظهر كفاءة لافتة في إدارة النقاشات النيابية وتعزيز الدور الرقابي للمجلس، إضافة إلى تأكيده الدائم على أهمية الفصل بين السلطات، وضرورة التوازن بين الصلاحيات التنفيذية والرقابية.
أداء الفايز في هذا المنصب عكس خبرته السياسية ومهاراته في الحوار والتفاوض، وأثبت قدرته على إدارة التباينات السياسية تحت قبة البرلمان، مع الحفاظ على استقرار المؤسسة التشريعية وتماسكها في وجه الضغوط الداخلية والخارجية.
رئاسة مجلس الأعيان (منذ 2015 حتى اليوم)
منذ تعيينه رئيسًا لمجلس الأعيان الأردني عام 2015، وهو المجلس الذي يمثل الغرفة الثانية من السلطة التشريعية، استطاع فيصل الفايز تحويل المجلس إلى منصة حوار وطني شاملة، تعكس التوجهات الملكية في توسيع قاعدة المشاركة السياسية. ويُعتبر الفايز من الأصوات العقلانية التي توازن بين النقد البناء والدعم المؤسساتي، محافظًا على الاستقرار السياسي ومتفاعلاً مع التحولات المحلية والإقليمية.
كرئيس لمجلس الأعيان، يحرص الفايز على تفعيل دوره في مراجعة التشريعات المحالة من مجلس النواب، وخاصة القوانين المتعلقة بالإصلاح السياسي، وقوانين الأحزاب والانتخاب، والتعديلات الدستورية. كما يولي أهمية كبيرة لمناقشة السياسات الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص، إلى جانب المشاركة في مؤتمرات ومنتديات دولية تمثل الأردن خارجيًا.
فلسفته السياسية ورؤيته للإصلاح
يؤمن فيصل الفايز بأن الإصلاح السياسي لا يمكن أن ينفصل عن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ويشدد دومًا على أهمية ترسيخ دولة القانون والمؤسسات كسبيل لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الداخلي. وفي العديد من تصريحاته ومقابلاته الإعلامية، ركّز على ضرورة إيجاد عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الحقوق والواجبات.
تقوم فلسفته السياسية على التدرج في الإصلاح، مستندًا إلى الخصوصية الوطنية الأردنية، ورافضًا أي قفزات غير مدروسة قد تهدد استقرار الدولة. كما يرفض الفايز استيراد نماذج ديمقراطية غربية لا تتماشى مع الواقع المحلي، مؤكدًا أن التغيير يجب أن ينطلق من الداخل وبمشاركة جميع القوى الوطنية.
مواقفه من القضايا الوطنية والإقليمية
في أكثر من مناسبة، أبدى الفايز مواقف واضحة من القضايا الإقليمية، خصوصًا القضية الفلسطينية، حيث يلتزم بموقف الأردن الثابت الداعم لحل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما شدد على أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وضرورة صون هذا الدور في وجه محاولات التهويد.
وفي الشأن السوري والعراقي، تبنى الفايز مواقف داعمة لوحدة الأراضي والسيادة الوطنية، رافضًا التدخلات الأجنبية، وداعمًا للحلول السياسية السلمية. كما دعا مرارًا إلى أهمية التعاون العربي المشترك في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، لا سيما الإرهاب والبطالة والفقر.
حضوره الإعلامي والشعبي
يُعرف الفايز بهدوئه في التعبير وعمق تحليله، حيث تحظى تصريحاته الإعلامية بمتابعة واسعة في الأوساط السياسية والشعبية. كما يتمتع بسمعة طيبة كرجل دولة يتسم بالنزاهة والاعتدال، وهو ما يجعله محل احترام حتى من قِبل خصومه السياسيين.
غالبًا ما يظهر في المحافل العامة والمناسبات الوطنية، حيث يُنظر إليه كرمز للاستقرار والاتزان، ومعبّر عن صوت الدولة العميقة في الأردن، بما يمتلكه من علاقات واسعة داخليًا وخارجيًا.
الأوسمة والتكريمات
نال فيصل الفايز العديد من الأوسمة الملكية والوطنية تكريمًا لعطائه المستمر في خدمة الدولة الأردنية، منها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، ووسام الكوكب الأردني، بالإضافة إلى أوسمة دولية من دول صديقة تعبيرًا عن التقدير لدوره في تعزيز العلاقات الثنائية.
الدور الحالي والتحديات المستقبلية
في ظل التحولات التي يشهدها الأردن على صعيد تحديث المنظومة السياسية، وخاصة مع إطلاق منظومة التحديث السياسي من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني، يقود الفايز جهودًا تشريعية في مجلس الأعيان تهدف إلى مواءمة القوانين مع هذه الرؤية، وتعزيز الحياة الحزبية وتحفيز مشاركة الشباب والمرأة في صنع القرار.
كما يواجه مجلس الأعيان، برئاسة الفايز، تحديات تتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين الحرية والتنمية، وبين الأمن والانفتاح السياسي، وهي معادلات صعبة تتطلب قيادة ذات حكمة وتجربة، وهي صفات تتجلى في شخصية فيصل الفايز بوضوح.
الخاتمة
فيصل عاكف الفايز هو أكثر من مجرد سياسي تقليدي، فهو أحد أعمدة الدولة الأردنية الحديثة، وشخصية ذات أثر عميق في الحياة العامة. عبر العقود، حافظ الفايز على خط معتدل، جامع بين الولاء للدولة والانفتاح على مطالب المجتمع، وهو بذلك يمثل نموذجًا للسياسي الوطني المتزن، الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
رئاسته لمجلس الأعيان تمثل امتدادًا طبيعيًا لمسيرة طويلة من العطاء، في وقت تتطلب فيه المرحلة وجود شخصيات سياسية متمرسة قادرة على التعامل مع التعقيدات الداخلية والخارجية. إنه سياسي يجمع بين العقلانية والحزم، بين الوطنية والانفتاح، مما يجعل سيرته نموذجًا يُحتذى في العمل العام.
المراجع
-
الموقع الرسمي للديوان الملكي الهاشمي الأردني.
-
وكالة الأنباء الأردنية (بترا).
