مرض النهم الليلي: التعريف، الأسباب، الأعراض، والعلاج
يعد مرض النهم الليلي (Night Eating Syndrome – NES) من الاضطرابات الغذائية التي لا يزال الكثير من الناس يجهلونها، رغم تأثيرها الكبير على حياة الأفراد الذين يعانون منها. يترتب على هذا المرض مجموعة من السلوكيات غير الصحية التي تتجلى في تناول الطعام بشكل مفرط في فترات الليل، ويصاحبه عادة الشعور بالذنب والقلق، مما يجعل المريض في حالة من التوتر النفسي والعاطفي المستمر. لذلك، من المهم فهم طبيعة هذا المرض، الأسباب التي تؤدي إلى حدوثه، كيفية تشخيصه، وكيفية التعامل معه وعلاجه.
1. ما هو مرض النهم الليلي؟
مرض النهم الليلي هو اضطراب غذائي يتسم بتناول الطعام بكميات كبيرة خلال ساعات الليل، خاصة بعد الاستيقاظ من النوم. يعاني الأشخاص المصابون بهذا المرض من نوبات متكررة من الأكل المفرط في فترات غير عادية، مثل منتصف الليل أو ساعات الصباح الباكر. لا يقتصر هذا المرض على الجوع الجسدي أو احتياج الجسم للطعام، بل يرتبط غالبًا بمشاعر من القلق أو التوتر، حيث يصبح تناول الطعام وسيلة للتعامل مع تلك المشاعر.
2. الأعراض والعلامات المرتبطة بالنهم الليلي
تتعدد الأعراض التي يعاني منها الأشخاص المصابون بالنهم الليلي، ولكنها تتمثل بشكل رئيسي في:
-
تناول الطعام في الليل: الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب عادة ما يتناولون الطعام بعد الاستيقاظ من النوم أو في الساعات المتأخرة من الليل. وتكون هذه الوجبات غالبًا غير مرتبطة بالجوع الفعلي.
-
عدم القدرة على السيطرة على تناول الطعام: يعاني المصابون من شعور بعدم السيطرة على الأكل رغم أن الكثير منهم يكون على دراية بالأضرار الصحية لهذه العادة.
-
مشاعر الذنب والقلق بعد تناول الطعام: بعد تناول الطعام في الليل، يشعر المرضى بالذنب أو الخجل، مما يؤدي إلى مزيد من التوتر والقلق.
-
نقص النوم: قد يصاحب النهم الليلي اضطرابات في النوم، حيث يعاني المريض من الاستيقاظ المتكرر أو قلة النوم بسبب تناول الطعام المتأخر.
-
التغيرات المزاجية: غالبًا ما يرافق المرض حالات من الاكتئاب أو القلق، مما يعزز السلوكيات المرتبطة بالأكل المفرط.
3. الأسباب المحتملة لمرض النهم الليلي
تتعدد العوامل التي قد تساهم في ظهور مرض النهم الليلي، ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى عدة جوانب بيولوجية ونفسية واجتماعية.
3.1 العوامل البيولوجية
-
الاختلالات في الساعة البيولوجية: تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من النهم الليلي قد يكون لديهم خلل في التوازن بين الهرمونات التي تتحكم في الشهية مثل الجريلين (هرمون الجوع) واللبتين (هرمون الشبع). هذا الخلل قد يؤدي إلى زيادة الشعور بالجوع في أوقات غير طبيعية.
-
الاضطرابات في النوم: هناك علاقة قوية بين النهم الليلي واضطرابات النوم مثل الأرق. الأفراد الذين يعانون من مشاكل في النوم قد يستيقظون في منتصف الليل ويشعرون بحاجة لتناول الطعام.
3.2 العوامل النفسية
-
التوتر والقلق: يعاني العديد من الأشخاص المصابين بالنهم الليلي من حالات من القلق أو التوتر المرتبط بالحياة اليومية أو العمل. يجد البعض أن تناول الطعام في الليل يساعدهم على تخفيف هذه المشاعر السلبية.
-
الاكتئاب: هناك ارتباط واضح بين الاكتئاب والنهم الليلي. تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب لديهم احتمالية أكبر للإصابة بهذا المرض، حيث يلجؤون إلى الطعام كآلية تهدئة.
-
الإجهاد النفسي: الضغط النفسي الناتج عن ضغوط الحياة قد يدفع البعض لتناول الطعام المفرط كوسيلة للتعامل مع المشاعر السلبية.
3.3 العوامل الاجتماعية والبيئية
-
العوامل الثقافية والاجتماعية: قد تلعب العوامل الاجتماعية دورًا في السلوكيات الغذائية. في بعض الثقافات، يتم تشجيع تناول الطعام في ساعات متأخرة من الليل كجزء من العادات الاجتماعية.
-
تأثير وسائل الإعلام: في بعض الأحيان، يؤدي التعرض المستمر لصور الطعام في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة الرغبة في تناول الطعام في أوقات غير مناسبة.
4. تشخيص مرض النهم الليلي
لتشخيص مرض النهم الليلي، يجب أن يعاني الشخص من الأعراض التالية بشكل متكرر:
-
تناول الطعام خلال الليل أو بعد الاستيقاظ.
-
الشعور بالإرهاق أو الذنب بعد تناول الطعام.
-
قلة النوم أو اضطراباته.
-
وجود علاقة بين تناول الطعام والمشاعر النفسية مثل القلق أو الاكتئاب.
يقوم الأطباء عادة بتشخيص المرض عبر فحص تاريخ المريض الطبي والنفسي، وقد يلجؤون إلى استخدام استبيانات أو مقابلات سريرية لمساعدة في تقييم الحالة بشكل دقيق.
5. علاج مرض النهم الليلي
يمكن أن يكون علاج مرض النهم الليلي مزيجًا من العلاج النفسي والطبي، ويعتمد العلاج الأمثل على شدة الأعراض والعوامل المساهمة في الإصابة بالمرض. إليك بعض العلاجات الأكثر شيوعًا:
5.1 العلاج النفسي
-
العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يعد العلاج السلوكي المعرفي من أنجح العلاجات لمرض النهم الليلي. يهدف هذا العلاج إلى تعديل الأفكار والسلوكيات المرتبطة بتناول الطعام في أوقات غير طبيعية. يساعد العلاج السلوكي المعرفي المرضى على تحديد المحفزات النفسية التي تؤدي إلى الأكل المفرط ليلاً.
-
العلاج بالتعرض: في بعض الحالات، يساعد العلاج بالتعرض المرضى على مواجهة المحفزات السلبية التي تدفعهم لتناول الطعام. يتم تدريجيًا تعليم المرضى كيفية التحكم في رغباتهم في تناول الطعام عندما تكون مشاعر القلق أو التوتر هي المحفز الرئيسي.
-
العلاج النفسي الجماعي: يمكن أن يساعد العلاج النفسي الجماعي في تبادل الخبرات والتقنيات مع آخرين يعانون من نفس المشكلة. هذا النوع من العلاج يساهم في تخفيف الشعور بالعزلة والذنب.
5.2 العلاج الدوائي
في بعض الحالات، قد يوصي الأطباء باستخدام أدوية للمساعدة في تقليل الرغبة في تناول الطعام ليلاً، خاصة إذا كان الاضطراب مصحوبًا بحالة نفسية مثل الاكتئاب أو القلق. بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، قد تساعد في تخفيف الأعراض. بالإضافة إلى ذلك، قد يتم استخدام أدوية لتنظيم النوم.
5.3 تحسين عادات النوم
من المهم تحسين جودة النوم لدى المصابين بالنهم الليلي، حيث أن الأرق واضطرابات النوم قد يكونان أحد المحفزات الرئيسية لظهور الأعراض. يمكن اتباع بعض النصائح مثل:
-
تنظيم مواعيد النوم.
-
الحد من تناول الكافيين والمشروبات المنبهة في المساء.
-
ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل أو التنفس العميق قبل النوم.
5.4 إدارة التوتر والقلق
من الضروري أن يتعلم المرضى كيفية إدارة التوتر والقلق بطرق صحية بدلاً من اللجوء إلى الطعام. يمكن تحقيق ذلك من خلال تقنيات مثل:
-
التأمل واليوغا: تساعد هذه التقنيات في تقليل مستويات التوتر وتعزيز الهدوء العقلي.
-
ممارسة الرياضة: التمرينات الرياضية المنتظمة يمكن أن تساعد في تحسين الحالة المزاجية والتقليل من الرغبة في تناول الطعام كوسيلة للهروب من المشاعر السلبية.
-
الاسترخاء العضلي التدريجي: يمكن أن تساعد هذه التقنية في تخفيف التوتر العضلي والعقلي.
6. الوقاية من النهم الليلي
من الأفضل الوقاية من مرض النهم الليلي قبل تطوره إلى اضطراب مزمن. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
-
الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن يشمل النوم الجيد والتغذية السليمة.
-
التعرف على المحفزات النفسية التي قد تؤدي إلى الإفراط في الطعام.
-
ممارسة تقنيات التعامل مع التوتر بطرق صحية مثل التأمل والتمارين الرياضية.
7. الخلاصة
يعد مرض النهم الليلي اضطرابًا غذائيًا خطيرًا يتطلب تدخلًا متعدد الجوانب يشمل العلاج النفسي والطبي. من خلال فهم العوامل التي تساهم في هذا المرض، والاعتماد على أساليب العلاج الحديثة مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الدوائي، يمكن تحسين جودة حياة المصابين بهذا المرض.
