احتباس البول: الأسباب، الأنواع، المضاعفات، والعلاج

يُعد احتباس البول من الاضطرابات البولية الشائعة والخطيرة التي تؤثر على قدرة الفرد في إفراغ المثانة بشكل كامل أو جزئي. ويُصنف كحالة طبية طارئة في كثير من الأحيان، حيث يؤدي تراكم البول في المثانة إلى تمددها بشكل غير طبيعي مما يعرض الكلى والمثانة لمضاعفات صحية خطيرة. تختلف الأسباب الكامنة وراء هذا الاضطراب باختلاف العمر والجنس والتاريخ الصحي للمصاب، وهو ما يستدعي دراسة شاملة لفهم طبيعة هذه الحالة، أنواعها، مسبباتها، وطرق التدخل العلاجي والوقائي المناسبة.

تعريف احتباس البول

احتباس البول (Urinary Retention) هو حالة طبية تُصيب الجهاز البولي، وتتمثل في عدم قدرة المريض على إفراغ المثانة بشكل كلي أو جزئي، على الرغم من امتلائها بالبول. قد يكون الاحتباس حادًا (يحدث فجأة ويُصنف كطارئ طبي) أو مزمنًا (يتطور تدريجيًا على مدى أسابيع أو أشهر). وتكمن خطورة هذه الحالة في تراكم البول داخل المثانة، مما قد يؤدي إلى مضاعفات مثل العدوى، تلف عضلات المثانة، أو تراجع في وظائف الكلى.

أنواع احتباس البول

1. احتباس البول الحاد

هو النوع الأخطر والأكثر إلحاحًا، إذ تظهر الأعراض بشكل مفاجئ ومؤلم. يشعر المصاب برغبة شديدة في التبول، مع عدم القدرة على إخراج أي كمية من البول. وقد يُصاحبه تورم في أسفل البطن، وألم شديد، وضغط على المثانة. في الحالات القصوى، يتطلب التدخل الفوري بإدخال قسطرة لتفريغ المثانة.

2. احتباس البول المزمن

يتطور هذا النوع ببطء، وقد لا يُصاحبه ألم واضح. ومع مرور الوقت، يشعر المصاب بعدم القدرة على تفريغ المثانة بالكامل عند التبول، أو يتبول على دفعات صغيرة بشكل متكرر. وقد يُلاحظ تسرب البول بشكل لا إرادي، وهو ما يُعرف بالتبول الزائد عن الامتلاء (Overflow Incontinence). وقد لا يدرك المريض وجود المشكلة إلا بعد تفاقم الحالة أو ملاحظة أعراض مثل تكرار التهابات المسالك البولية أو انتفاخ المثانة.

الأسباب والعوامل المساهمة

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى احتباس البول، ويمكن تصنيفها إلى أسباب انسدادية، وأسباب غير انسدادية.

أولاً: الأسباب الانسدادية

تشمل جميع الحالات التي تؤدي إلى انسداد مجرى البول أو الضغط عليه، مما يُعيق تدفق البول الطبيعي:

• تضخم البروستاتا الحميد (BPH): من أكثر الأسباب شيوعًا لدى الرجال فوق سن الخمسين. يؤدي تضخم غدة البروستاتا إلى تضييق الإحليل، ما يمنع تدفق البول بسلاسة.

• حصى المثانة أو الإحليل: يمكن أن تسد الحصى القنوات البولية وتمنع إخراج البول.

• أورام المثانة أو الحوض: قد تضغط على المثانة أو الإحليل وتمنع الإفراغ الكامل.

• تضيق الإحليل: نتيجة التهابات متكررة أو إصابات، حيث يقل قطر الإحليل مما يُعيق التدفق.

• هبوط المثانة عند النساء: في بعض حالات ضعف عضلات الحوض، قد تهبط المثانة وتضغط على مجرى البول.

ثانيًا: الأسباب غير الانسدادية

ترتبط بوظائف الأعصاب أو الأدوية أو العوامل النفسية:

• الاعتلال العصبي السكري: يضعف الإشارات العصبية بين المثانة والدماغ، ما يؤدي إلى فشل في تحفيز التبول.

• إصابات النخاع الشوكي أو الأعصاب: يمكن أن تعطل التحكم في المثانة.

• الأدوية: مثل مضادات الهستامين، ومضادات الاكتئاب، والأدوية المستخدمة لعلاج مرض باركنسون، حيث تؤثر على وظائف عضلات المثانة.

• الجراحات: خاصة جراحات الحوض أو العمود الفقري قد تؤدي إلى خلل مؤقت أو دائم في التحكم البولي.

• الإمساك الشديد: قد يضغط القولون الممتلئ على المثانة أو مجرى البول.

أعراض احتباس البول

تختلف الأعراض تبعًا لنوع الاحتباس، حادًا كان أم مزمنًا:

التشخيص

يعتمد تشخيص احتباس البول على التاريخ الطبي والفحص السريري والفحوصات المساعدة، والتي تشمل:

• الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): لتقييم كمية البول المتبقية في المثانة بعد التبول.

• قياس تدفق البول (Uroflowmetry): لتحليل سرعة وقوة تدفق البول.

• تنظير المثانة (Cystoscopy): لفحص بطانة المثانة والإحليل والتأكد من وجود انسدادات.

• اختبارات الديناميكا البولية (Urodynamic Studies): لدراسة وظائف المثانة والإحليل أثناء امتلاء المثانة والتبول.

• تحاليل البول: للكشف عن وجود عدوى أو دم في البول.

• تحاليل الدم: لتقييم وظائف الكلى وقياس مستوى الكرياتينين.

المضاعفات المحتملة

قد يؤدي إهمال علاج احتباس البول إلى عدة مضاعفات صحية، منها:

• تمدد المثانة وفقدان مرونتها: مما يؤدي إلى ضعف دائم في وظائفها.

• العدوى المتكررة في المسالك البولية: بسبب بقاء البول لفترات طويلة.

• تلف الكلى: نتيجة رجوع البول إلى الكلى، مما قد يؤدي إلى الفشل الكلوي في الحالات المزمنة.

• حصى المثانة: نتيجة ترسب الأملاح في البول الراكد.

• تكون خراجات أو التهابات في الأنسجة المجاورة.

العلاج

تختلف طرق العلاج بناءً على السبب ونوع الاحتباس، وتتضمن:

1. تفريغ المثانة

يتم ذلك في حالات الاحتباس الحاد عبر:

• القسطرة البولية: سواءً كانت قصيرة الأجل (قسطرة مؤقتة) أو طويلة الأمد.

• القسطرة فوق العانة (Suprapubic Catheter): توضع مباشرة في المثانة من خلال الجلد في الحالات التي يصعب فيها إدخال القسطرة عبر الإحليل.

2. العلاج الدوائي

• أدوية مرخية للعضلات مثل الأدوية المضادة للكولين لتقليل تقلصات المثانة.

• مثبطات ألفا (Alpha Blockers): مثل تامسولوسين، تُستخدم في حالات تضخم البروستاتا لتسهيل خروج البول.

• المضادات الحيوية: في حال وجود عدوى مصاحبة.

• أدوية لعلاج الإمساك في حال كان الإمساك سببًا.

3. العلاج الجراحي

• استئصال جزئي أو كلي للبروستاتا: في حالات التضخم الشديد.

• توسيع الإحليل: إذا كان هناك تضيق.

• إزالة الأورام أو الحصى التي تسد المسالك البولية.

• إصلاح هبوط المثانة أو تدلي أعضاء الحوض لدى النساء.

4. العلاج الفيزيائي وإعادة التأهيل

• تمارين كيجل (Kegel exercises): لتقوية عضلات الحوض والمثانة.

• التحفيز الكهربائي للأعصاب: يستخدم لتحسين التحكم العضلي والمساعدة على إفراغ المثانة.

الوقاية

رغم أن بعض حالات احتباس البول لا يمكن تفاديها، إلا أن هناك خطوات تقلل من خطر الإصابة:

• إجراء فحوصات دورية للبروستاتا للرجال فوق سن الأربعين.

• التحكم في مستويات السكر في الدم لمنع الاعتلال العصبي.

• تجنب الإمساك المزمن عبر نظام غذائي غني بالألياف.

• مراقبة الآثار الجانبية للأدوية واستشارة الطبيب عند حدوث مشاكل في التبول.

• الاهتمام بنظافة المسالك البولية لتقليل خطر العدوى.

• ممارسة تمارين تقوية الحوض خاصةً بعد الولادة أو العمليات الجراحية.

خلاصة

احتباس البول هو اضطراب شائع ومعقد، يجمع بين الأسباب العضوية والوظيفية والعصبية، ويؤثر بشكل ملحوظ على جودة حياة المصاب. تشخيص الحالة بدقة والتدخل في الوقت المناسب