فيتامين د و الوقاية من السكري

فيتامين د للوقاية من داء السكري النوع الأول

فيتامين (د) هو أحد العناصر الغذائية الأساسية التي تلعب دورًا محوريًا في تنظيم العديد من العمليات الحيوية داخل الجسم، وقد أظهرت الأبحاث المتقدمة في العقود الأخيرة دورًا مهمًا لهذا الفيتامين في الوقاية من أمراض المناعة الذاتية، وعلى رأسها داء السكري من النوع الأول. تتعاظم أهمية هذا الربط بين فيتامين د ومرض السكري من النوع الأول نظرًا للعب الفيتامين دورًا حاسمًا في نضج الجهاز المناعي وتنظيم استجاباته الذاتية.

يمثل السكري من النوع الأول حالة من الاضطراب المناعي، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، مما يؤدي إلى تراجع تدريجي في قدرة الجسم على إنتاج الأنسولين، وبالتالي ارتفاع مستويات السكر في الدم. ونظرًا لأن منشأ المرض مناعي بالأساس، فإن كل ما يساهم في تعديل الاستجابة المناعية يصبح موضع اهتمام علمي متزايد، وهو ما يضع فيتامين د في دائرة الضوء.

أهمية فيتامين د في الجسم

فيتامين د يُصنَّف كأحد الفيتامينات الذائبة في الدهون، ويتميز بقدرته على العمل كهرمون عند تنشيطه، حيث يرتبط بمستقبلات خاصة على سطح الخلايا ليؤثر على التعبير الجيني لمجموعة من البروتينات المرتبطة بوظائف الجهاز المناعي، والتمثيل الغذائي للعظام، وتنظيم مستويات الكالسيوم والفوسفات.

يوجد نوعان رئيسيان من فيتامين د:

• فيتامين D2 (إرغوكالسيفيرول)، ويتواجد في المصادر النباتية والمكملات.

• فيتامين D3 (كوليكالسيفيرول)، وهو الشكل الطبيعي الذي يُنتجه الجلد عند التعرض لأشعة الشمس، ويعد الشكل الأكثر فعالية في رفع مستوى الفيتامين في الدم.

فيتامين د والاستجابة المناعية

يؤدي فيتامين د دورًا محوريًا في ضبط توازن الاستجابات المناعية بين الخلايا التائية المساعدة (Th1 وTh2) والخلايا التائية المنظمة (Tregs). تشير الأدلة إلى أن فيتامين د يعزز من نشاط الخلايا التائية المنظمة، التي تعمل على كبح الاستجابات المناعية الزائدة والتي قد تهاجم خلايا الجسم نفسه، كما هو الحال في داء السكري النوع الأول.

وتوضح الدراسات المخبرية أن فيتامين د قادر على تقليل إفراز السيتوكينات الالتهابية مثل الإنترلوكين-2 (IL-2) والإنترفيرون غاما (IFN-γ)، ما يقلل من الاستجابات المناعية الذاتية. كما أن له تأثيرًا في تقوية الحاجز المعوي ومنع تسرب المكونات التي قد تحفز المناعة الذاتية.

داء السكري النوع الأول: الخصائص والمسببات

داء السكري النوع الأول هو اضطراب مزمن يصيب عادة الأطفال واليافعين، ويتميز بنقص حاد في إفراز الأنسولين نتيجة تدمير الخلايا المنتجة له في البنكرياس بفعل الجهاز المناعي. ورغم أن العوامل الوراثية تلعب دورًا في ظهور المرض، إلا أن العوامل البيئية هي المحفز الأهم في تحفيز المناعة الذاتية.

تشمل هذه العوامل:

• العدوى الفيروسية المبكرة

• نقص التعرض لأشعة الشمس

• التغذية غير المتوازنة في الطفولة

• نقص فيتامين د خلال الحمل أو الطفولة المبكرة

وقد ربطت العديد من الدراسات بين مستويات فيتامين د المنخفضة خلال المراحل الأولى من الحياة وزيادة خطر الإصابة بالسكري النوع الأول، مما دفع العلماء إلى النظر في إمكانية الوقاية باستخدام المكملات.

الدلائل العلمية على دور فيتامين د في الوقاية

أجريت العديد من الدراسات الوبائية والطولية التي حاولت استكشاف العلاقة بين مستويات فيتامين د وخطر تطور السكري من النوع الأول، وكان من أبرز هذه الدراسات:

دراسة نرويجية (2003):

أظهرت أن الأطفال الذين تناولوا مكملات فيتامين د خلال السنة الأولى من حياتهم كانوا أقل عرضة للإصابة بالنوع الأول من السكري بنسبة تقارب 80% مقارنة بأقرانهم الذين لم يتناولوا المكملات.

دراسة فنلندية (2001):

تابعت أكثر من 10,000 طفل منذ الولادة، وأثبتت أن الأطفال الذين حصلوا على مكملات يومية من فيتامين د خلال الطفولة كانت لديهم فرصة أقل بكثير للإصابة بداء السكري النوع الأول، وكان الخطر يتزايد لدى من يعانون من نقص شديد في هذا الفيتامين.

تحليل ميتا (2020):

جمع بيانات من أكثر من 20 دراسة، وخلص إلى وجود ارتباط عكسي بين مستويات فيتامين د في الدم وخطر الإصابة بالسكري النوع الأول، خصوصًا عند وجود استعداد وراثي.

مصادر فيتامين د

نقص فيتامين د منتشر عالميًا، ويُعد السبب الأهم لذلك قلة التعرض لأشعة الشمس، حيث أن 90% من الاحتياجات اليومية تُصنع في الجلد من خلال تفاعل ضوء الشمس مع الكوليسترول. وتشمل مصادره الغذائية:

كما يُوصى باستخدام مكملات فيتامين د خاصة للأطفال الرضع والحوامل وسكان المناطق ذات أشعة الشمس الضعيفة.

الجرعة الموصى بها للوقاية

تختلف الجرعة المثالية لفيتامين د بحسب العمر والحالة الصحية، إلا أن التوصيات العالمية تشير إلى:

• حديثو الولادة حتى عمر سنة: 400 وحدة دولية يوميًا

• الأطفال (1-18 سنة): 600-1000 وحدة دولية

• البالغون: 1000-2000 وحدة دولية

• النساء الحوامل والمرضعات: 1500-2000 وحدة دولية

وفي حالات النقص الشديد قد تصل الجرعة إلى 4000 وحدة دولية يوميًا بإشراف طبي.

فيتامين د أثناء الحمل والوقاية المبكرة

يُعد الحمل فترة حرجة لتطور الجهاز المناعي لدى الجنين. وقد وجدت الدراسات أن نقص فيتامين د لدى الأم الحامل قد يؤدي إلى برمجة مناعية تزيد من قابلية الطفل للإصابة بالأمراض المناعية الذاتية في المستقبل. ويُعتقد أن المستويات المثلى من فيتامين د في الحمل (فوق 30 نانوغرام/مل) قد تُقلل من خطر إصابة الأبناء بالسكري النوع الأول.

وتُظهر الأبحاث أن النساء الحوامل اللواتي تناولن مكملات فيتامين د بكميات كافية خلال الحمل كانت لديهن مستويات أقل من المؤشرات الالتهابية، بالإضافة إلى تأثير وقائي ممتد على أطفالهن.

الاحتياطات والتحذيرات

رغم أن فيتامين د آمن في معظم الحالات، إلا أن الإفراط في تناوله يمكن أن يسبب آثارًا سامة. تشمل أعراض التسمم بفيتامين د:

• فرط كالسيوم الدم

• الغثيان والقيء

• فقدان الشهية

• مشاكل الكلى

وتحدث هذه الأعراض عند تناول جرعات تتجاوز 10,000 وحدة دولية يوميًا لفترات طويلة دون إشراف طبي.

التوصيات والسياسات العامة

مع تصاعد الأدلة العلمية على دور فيتامين د في الوقاية من السكري النوع الأول، بدأت بعض الجهات الصحية الدولية بطرح توصيات لتدعيم الأغذية الأساسية بهذا الفيتامين، مثل الحليب والزيوت النباتية. كما أوصت جمعيات السكري العالمية بإدراج فحص مستويات فيتامين د في خطط الرعاية الوقائية للأطفال المعرضين لخطر الإصابة.

ومن المتوقع أن يصبح استخدام مكملات فيتامين د جزءًا أساسيًا من الاستراتيجيات الوقائية الوطنية في العديد من الدول، خاصة تلك ذات المعدلات العالية لنقص الفيتامين.

الخلاصة

فيتامين د لا يقتصر دوره على تنظيم مستويات الكالسيوم وصحة العظام، بل يتعدى ذلك ليصبح عنصرًا حيويًا في توازن المناعة البشرية. وقد أصبح من الواضح علميًا أن وجود مستويات كافية من هذا الفيتامين، خاصة خلال المراحل الحرجة من الحياة كالحمل والرضاعة والطفولة المبكرة، يسهم في تقليل خطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول.

توجيه السياسات الصحية نحو الوقاية عبر التغذية والتعرض الذكي لأشعة الشمس واستخدام المكملات قد يُسهم في تقليل العبء العالمي لهذا المرض المناعي المعقد، ويشكل خطوة استراتيجية نحو تعزيز الصحة العامة من خلال نهج وقائي مستدام.

المصادر:

1. Hyppönen E, et al. “Intake of vitamin D and risk of type 1 diabetes: a birth-cohort study.” The Lancet. 2001.

2. Zipitis CS, Akobeng AK. “Vitamin D supplementation in early childhood and risk of type 1 diabetes: a systematic review and meta-analysis.” Arch Dis Child. 2008.