أنواع صلاة التطوع وأحكامها

أنواع صلاة التطوع

تُعدّ صلاة التطوّع من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهي من السنن العظيمة التي لها أثر بالغ في تهذيب النفس وتكميل العبادات المفروضة، وتثبيت الإيمان، وتعظيم الأجر. وقد رغّب النبي ﷺ في الإكثار من النوافل، وبيّن فضلها في كثير من الأحاديث، إذ إنّها تكون سببًا في رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وسدّ الخلل في الفرائض، كما ورد في الحديث الصحيح: “إن أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب -عز وجل-: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك”.

في هذا المقال، نسلّط الضوء بشكل موسع على أنواع صلاة التطوع، مع تصنيفها، وبيان أوقاتها، وأحكامها، وفضائلها، ليتسنى للقارئ فهم هذا الباب المهم من أبواب العبادات الإسلامية.

أولًا: تعريف صلاة التطوّع

صلاة التطوع هي: كل صلاة غير مفروضة، يُؤديها المسلم تقرّبًا إلى الله تعالى، طلبًا لثوابه، وابتغاءً لمرضاته، سواء كانت هذه الصلاة ذات سبب كتحية المسجد أو صلاة الكسوف، أو كانت غير مرتبطة بسبب معين كصلاة قيام الليل.

وتنقسم صلاة التطوع إلى قسمين رئيسيين:

1. سنن راتبة: وهي التي شُرعت لتكون تابعة للصلوات المفروضة.

2. نوافل غير راتبة: وهي ما لم تكن مرتبطة بصلاة فريضة بعينها، وتُصلى مستقلة.

ثانيًا: السنن الرواتب

السنن الرواتب من أعظم أنواع التطوع، وهي الصلوات التي حث عليها النبي ﷺ قبل أو بعد الصلوات المفروضة، لتكون جبرًا لما قد يقع فيها من خلل، وهي تنقسم إلى:

عدد السنن الرواتب المؤكدة: اثنتا عشرة ركعة يوميًا، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أم حبيبة رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قال: “من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعًا، بني له بهن بيت في الجنة”.

ثالثًا: قيام الليل والوتر

1. قيام الليل

قيام الليل من أجلّ القربات، وقد أثنى الله تعالى على أهله في قوله:

“كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 17-18].

قيام الليل يشمل كل صلاة تُصلى بعد العشاء إلى الفجر، وقد كان النبي ﷺ يحافظ عليه، ويحثّ الصحابة على ذلك، وهو سُنّة مؤكدة، يُصلي المسلم فيه ما تيسّر له، ركعتين، أو أربعًا، أو أكثر، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُطيل فيها القراءة والركوع والسجود.

2. صلاة الوتر

صلاة الوتر هي ختام صلاة الليل، وهي سُنّة مؤكدة عند جمهور العلماء، ويبدأ وقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ويُوتر المسلم بركعة واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو أكثر، حسب استطاعته.

وقد قال النبي ﷺ: “اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا” [رواه البخاري ومسلم].

رابعًا: صلاة الضحى

صلاة الضحى من السنن العظيمة التي واظب عليها النبي ﷺ، وتُصلى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال، أي بعد شروق الشمس بقرابة ربع ساعة حتى قبيل الظهر.

عدد ركعاتها: أقلها ركعتان، وأكثرها ثمانٍ، وقد ورد: “يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة… ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى” [رواه مسلم].

خامسًا: تحية المسجد

هي ركعتان يصليهما المسلم عند دخول المسجد، قبل الجلوس، ولو في غير وقت الصلوات المكتوبة، لقول النبي ﷺ: “إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين” [رواه البخاري ومسلم].

ويُستحب أن تكون خفيفة إن دخل الإمام ليبدأ الصلاة.

سادسًا: سنة الوضوء (ركعتا الوضوء)

ركعتا الوضوء من السنن المهجورة التي ثبت فضلها في الأحاديث النبوية، ومن ذلك حديث بلال رضي الله عنه:

قال النبي ﷺ: “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي” [رواه البخاري ومسلم].

سابعًا: صلاة الاستخارة

هي سنة نبوية عند الإقدام على أمر فيه تردد، وتُصلى ركعتان من غير الفريضة، يدعو بعدهما بدعاء الاستخارة الوارد عن النبي ﷺ.

وقد قال ﷺ: “إذا همّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل…” وذكر الدعاء [رواه البخاري].

ثامنًا: صلاة التوبة

هي ركعتان يُصليهما من أذنب ذنبًا ثم تاب إلى الله، وقد ورد في الحديث:

“ما من عبد يذنب ذنبًا، ثم يتطهر فيُحسن الطهور، ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله، إلا غفر له” [رواه أبو داود والترمذي].

تاسعًا: صلاة الحاجة

وهي ركعتان يصليهما المسلم إذا عرضت له حاجة من أمر الدنيا أو الآخرة، ويُدعى بعدهما الله تعالى أن يقضي حاجته، وإن لم يرد فيها حديث صحيح صريح إلا أن العلماء أجازوها.

عاشرًا: صلاة الكسوف والخسوف

صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة عند حدوث ظاهرة الكسوف أو الخسوف، وتصلى جماعة أو فرادى، وتُطيل فيها القراءة والركوع، وورد عن النبي ﷺ أنه صلاها بركعتين في كل ركعة ركوعان وسجدتان.

الحادي عشر: صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء تُصلى عند انقطاع المطر واحتياج الناس للماء، وتصلى ركعتين جماعة، مع خطبة بعدها، تُذكر فيها التوبة والاستغفار، والدعاء بالسقيا، وقد صلاها النبي ﷺ وخطب بالناس ودعا.

الثاني عشر: صلاة التراويح

هي قيام الليل في شهر رمضان، وتُصلى جماعة في المساجد، وعددها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة غالبًا، وهي من شعائر الشهر الفضيل، وكان النبي ﷺ يصليها جماعة ثم تركها خشية أن تُفرض على أمته.

الثالث عشر: الصلاة بين الأذان والإقامة

ثبت في الحديث: “بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة”، ثم قال في الثالثة: “لمن شاء” [رواه البخاري ومسلم].

والمراد بـ “الأذانين”: الأذان والإقامة، فيُستحب أداء ركعتين بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات المفروضة.

الرابع عشر: الصلاة بعد الوضوء مباشرة

كما في حديث بلال، فصلاة ركعتين بعد الوضوء سنّة ذات فضل عظيم، ولو لم يكن لها نية مخصوصة.

الخامس عشر: النوافل المطلقة

النوافل المطلقة هي الصلوات غير المقيدة بسبب أو وقت، ويُصليها المسلم تقرّبًا إلى الله، وهي جائزة في جميع الأوقات ما عدا أوقات الكراهة، ومنها:

• بعد شروق الشمس بـ15 دقيقة (ويسمى وقت الضحى).

• بين الظهر والعصر.

• بعد المغرب وقبل العشاء.

• بعد العشاء حتى الفجر.

أوقات النهي عن الصلاة

يحرم أداء النوافل في ثلاثة أوقات كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وهي:

1. بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس.

2. عند استواء الشمس في كبد السماء (قبل الظهر بدقائق).

3. بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس.

ويُستثنى من هذه النوافل التي لها سبب كتحية المسجد وسنة الوضوء.

جدول تفصيلي لأهم أنواع صلاة التطوع

الخاتمة

صلاة التطوع باب واسع من أبواب التقرب إلى الله تعالى، فيها رفعة للدرجات، وتكفير للسيئات، وزيادة في محبة الله للعبد، وهي علامة على صدق الإيمان ورغبة العبد في رضى ربه، وقد أحاطها النبي ﷺ بالعناية والحرص، وربّى عليها أصحابه، وترك أثرها في نفوسهم.

إن المداومة على النوافل بأنواعها ليست عبادةً عابرة بل هي مدرسة في السلوك والنية والتربية الروحية، والمحروم من حُرم الخير الكثير فيها.

المصادر:

1. صحيح البخاري – باب فضل الصلاة تطوعًا.

2. صحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين.