فوائد المستكة الصحية والطبية

المستكة: كنز طبيعي بين الطب والغذاء

المستكة، تلك المادة الصمغية العطرية التي تفرزها شجرة المستكة (Pistacia lentiscus)، ليست مجرد نكهة تقليدية تُستخدم في المطابخ العربية والشرقية، بل هي كنز طبيعي ذو تاريخ طويل يعود إلى آلاف السنين، حيث استُخدمت في الطب القديم، وفي الطقوس الدينية، وكمادة حافظة وعلاجية. وقد أثبت العلم الحديث كثيراً من الفوائد التي نُسبت إليها تقليديًا، ما جعلها تكتسب أهمية متزايدة في الأبحاث العلمية في مجالات الطب، التغذية، وصناعة العطور.

الأصل والنبات

تنتمي شجرة المستكة إلى الفصيلة البطمية (Anacardiaceae)، وهي شجرة دائمة الخضرة، صغيرة الحجم، موطنها الأصلي حوض البحر الأبيض المتوسط، وخاصة جزيرة خيوس اليونانية، حيث تُنتج أجود أنواع المستكة عالميًا. وتعتبر شجرة المستكة واحدة من الأشجار القليلة التي تُستخرج منها مادة صمغية طبيعية تُستخدم لأغراض غذائية وطبية مباشرة، دون الحاجة لمعالجة صناعية معقدة.

يتم استخراج المستكة من خلال شق لحاء الشجرة، مما يؤدي إلى تدفق مادة صمغية شفافة لزجة تتصلب لاحقًا عند تعرضها للهواء، وتُجمع يدويًا في عملية تقليدية متقنة تستغرق عدة أسابيع.

التركيب الكيميائي للمستكة

تتكون المستكة من مزيج معقد من الزيوت الطيارة، الراتنجات، ومركبات التربينات، ومن أهم مكوناتها:

الاستخدامات التقليدية للمستكة

منذ العصور القديمة، استُخدمت المستكة في ثقافات مختلفة بسبب خصائصها العلاجية والعطرية. فقد وردت المستكة في كتابات أبقراط، واستخدمها العرب والمسلمون في العصور الوسطى كدواء وعطر ومادة غذائية.

في الغذاء:

• تُستخدم كمادة منكهة في الحلوى، مثل المهلبية والبقلاوة، وفي أنواع محددة من الخبز.

• تدخل في صناعة الآيس كريم والمثلجات في بعض الدول مثل تركيا ولبنان.

• تستعمل في تحضير القهوة المستكية، وهي مشروب تقليدي مشهور في الشام ومصر.

في الطب الشعبي:

• تمضغ كعلكة طبيعية لتحسين رائحة الفم.

• تُستخدم في تهدئة المعدة وعلاج اضطرابات الهضم.

• تُستعمل كمضاد للتقرحات المعوية.

• تُعطى أحياناً للنساء بعد الولادة لمساعدة الرحم على العودة لحجمه الطبيعي.

الفوائد الطبية المثبتة علميًا

1. تحسين صحة الجهاز الهضمي

أثبتت العديد من الدراسات أن المستكة فعّالة في تقليل أعراض قرحة المعدة والتهابات القولون العصبي. كما أظهرت دراسة منشورة في مجلة Phytomedicine أن تناول المستكة يساعد في القضاء على Helicobacter pylori، وهي البكتيريا المسببة الرئيسية لقرحة المعدة.

2. مضادة للميكروبات والبكتيريا

تحتوي المستكة على زيوت طيارة قوية قادرة على القضاء على طيف واسع من البكتيريا والفطريات، مما يجعلها فعّالة في تطهير الفم والأسنان، وقد أظهرت فعالية ضد أنواع من البكتيريا العنقودية والمكورات العقدية.

3. تأثيرات مضادة للسرطان

تشير بعض الأبحاث المخبرية إلى أن المستكة تحتوي على مركبات تثبط انقسام الخلايا السرطانية، خصوصًا في حالات سرطان القولون وسرطان البنكرياس، لكنها لا تزال في مراحل الدراسة المخبرية وتحتاج لمزيد من التجارب السريرية.

4. تحسين صحة الفم والأسنان

بفضل خصائصها المضادة للجراثيم، تعتبر المستكة مكونًا مثاليًا في معاجين الأسنان وغسولات الفم الطبيعية. كما أن مضغ علكة المستكة بانتظام يقلل من نمو البلاك، ويساعد في علاج التهاب اللثة ورائحة الفم الكريهة.

5. خفض الكوليسترول وتحسين صحة القلب

في دراسة سريرية نُشرت في Archives of Pharmacal Research، وُجد أن تناول المستكة أدى إلى انخفاض مستويات الكوليسترول الضار LDL وتحسين مستويات الدهون الثلاثية، مما قد يُساهم في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب.

المستكة في صناعة الأدوية والمستحضرات

تُستخدم المستكة في بعض التركيبات الصيدلانية كمادة رابطة في الأقراص، وكمُحلٍّ طبيعي، وكمضاد للأكسدة. كما تدخل في صناعة المستحضرات التجميلية بسبب خصائصها العطرية والمطهرة، وتُستعمل في:

• كريمات معالجة حب الشباب.

• غسولات الوجه الطبيعية.

• العطور الشرقية الفاخرة.

• الشموع المعطرة ومزيلات العرق.

الجرعة والاستخدام الآمن

المستكة آمنة للاستخدام في الكميات الغذائية، ويُعتبر استهلاكها يوميًا حتى 1 غرام عن طريق الفم آمناً لمعظم الأشخاص البالغين. ومع ذلك، يُنصح بعدم استخدامها بجرعات عالية أو لفترات طويلة دون استشارة طبية، خصوصًا لمرضى الحساسية أو الذين يعانون من أمراض مزمنة.

التحذيرات والآثار الجانبية

على الرغم من الفوائد العديدة، هناك بعض المحاذير المرتبطة باستخدام المستكة:

• قد تُسبب المستكة حساسية لبعض الأشخاص، وخاصةً من لديهم تاريخ مع حساسية الأشجار الصمغية أو المكسرات.

• قد تتفاعل مع أدوية خفض ضغط الدم أو الأدوية المميعة للدم.

• في حالات نادرة، قد يُسبب مضغ المستكة الغثيان أو اضطرابات خفيفة في المعدة.

الفرق بين المستكة العربية والمستكة الصناعية

غالبًا ما يتم الخلط بين المستكة الطبيعية والمستكة الصناعية (وهي مواد راتنجية مشتقة من البترول تُستخدم في الصناعة فقط). من الضروري التأكد من مصدر المستكة وشرائها من جهات موثوقة. المستكة الطبيعية تمتاز بلونها الشفاف المائل إلى الأصفر ورائحتها العطرية الخفيفة.

المستكة في الثقافة الإسلامية والعربية

ذُكرت المستكة في بعض كتب الطب النبوي كعنصر له استخدامات علاجية في حالات أمراض المعدة والأسنان، كما كانت تستخدم كعنصر في البخور الذي يُحرق في البيوت والمساجد لطرد الروائح الكريهة والتطهير الروحي والمكاني. كما أن حضورها في المطبخ الشرقي، وخاصة في الحلويات الدمشقية والمصرية واللبنانية، جعل منها جزءًا من الهوية الغذائية للمنطقة.

الجدول التالي يلخص أهم استخدامات وفوائد المستكة:

الاستنتاج العلمي والاهتمام البحثي

المستكة اليوم ليست فقط تراثًا شعبيًا بل مادة يُعاد اكتشافها في مختبرات الأبحاث الحديثة، وهي مرشحة لأن تصبح جزءًا من الحلول الطبيعية البديلة في مجال الطب التجديدي والوقاية من الأمراض المزمنة. الجمع بين خصائصها المضادة للالتهابات والبكتيريا، ومفعولها على صحة المعدة والفم، يجعلها مثالًا على كيفية استخدام الطبيعة في دعم صحة الإنسان من دون اللجوء إلى مواد كيميائية مركبة.

المراجع:

1. Kaliora, A. C., Stathopoulou, M. G., Triantafillidis, J. K., Dedoussis, G. V., Andrikopoulos, N. K. (2007). “Chios mastic gum modulates inflammatory responses and improves clinical symptoms in patients with active Crohn’s disease.” World Journal of Gastroenterology.

2. Paraschos, S., Magiatis, P., Mitakou, S., Petraki, K., Kalliaropoulos, A., Maragkoudakis, P., … & Skaltsounis, A. L. (2007). “In vitro and in vivo activities of Chios mastic gum extracts and constituents against Helicobacter pylori.” Antimicrobial Agents and Chemotherapy.