الفزع الليلي.. أشد عنفاً من الكوابيس
يُعتبر الفزع الليلي أحد الظواهر النفسية التي تؤثر على العديد من الأشخاص، وخصوصًا الأطفال، وتختلف عن الكوابيس التي يمكن أن تحدث أثناء مرحلة النوم العميق. وعلى الرغم من أن الفزع الليلي يعد نوعًا من اضطراب النوم، إلا أنه يتمتع بخصوصية تختلف عن باقي الاضطرابات الأخرى التي تؤثر على النوم مثل الشلل النومي أو الأرق. غالبًا ما يتسبب الفزع الليلي في إثارة مشاعر القلق والارتباك الشديد، وهو ما يمكن أن يجعل الأشخاص الذين يعانون منه يشعرون وكأنهم يعيشون كابوسًا حيًا. لكن في الواقع، هناك العديد من الفروق الجوهرية بين الفزع الليلي والكوابيس.
تعريف الفزع الليلي
الفزع الليلي (أو كما يعرف علميًا بـ “Pavor Nocturnus”) هو اضطراب في النوم يتسم بنوبات مفاجئة من الخوف الشديد أثناء النوم، وغالبًا ما يحدث في المراحل المبكرة من النوم العميق أو ما يسمى بنوم “المرحلة الرابعة” أو “نوم حركة العين غير السريعة (NREM)”. يختلف هذا النوع من الاضطراب عن الكوابيس لأنه لا يحدث في مرحلة حركة العين السريعة (REM) من النوم، وهي المرحلة التي يشهد فيها الإنسان عادة أحلامًا مليئة بالعواطف والمواقف التي قد تكون مرعبة أو غير منطقية.
يحدث الفزع الليلي غالبًا بعد فترة قصيرة من النوم، حيث يشعر الشخص بنوبات مفاجئة من الخوف الشديد، ويستمر في الهلوسة والصرخات دون أن يكون قادرًا على تذكر الحدث بعد الاستيقاظ. يترك الفزع الليلي الشخص في حالة من الإرباك والقلق، حيث قد يظهر رد فعل جسدي شديد مثل التعرق، تسارع ضربات القلب، أو حتى الركض العشوائي.
الفرق بين الفزع الليلي والكوابيس
الفزع الليلي يختلف عن الكوابيس بعدة نواحٍ جوهرية. أولًا، الكوابيس تحدث في مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، وهي المرحلة التي يشهد فيها الشخص أحلامًا قد تكون مثيرة أو مرعبة. عندما يعاني الشخص من كابوس، فهو غالبًا ما يستيقظ في حالة من الارتباك أو الخوف ولكنه يستطيع تذكر تفاصيل الحلم. على عكس ذلك، لا يستطيع الشخص الذي يعاني من الفزع الليلي تذكر أي شيء عن الحادث بعد الاستيقاظ.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفزع الليلي يحدث في مرحلة النوم العميق (NREM)، حيث لا تكون الأحلام بشكل عام موجودة. خلال نوبة الفزع الليلي، يواجه الشخص مشاعر قوية من الخوف أو الذعر، وقد يقوم بالصراخ، التحرك بشكل مفاجئ، أو حتى الجلوس في السرير في حالة من الارتباك الشديد. ونادرًا ما يكون هناك أي ارتباط بين هذه النوبات والتجارب أو الأحلام السابقة.
من الجوانب الأخرى التي تميز الفزع الليلي عن الكوابيس، هي أن الشخص المصاب بالفزع الليلي لا يدرك أنه يعاني من حالة خوف، ولا يستطيع التواصل مع من حوله بشكل فعال أثناء النوبة. غالبًا ما يمر الشخص الذي يعاني من هذه النوبات بحالة من الفوضى الداخلية التي لا يمكن تفسيرها، حيث يعتقد أن هناك تهديدًا أو خطرًا مباشرًا، لكنه لا يستطيع تحديده. أما في حالة الكوابيس، فإن الشخص يكون عادة أكثر وعيًا بمحيطه بعد الاستيقاظ ويستطيع تذكر تفاصيل الحلم المزعج.
الأسباب والعوامل المؤدية للفزع الليلي
تتنوع الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث الفزع الليلي، وهي غالبًا ما تكون نتيجة مزيج من العوامل النفسية والفيزيولوجية. وفيما يلي بعض من أبرز العوامل التي قد تكون مسؤولة عن الإصابة بهذا الاضطراب:
-
العوامل الوراثية:
يُعتقد أن هناك عاملًا وراثيًا يلعب دورًا في انتقال الفزع الليلي بين أفراد العائلة. حيث أظهرت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يعاني أحد الوالدين من اضطراب الفزع الليلي يكونون أكثر عرضة للإصابة به. -
الضغوط النفسية:
تُعتبر التوترات النفسية والضغوط الحياتية من العوامل المساهمة في زيادة احتمالية حدوث الفزع الليلي. قد تكون هذه الضغوط ناتجة عن مواقف حياتية مرهقة مثل التغيرات العاطفية، المشاكل العائلية، أو الصراعات الداخلية. -
الأرق:
يعد الأرق من المشكلات الشائعة التي قد تؤدي إلى اضطرابات النوم المختلفة، بما في ذلك الفزع الليلي. الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في النوم بشكل منتظم قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذه النوبات. -
الحالات الطبية والمرضية:
بعض الحالات الطبية مثل الحمى، اضطرابات التنفس أثناء النوم، أو بعض الأمراض العصبية قد تكون عاملًا مساعدًا في تحفيز الفزع الليلي. كما أن تناول بعض الأدوية المهدئة أو المنبهة قد يؤدي أيضًا إلى حدوث هذه النوبات. -
النوم غير المنتظم:
الأشخاص الذين لا يلتزمون بنظام نوم منتظم أو يعانون من اضطرابات النوم بشكل عام، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالفزع الليلي. التأثيرات السلبية الناتجة عن السهر المستمر أو تغير مواعيد النوم قد تتداخل مع دورة النوم الطبيعية وتسبب هذه الاضطرابات.
كيفية التعامل مع الفزع الليلي
رغم أن الفزع الليلي يعد اضطرابًا مزعجًا، إلا أن هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب في التعامل معه والتقليل من حدته.
-
تحسين بيئة النوم:
من الأمور الأساسية التي يمكن أن تساعد في تقليل نوبات الفزع الليلي هي تحسين بيئة النوم. يشمل ذلك التأكد من أن الغرفة هادئة، مظلمة، ومريحة. كما يفضل الحفاظ على درجة حرارة معتدلة في غرفة النوم. -
تقنيات الاسترخاء:
تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، التأمل، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة قبل النوم قد تساعد في تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف القلق، مما يقلل من احتمالية حدوث نوبات الفزع الليلي. -
الروتين الثابت للنوم:
الحفاظ على روتين نوم منتظم يعد من العوامل المساعدة في تنظيم النوم وتقليل اضطراباته. من المهم الذهاب إلى الفراش في نفس الوقت يوميًا والاستيقاظ في نفس الوقت صباحًا. -
استشارة الطبيب:
في بعض الحالات التي يتسبب فيها الفزع الليلي في مشاكل مستمرة أو تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، من الأفضل استشارة الطبيب. قد يوصي الطبيب بالعلاج السلوكي المعرفي أو بالعلاج بالأدوية في بعض الحالات. -
التعامل مع التوتر:
بما أن التوتر يعد أحد العوامل الرئيسة المؤدية إلى الفزع الليلي، فإن تقنيات إدارة التوتر مثل ممارسة الرياضة، تقنيات التأمل، أو العلاج النفسي يمكن أن تكون مفيدة في التعامل مع هذه النوبات.
الخلاصة
الفزع الليلي هو اضطراب نوم يسبب مشاعر شديدة من الخوف أو الذعر دون ارتباط بالكوابيس، ويؤثر بشكل أكبر على الأطفال والشباب. تختلف أعراضه عن الكوابيس في أنه يحدث في مرحلة النوم العميق ولا يتم تذكره بعد الاستيقاظ. من خلال فحص العوامل المساهمة فيه، يمكن تطبيق بعض الاستراتيجيات العلاجية والوقائية للحد من تأثيره على حياة الشخص.
