كتاب “فن صنع الأعداء بلطف” للفنان جيمس ماكنيل ويسلر، يُعتبر من الكلاسيكيات في أدب الإهانة والتحقير، وقد يوصف بأنه “سيرة ذاتية لمبغض”، إذ يحتوي على السخرية القاتلة والتعليقات اللاذعة لواحد من أذكى الرجال في القرن التاسع عشر. يتميز ويسلر بعدم تسامحه مع سوء الفهم من قبل النقاد والجمهور الذي يدعي حب الفن، ويستجيب لهم بمواجهات قاسية وعنيفة. تضمن الكتاب نصوصًا من المعارك الشهيرة التي خاضها مع شخصيات بارزة مثل أوسكار وايلد وسوينبيرن، بالإضافة إلى الرسائل الحادة والموجزة إلى محرري الصحف، وردوده على هجمات النقاد، والملاحظات الساخرة على التعليقات الازدرائية على لوحاته والمراجعات العدائية، التي تم إعادة طباعتها أيضاً في الكتاب.
أشهر المعارك التي خاضها ويسلر كانت عندما شاهد الناقد جون روسكين أحد “لوحات الليل” الخاصة بويسلر المعروضة في معرض غروسفينور. كتب روسكين يقول: “لقد رأيت وسمعت الكثير من وقاحة الكوكني من قبل الآن؛ لكنني لم أتوقع أبدًا أن أسمع أحمقًا يطلب مائتي جنيه مقابل رمي وعاء من الطلاء في وجه الجمهور”. هذا الانتقاد أثار غضب ويسلر، الذي بادر إلى رفع قضية تشهير شهيرة ضد روسكين بعنوان “ويسلر ضد روسكين”. تعد المقتطفات من سجلات المحاكمة المترتبة على ذلك من أبرز محتويات الكتاب، حيث يتميز ويسلر بإبادته الرائعة لنقاده الفيليستيين، لكنه فاز بتعويض زهيد للغاية.
تم تصميم الكتاب بواسطة ويسلر نفسه، وهو يقدم حسابًا ممتعًا للغاية عن الانتقامات الشخصية، لكنه يمثل أيضًا مناشدة أيقونة تدعو إلى تبني موقف جديد وأفضل تجاه الرسم. كوثيقة تاريخية، يُعد الكتاب أفضل تصريح عن جماليات جديدة مقابل الأكاديميين القدامى، وقد ساهم بشكل كبير في تشكيل الإحساس الحديث تجاه الفن.
في هذا السياق، يعكس “فن صنع الأعداء بلطف” ليس فقط جانب النقد الفني والثقافي وإنما يعتبر أيضًا تعبيرًا عن شخصية ويسلر الفنية والإنسانية. يمكن للقارئ أن يجد في صفحاته تفاصيل لمعارك ويسلر القانونية والأدبية، التي تسلط الضوء على معتقداته العميقة حول الفن والجمال، ودفاعه المستمر عن الإبداع الفني ضد التقاليد الجامدة والمفاهيم المسبقة التي كان يراها مهيمنة في ذلك العصر. ومن خلال تأملاته وردوده الذكية، يمنح ويسلر القراء فرصة لفهم أعمق للتحديات التي واجهت الفنانين في مواجهة النقد الأدبي والفني الذي قد يكون أحيانًا غير عادل أو مُبني على أسس غير موضوعية.