حكمة بعثة النبي محمد

الحكمة من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

لقد شاء الله تعالى أن يبعث في أمة العرب رسولًا من بينهم، ليكون خاتمًا للأنبياء والمرسلين. النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان هو النبي الذي اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون الواسطة بينه وبين البشرية، وتكمل برسالته الخاتمة كل الرسالات التي سبقتها. في هذه المقالة، نعرض جانبًا من الحكمة الإلهية العميقة في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، متناولين مقاصد وأهداف هذه البعثة العظيمة.

1. بعثة النبي محمد كتكملة للرسالات السابقة

إن الحكمة الأولى من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تكمن في أن رسالته جاءت كتكملة لكل الرسالات السماوية التي سبقتها. فقد بعث الله قبل النبي محمد عددًا من الأنبياء والمرسلين، كان لكل منهم رسالة تخص قومه وزمانهم. وعندما أوشك الزمان على اكتمال، جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكمل تلك الرسالات، ويُوحَى إليه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو القرآن الكريم.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم: 4). وهذا التشريف للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يعكس أهمية بعثته كخاتم للأنبياء. وقد جاءت رسالته لتجمع بين ما فُقد من الرسالات السابقة، وتُوضِّح للمسلمين الطريق السليم الذي يجب أن يسيروا عليه.

2. دعوة التوحيد وتجديد عبادة الله تعالى

من أبرز حكم بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت تجديد مفهوم التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى. فقد كانت الفترة التي سبقت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مليئة بالظلمات من الشرك وعبادة الأصنام، وكان الناس في جاهلية تامة.

عندما أُوحي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان من أولى مهامّه الدعوة إلى الله وتوحيده، فقال في صراحة ووضوح: “لا إله إلا الله”. كانت هذه دعوة صريحة للبشرية، بأن يكون الله وحده هو المعبود، وأن تخلص العبادة له فقط، لا يشرك به شيء. كانت هذه الرسالة هي الهدف الأول والأساسي لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

إن التوحيد هو جوهر الرسالة المحمدية، والتي تحتوي على معنى أن الله تعالى هو خالق الكون، وهو المالك الوحيد له، وتوجيه كل عمل عبادي إلى الله وحده، كما جاء في قوله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات: 56). التوحيد كان يعنى الخروج من دائرة الظلام إلى نور الإيمان بالله العظيم، وبالتالي كان هدفًا أسمى، ومن الحكمة الإلهية الكبرى.

3. إقامة العدالة الاجتماعية وتعليم الأخلاق

من الحكمة العظمى التي تميزت بها بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت لتعزيز العدالة الاجتماعية في مجتمع كان يعاني من الظلم والتمييز الطبقي. فقد كان العرب في الجاهلية يتفاوتون في حقوقهم بناءً على الطبقة الاجتماعية، وكانت المرأة لا تُحظى بأي حقوق قانونية، بل كانت تُعتبر ملكًا يُورَّث. كما كانت قضايا اليتامى والضعفاء تُتَجاهل، وكان الفقر يُفرض على طائفة كبيرة من الناس.

جاءت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإقامة العدل بين الناس، ودعوة كل فرد في المجتمع إلى أن يعيش في ظلّ العدالة والمساواة، بحيث لا يكون لأي فرد فضل على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن في كل مناسبة أن “الناس سواسية كأسنان المشط”. قدوة عظيمة في هذا السياق تمثلها سيرته صلى الله عليه وسلم، حيث رفع مستوى المرأة، وأعطاها حقوقًا عظيمة كانت غير معترف بها في الجاهلية، حتى أنه صلى الله عليه وسلم حارب وألغى عادة وأد البنات، وأكد على حريتها وكرامتها.

4. تحقيق الرحمة لجميع الأمم والشعوب

لقد كانت الحكمة الثانية التي تحققت من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي تجسيد الرحمة الإلهية في الإنسانية كلها، وليس فقط في قبيلة أو أمة معينة. فقد بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون رحمة للعالمين، كما جاء في قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 107).

إن الرحمة التي تجسدها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ليست محصورة في التعامل مع المسلمين فقط، بل تشمل كل بني آدم. وقد أبرزت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العديد من المواقف التي تُظهر معاملة النبي الإنسانية لغير المسلمين، وكيف كان يوجه الصحابة للرحمة بكل من حولهم، حتى مع الأعداء. كان دائمًا يقول: “اللهم أهدِ قومي، فإنهم لا يعلمون”. هذا يدل على سعة رحمة النبي التي شملت جميع الناس، وهذا من أبرز حكم بعثته.

5. إصلاح النفوس وتنقية القلوب

إن من أعظم الحكمة في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إصلاح النفوس وتنقية القلوب من الضغائن والأحقاد، وتوجيهها نحو الخير. في الجاهلية، كانت القلوب مشحونة بالحقد والكراهية، وكان الناس يقتتلون بسبب أشياء تافهة، ولكن مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، بدأ التغيير في هذه النفوس.

لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الأخلاق الطيبة، مثل الصبر، والصدق، والإخلاص، والوفاء بالعهد. وكان دائمًا يحثهم على أن يطهروا قلوبهم من الحقد والبغضاء، وأن يسيروا على طريق الحب والرحمة. التوجيه النبوي كان يهدف إلى بناء أمة قوية، تقوم على مبادئ العدل والمساواة.

6. إرساء دين عالمي وشامل

بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن تقتصر على العرب أو الأمة الإسلامية فقط، بل كان الهدف الأسمى من هذه البعثة هو نشر دين الإسلام في جميع أنحاء الأرض. لقد تلقى النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة التي تأمره بنقل الدعوة إلى العالم بأسره، فقد أُرسل لهداية الناس جميعًا، وليس فقط لهداية قومه.

وذلك يتضح في قوله تعالى: “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” (الأعراف: 158). النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فقط النبي المرسل إلى قريش أو العرب، بل كان رسوله الله إلى جميع الأمم، وهذه كانت الحكمة الكبرى في بعثته، حيث كانت رسالته شاملة للعالمين بأسره.

7. إصلاح الإنسان في جميع جوانب حياته

الرسالة المحمدية، كانت تشتمل على دعوة شاملة لإصلاح الإنسان على جميع الأصعدة. فقد أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليعلم الأمة كيفية أن يعيش الإنسان حياته في مختلف جوانبها: العبادة، المعاملات، الأخلاق، الاقتصاد، السياسة، الأسرة، وغيرها. الإسلام ليس دينًا يقتصر على العبادة فقط، بل هو نظام حياة شامل.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة كيف يمكن لكل فرد أن يعيش حياة طيبة، بعيدة عن الفساد، ويحثهم على تحصيل العلم، والإبداع في مختلف المجالات، دون أن يتناقض ذلك مع تعاليم دينهم. وهذه كانت أيضًا من أعمق الحكم في بعثته صلى الله عليه وسلم.

8. رسالة خالدة إلى يوم الدين

من أهم حكم بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنها كانت رسالة خالدة لا يطرأ عليها التغيير ولا التعديل. القرآن الكريم الذي أنزل عليه، هو الكتاب الذي سيظل محفوظًا إلى يوم الدين. وما من شيء جاء في الشريعة الإسلامية إلا وكان جامعًا لأحكام الحياة، ملائمًا لكل زمان ومكان. وهذه من أبرز مميزات بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كانت رسالته صالحة لجميع الناس في جميع الأزمنة.

خاتمة

لقد كانت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم محورية في تاريخ الإنسانية، وقد تحقق من خلالها العديد من الحكم الإلهية التي غيرت وجه التاريخ. لقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم دعائم الإسلام في جميع المجالات، من العبادة إلى الأخلاق والمعاملات، وجعلها رسالة خالدة للأجيال القادمة.