فوائد النوم على البطن
يُعد النوم أحد الركائز الأساسية لصحة الإنسان الجسدية والنفسية، وتتنوع أوضاع النوم بين الأفراد تبعًا للراحة الشخصية والعادات المكتسبة والعوامل الفسيولوجية المختلفة. ومن بين هذه الأوضاع، يحظى النوم على البطن باهتمام متزايد من الباحثين في مجالات النوم وعلوم الأعصاب والعمود الفقري، حيث يتباين الجدل حول ما إذا كان هذا الوضع مفيدًا أم ضارًا للصحة. وعلى الرغم من أن النوم على البطن يُنتقد كثيرًا من قبل الأطباء لأسباب تتعلق بالعمود الفقري والتنفس، إلا أن بعض الدراسات والأدلة السريرية تُظهر أن له فوائد في بعض الحالات الصحية، خاصة عند الحديث عن مشاكل الهضم، أو متلازمات معينة كالانقطاع التنفسي أثناء النوم. في هذا المقال، سيتم استعراض الفوائد المحتملة للنوم على البطن بشكل موسع وشامل، مع تحليل علمي دقيق مبني على أدلة من الأبحاث الحديثة في علوم النوم وعلم وظائف الأعضاء.
1. تحسين الهضم في بعض الحالات
النوم على البطن قد يساعد في تسهيل عملية الهضم لدى بعض الأفراد، وخصوصًا أولئك الذين يعانون من بطء تفريغ المعدة أو متلازمة القولون العصبي. يؤدي النوم على البطن إلى ضغط خفيف على البطن، مما قد يُحفز حركة الأمعاء الدقيقة والغليظة ويعزز المرور الطبيعي للغذاء والفضلات. كما يساعد على تخفيف الشعور بالانتفاخ الذي قد يظهر بعد تناول وجبات دسمة في الليل.
ومع ذلك، فإن هذه الفائدة ليست مطلقة، إذ أنها تختلف باختلاف شكل الجسم، والوزن، ومرونة عضلات البطن، وتكوين الجهاز الهضمي عند الفرد.
2. الحد من الشخير والانقطاع التنفسي
من أبرز فوائد النوم على البطن تقليل أو منع الشخير عند بعض الأشخاص، خصوصًا من يعانون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم (Obstructive Sleep Apnea). في هذا الوضع، يتحرر مجرى التنفس من ضغط الحنك الرخو واللسان الذي قد يسد الحلق في وضعية النوم على الظهر.
عندما ينام الشخص على بطنه، فإن الجاذبية لا تسحب اللسان إلى الخلف، ما يسمح بمجرى هوائي مفتوح بشكل أكبر، ويؤدي ذلك إلى تحسين جودة التنفس وتخفيف نوبات الانقطاع التنفسي التي قد تكون مهددة للحياة إذا لم تُعالج.
3. دعم الدورة اللمفاوية وتحفيز التصريف
من الناحية الفسيولوجية، فإن النوم على البطن قد يسهم في تحسين الدورة اللمفاوية، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من احتقان أو تجمع سوائل في الأنسجة. هذا الوضع يسمح بتوزيع الضغط بشكل معين على الجسم يمكن أن يعزز التصريف اللمفاوي من الأنسجة نحو القنوات اللمفاوية الرئيسية، خاصة إذا كانت الذراعين والساقين ممتدة في وضعية صحيحة.
تشير بعض الممارسات التقليدية والطب الصيني إلى أهمية أوضاع معينة أثناء النوم في تحسين التدفق الحيوي للطاقة (Qi)، والنوم على البطن من تلك الأوضاع التي يُقال إنها تدعم التصريف والتوازن في الجذع.
4. تقليل أعراض الجَزْر المَعِدي المريئي في بعض الحالات
على الرغم من أن وضع النوم على البطن قد يزيد من الضغط على المعدة، إلا أن بعض الدراسات أشارت إلى أنه في بعض الحالات، يمكن لهذا الوضع أن يخفف من ارتجاع الأحماض إلى المريء، خاصة إذا تم تعديل وضعية الرأس والرقبة باستخدام وسادة داعمة. يُعتقد أن هذا التأثير مرتبط بوضعية الفؤاد (الجزء العلوي من المعدة)، ما يجعل من الصعب على الحمض المعدي أن يرتد إلى الأعلى.
لكن ينبغي التنويه إلى أن هذه الفائدة تعتمد بدرجة كبيرة على الزاوية التي يتخذها الشخص أثناء النوم، ولا يُنصح بها عمومًا دون تقييم سريري دقيق، خاصة للأشخاص المصابين بقرحة المعدة أو فتق الحجاب الحاجز.
5. التأثيرات النفسية والراحة النفسية
بعض الأشخاص يجدون في النوم على البطن راحة نفسية فطرية، وهذا الشعور قد يرتبط بالحالة النفسية والعاطفية أكثر من أي عامل آخر. النوم في هذا الوضع قد يُشعر الشخص بالأمان أو الاحتواء، خاصة لدى الأطفال أو الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق أو القلق الليلي.
يُعزى هذا الشعور إلى تأثير الضغط الخفيف على الجذع، وهو تأثير مشابه لما توفره البطانيات الثقيلة (Weighted Blankets) التي تُستخدم في تهدئة الجهاز العصبي الذاتي وتقليل نوبات القلق والأرق.
6. تحسين مرونة عضلات البطن والحوض
النوم على البطن قد يُساعد، على المدى الطويل، في الحفاظ على مستوى معين من التمدد الطبيعي في عضلات البطن والحوض. هذا الأمر يفيد بشكل خاص في حالات ما بعد العمليات الجراحية أو الفترات التي تتطلب إعادة تأهيل عضلات الجذع.
عند الاستلقاء على البطن، تتعرض عضلات البطن الأمامية إلى شد خفيف يمكن أن يحفز عملية التمدد والتعافي، لكن يجب الحذر من الإفراط في الاعتماد على هذه الوضعية في حال وجود فتوق بطنية أو ضعف في الجدار العضلي.
7. المساعدة في حالات التهابات الرئة
في حالات طبية معينة مثل الالتهاب الرئوي أو الإصابة بكوفيد-19، طُبق ما يُعرف بوضع الاستلقاء البطني (Prone Positioning) في وحدات العناية المركزة لتحسين تشبع الأكسجين في الدم. وقد ثبت علميًا أن هذا الوضع يساعد على توزيع الهواء داخل الرئتين بشكل أكثر توازنًا، ويمنع تراكم السوائل في الفصوص السفلية من الرئتين.
وعلى الرغم من أن هذا يُستخدم سريريًا تحت إشراف طبي، فإن الفكرة تؤكد أن النوم على البطن ليس ضارًا دائمًا، بل يمكن أن يحمل فوائد تنفسية ملحوظة عند تطبيقه بالشكل الصحيح.
8. تحسين الوعي الحسي بالتوازن الجسدي
بما أن النوم على البطن يُجبر الشخص على اتخاذ وضعية مستقرة وثابتة لفترة طويلة، فإن ذلك يُسهم في تطوير نوع من الوعي الحسي بالجسم. هذا النوع من التوازن الجسدي المرتبط بوضعية الجسم يُعتبر عنصرًا هامًا في العلاج الفيزيائي والتأهيل العضلي.
الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في العمود الفقري القطني أو من عدم اتساق عضلات الجذع قد يستفيدون من اعتماد هذا الوضع في جلسات علاجية محددة لتحفيز إدراك وضعية الجسم واستعادة التوازن العضلي.
9. تقليل التوتر العصبي لبعض الأشخاص
أظهرت بعض الدراسات النفسية أن النوم على البطن يقلل من مستوى الكورتيزول في الدم عند بعض الأشخاص، وهو الهرمون المرتبط بالإجهاد. وعليه، قد يساهم هذا الوضع في تخفيف التوتر العصبي والإجهاد العقلي خاصة إذا كان مصحوبًا بالتنفس العميق المنتظم.
تشير الدراسات العصبية إلى أن أوضاع النوم تؤثر على نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي والباراسمبثاوي، والنوم على البطن قد يُعزز من تفعيل الجهاز الباراسمبثاوي المرتبط بالراحة والهضم والتهدئة.
10. فوائد محتملة للنوم عند الأطفال
في بعض الثقافات، يُستخدم النوم على البطن للأطفال الرُضع لتحسين جودة النوم وتسهيل التجشؤ وتخفيف المغص، خصوصًا خلال الأشهر الأولى بعد الولادة. وعلى الرغم من أن هذا الاستخدام يجب أن يكون تحت إشراف طبي صارم لتجنب متلازمة موت الرضيع المفاجئ (SIDS)، فإن هذه الملاحظة تعكس إدراكًا مبكرًا لبعض الفوائد الفسيولوجية لهذا الوضع.
جدول توضيحي للفوائد الرئيسية
| الفائدة | التأثير المحتمل | ملاحظات طبية |
|---|---|---|
| تحسين الهضم | تحفيز حركة الأمعاء وتخفيف الانتفاخ | تختلف الاستجابة بين الأفراد |
| تقليل الشخير وانقطاع النفس | إبقاء مجرى الهواء مفتوحًا | مفيد لمن يعانون من انقطاع النفس الانسدادي |
| دعم التصريف اللمفاوي | تحسين تصريف السوائل في الأنسجة | يحتاج إلى تقييم الوضعيات بالتفصيل |
| تخفيف الجزر المعدي المريئي | تقليل رجوع الحمض المعدي في بعض الوضعيات الخاصة | يجب استشارة طبيب الجهاز الهضمي |
| الراحة النفسية | تقليل القلق والشعور بالأمان | يعتمد على التركيبة النفسية للشخص |
| تعزيز مرونة عضلات البطن | شد طبيعي للعضلات الأمامية للجذع | غير مناسب لمن لديهم فتق أو ضعف عضلي |
| تحسين التنفس في حالات مرضية | توزيع أفضل للهواء داخل الرئتين | يُستخدم في المستشفيات تحت إشراف |
| تعزيز التوازن الجسدي | تطوير الإدراك الجسدي والوعي بالوضعية | مفيد في برامج التأهيل العضلي |
| تقليل التوتر العصبي | خفض الكورتيزول وتحفيز الراحة العصبية | مفيد في حالات التوتر المزمن |
| دعم نوم الرُضع (بإشراف) | تقليل المغص وتحسين النوم | فقط تحت إشراف طبي صارم لتفادي مخاطر متلازمة موت الرضيع المفاجئ |
خاتمة علمية
على الرغم من التحذيرات الطبية المتكررة بشأن النوم على البطن، لا يمكن تجاهل أن له فوائد واضحة في سياقات معينة، خاصة عندما يكون مصحوبًا بوضعيات مدروسة ودعم مناسب للرقبة والحوض. يمكن القول إن النوم على البطن ليس ضارًا بطبيعته، بل يعتمد تأثيره على السياق الصحي للفرد، والبنية الجسدية، ونوعية الفراش والوسائد المستخدمة، والحالات الطبية السابقة. وفي الوقت الذي يجب فيه الحذر عند اعتماد هذه الوضعية كخيار دائم، فإن فهم فوائدها المحتملة يفتح الباب أمام مقاربة أكثر توازنًا وشمولية لموضوع النوم وصحته.
المراجع:
-
American Academy of Sleep Medicine. Clinical Practice Guidelines.
-
Mayo Clinic. Sleep positions and their impact on health.
