فن السرد في رواية زينب

رواية “زينب” للروائي محمد حسين هيكل تُعتبر إحدى أهم الأعمال الأدبية في الأدب العربي الحديث. نشرت لأول مرة عام 1914، وتعد أول رواية عربية تكتب بأسلوب سردي حديث. تتناول الرواية حياة الفتاة الريفية زينب، وتسلط الضوء على واقع الريف المصري في تلك الفترة. يستخدم هيكل تقنيات سردية مبتكرة، ويبدع في تنوع الأزمنة والمكان، مما يضفي على الرواية عمقًا وثراءً أدبيًا.

الزمن في رواية زينب

الزمن الخارجي والداخلي

نَوّع الروائيّ محمد حسين هيكل في استخدام الأزمنة، فكان الزمن الخارجي الذي تَعيشه زينب يُمثّل معظم وقتها وعملها في المزرعة، بينما الزمن الداخلي الّذي سَيطر على معظم شخصيّات وأحداث الرواية يُمثل الزمن الذي تستعين به زينب للهروبِ من واقعها إلى ذكرياتها حيث تَجد السّعادة والسّكينة.

الزمن الحاضر

تَعيشه زينب كفتاة فلّاحة بسيطة تُساعد أمّها في الأعمال المنزليّة، ثم تَقضي وقتها في العمل بالمزرعة. يعكس هذا الزمن الحاضر واقع حياتها اليومية وتفاصيلها، ويتجلى فيه الألم والقهر النفسيّ الذي تعيشه بسبب اضطرارها على الزواج. تصف الرواية هذه الحالة بعمق: “تتابعت الأيام تفنى واحدًا بعد الآخر، وكل يوم يمر يزيدها شجنًا وتطلبًا للوحدة، فإذا ما خلت إلى نفسها أسلمتها للبكاء حتى تذهل عن نفسها وعن الوجود، وبدأت تحس بوحدة فظيعة تزداد من يوم ليوم، ولا تجد في مخلوق مؤنسًا”.

الزمن الماضي

يَأتي بكثرة على لسان الشّخصيّات في الرّواية؛ حيث الذكريات والآمال، ذلك الزّمن الّذي بَدأت فيه زينب أولى علاقاتها إلى أن تَزوّجت بحسن. الزمن الماضي يمثل البحث عن الأمان والفرح والهدوء النفسي: “فكلما مرت تحت الأشجار اليانعة بأوراقها الزاهية وزهورها الجميلة، وسمعت أغاريد الطير الفرح سمعت دائبًا في قلبها صوتًا يناديها ويذكرها بماضي أيامها”.

تقنيات الزمن في رواية زينب

تسريع السرد

اتّبع الروائيّ تقنيّة تسريع السّرد من خلال التلخيص أو الحذف. يتم ذلك عبر المرور السّريع على فترات زمنيّة طويلة، تقديم عام للمشاهد والرّبط بينها، عَرض لشخصيّة جديدة في الرّواية، والإشارة السّريعة إلى الثّغرات الزّمنيّة وما وَقع بها من أحداث دون أنْ يُؤثّرَ في سير وتطوّر الأحداث في النصّ القصصي: “والابن في عمله قلّ أن يرد هذا الأمر على باله، وإن جاء إلى نفسه جاء معه أنّ من ورائه من يُفكر فيه، أو أمل له بعض الآمال، ثم ما أسرع ما ينساها! وعلى هذا ظلوا جميعًا.. ثم جاء الصيف”.

تبطيء السرد

استخدم الروائيّ تقنيّة تبطيء السّرد عن طريق حركة المشهد أو الوصف، ما يُسمّى “الاستراحة”. يعتمد هذا الأسلوب على مقطع طويل يُقابله فترة زمنيّة قصيرة في الرّواية، وهو اختزال الزّمن وتَلخيصه وتَغييبه في استراحة زمنيّة، ما يُؤدّي إلى بثّ الحيويّة والحركة في السّرد: “وبعد أيام تقابلا، فأحست بالهناءة كلها، وصارت تجد في كل نظرة من نظرات إبراهيم أكبر السعادة”.

المفارقات الزمنية في رواية زينب

الاسترجاع

ظلّت زينب وعائلتها في صراع مع الزمن بسبب زواجها من حسن وما تُعانيه من ألم نفسي وجسدي. الاسترجاع يظهر بشكل واضح في رفض زينب وعدم تقبّلها لشريك حياتها، ما يدفعها للعودة إلى الماضي. سواء في حالتها الطبيعيّة سالمة من المرض أم على فراش المرض، إذ تَستعيد ماضيها منذ معرفتها إبراهيم وكيف كانت علاقتهما معًا، وتذكرها له الأمر الذي أثّر في نفسها وسيطر على أفعالها وحواراتها: “وتُجاهد لتقطع بكلمة أخيرة من إرادة ثابتة كل صلة بينها وبين إبراهيم، فتسمع كأن صوتًا داخليًا يسألها: (وهل تستطيعين؟)، وتتصور حبيبها واقفًا إلى جانبها يبسم لها عن قلب طيب، ويُرسل يده حول خصرها النحيل، ويقول لها: (أنا أُحبك)”.

الاستباق

الاستباق يُسمّى الاستشراف، وهو تقدّم الحركة الزّمنيّة في الرّواية وتطوّرها؛ حيث يُؤدّي إلى تسلسل الأحداث بطريقة منتظمة. يتم ذلك من خلال تقنيات أربع هي: التلخيص والحذف والمشهد والوصف، فهو الزّمن الذي يَتّسم بحركته المتقدّمة إلى الأمام بعكس الاسترجاع ولا يَعود إلى الوراء أبدًا: “وإبراهيم ليس أقل منها اشتغالًا، يجاهد ما استطاع لحكم نفسه، ويعمل لكتم كل ما يجول فيها، وإن غض بصره كلما مرت به، وأخيرًا عزم على مفاتحتها بحبه متى استطاع الخلوة بها، فلم يعد في قوس صبره هو الآخر منزع”.

المكان في رواية زينب

الفضاءات المغلقة

ذكر الكاتب بعض الأماكن المغلقة في الرواية، ومنها:

القرية

يَلجأ النّاس إلى القرية باعتبارها المكان البعيد عن الفوضى حيث السّكينة وجمال الطّبيعة، ما جعل عزيزة تَأتي إلى القرية، كذلك حامد مع إخوته فيُعجب بهذا المكان بما فيه من مزارع، ويُصبح الذّهاب إلى هذه المزارع عادةً لديه؛ حيث يَبدأ بالعمل إلى جانب الفلّاحين: “طابت لحامد المزارع حين رأى ما فيها من جمال؛ فالنباتات والشجر والغدران والهواء الحر والعاملات القويات، جعلته يتردّد عليها كل يوم أصيل النهار”.

البيت

يُعبّر الأفراد في هذا المكان عن آرائهم ومعتقداتهم، وفيه يُمارسون حرّياتهم بلا قيود وكما يُريدون، ففيه السّكينة والأمان والألفة. السيد محمود أعطى أفراد عائلته الحريّة الكاملة لهم ولا يَتدخل في شؤونهم إلّا إذا شَعر بوجود خطر قريب منهم: “أما من جهة التربية فقد كان أقرب إلى تركهم لنفوسهم”.

الفضاءات المفتوحة

اختار الكاتب في روايته الرّيف المصريّ ليَكون مكانًا مفتوحًا بعيدًا عن ضوضاء وفوضى المدينة؛ حيث تَجتمع الشّخصيّات في جوّ من السّكينة والأمن والرّاحة والهدوء. عَالج هذه القضيّة الاجتماعيّة في الطبيعة الرّيفيّة لما وجد من تناقض بين الطّبيعة وجمالها، ومأساة الإنسان، وقد يُمثّل أيضًا حبّه لبلده ورغبته في تغيير المفاهيم الخاطئة: “وأصبحوا جميعًا في بلدهم الصغير المحبوب يحيط بهم أفقه، ويمرحون أحرارًا تحت شمسه الشديدة وسمائه الصافية. والمزارع يقوم عليها القطن قد ظهر وسواسه يبسم بشيرًا بما يكنّ من اللوز ويغطي اللانهايات الواسعة تنطبق الأرض والسماء دونها”.

الشخصيات في رواية زينب

الشخصيات المحورية

ذُكرت الشّخصيّات المحوريّة في الرواية على النحو الآتي:

زينب

تَبدأ الأحداث بها وتَنتهي بموتها، انفردت زينب بجمالها، الأمر الذي أدّى إلى الافتتان بها من قِبَل حامد، ثمّ إبراهيم وأخيرًا حسن. زينب أقرب إلى الفتاة الغربيّة، فهي تَتمتع بقدر كبير من الحريّة لا تحظى مثيلاتها به: “ها هي ذي زينب في تلك السن ترنو إليها الطبيعة وما عليها بعين العاشق، فتغض طرفها حياء، وترفع جفونها قليلًا لترى مبلغ دلها على ذلك الهائم، ثم تخفضها من جديد، وقد أخذت مما حولها ما ملأ قلبها سرورًا، وأضاف إلى جمالها جمالًا ورقة، فزاد الوجود غرامًا بها وزادها به تعلقًا ووجدًا”.

حامد

أكبر أنباء السيد محمود، إذ قدم له والده الرعاية حتى بات يتحكم بتصرفاته، كما أنّ حامد عُرف بحبه لبلده ولضيافة الناس، على عكس إخوته الذين يُحبون التنقل في المزارع.

الشخصيات الثانوية

تنوعت الشّخصيّات الثانويّة على النحو الآتي:

السيد محمود

يُعتبر شخصية ذات عقل منفتح، ويمتاز بطيبة قلبه، ويحب الآخرين ويُحسن إليهم.

عزيزة

وهي الزوجة الثانية للسيد محمود، إذ تتمتع بشخصية قوية وجمال لافت.

الشخصيات الغائبة

ذُكرت هذه الشّخصيّات دون أنْ يكون لها أيّ دور فعال في الرّواية، وتَضم هذه الشخصيّات أهل القرية من العائلات القريبة والبعيدة عن زينب.

 

في سياق الرواية “زينب”، تبرز شخصية البطلة زينب كمحور رئيسي للسرد، وتتألق البنية السردية في تقديم تفاصيل حياتها ومغامراتها بشكل لا يقتصر على الزمان الحاضر ولكن يمتد إلى الماضي والمستقبل. يعتمد الكاتب على تقنيات الفلاش باك والفلاش فوروارد ليعزز التشويق ويكشف عن تفاصيل مهمة في مسار حياة زينب.

البنية الزمنية تسهم في تعقيد الحبكة وتشجيع القارئ على استكشاف الرواية بتأمل أعماق الشخصيات وتفاصيل حياتها. يستخدم الكاتب الزمن كأداة للتعبير عن التغيرات في الشخصيات وتأثير الأحداث عليها عبر الزمان.

تتخذ الرواية من البيئة والمكان خلفية للأحداث، حيث يتم رسم صور واقعية للمشاهد والمواقع التي تشارك في بناء العالم الخيالي للرواية. يتقن الكاتب استخدام الوصف بأسلوب يفاجئ القارئ بتفاصيل دقيقة وجمالية تعزز تأثير السرد.

الشخصيات الفرعية في “زينب” تلعب أيضاً دوراً هاماً في تكوين البنية السردية. يتم التعرف على شخصيات فرعية بشكل تدريجي، ويتم تمييزها بتفاصيل فريدة تضيف إلى تعقيد الحبكة وتجعل الرواية تنمو بشكل طبيعي.

من خلال البحث في طبائع الشخصيات وتأثير الظروف عليها، يقدم الكاتب صورة شاملة للإنسان وتجاربه، مما يزيد من غنى الرواية وجاذبيتها. يبرز التوازن بين العناصر السردية المختلفة بأسلوب متناغم، ما يجعل القارئ ينغمس في عالم الرواية بشكل عميق.

بهذا السياق، يمكن القول إن الرواية “زينب” تجسد مثالاً لاستخدام متقن للبنية السردية، حيث تتماكن من توظيف التقنيات الأدبية بشكل يبرز جمالها ويشد انتباه القارئ نحو تفاصيل معقدة وملهمة.

المقال يتناول البنية السردية في رواية “زينب” ويسلط الضوء على عدة كلمات رئيسية تعكس جوانب مختلفة من النص. إليك بعض الكلمات الرئيسية مع شرح لكل منها:

1. البنية السردية:
   • تعني ترتيب وتنظيم الأحداث والتفاصيل في الرواية. في هذا السياق، تشير إلى كيفية تنظيم القصة وكيفية تقديم الأحداث.
2. التشويق:
   • يرتبط بجعل القارئ متحمسًا لمعرفة ما سيحدث في الرواية. يستخدم الكاتب التشويق لجعل القراء يظلون مهتمين ويتطلعون إلى تطورات القصة.
3. الفلاش باك والفلاش فوروارد:
   • تقنيات سردية تتيح للكاتب الإشارة إلى أحداث في الماضي (فلاش باك) أو في المستقبل (فلاش فوروارد) دون أن تكون تلك الأحداث هي الزمان الحالي للرواية.
4. الزمن السردي:
   • يشير إلى كيفية استخدام الزمن في الرواية، بما في ذلك التقاطع بين الحاضر والماضي والمستقبل لإضفاء تعقيد إضافي على الحبكة السردية.
5. الوصف الجمالي:
   • يعبر عن استخدام اللغة بشكل فني لوصف المشاهد والمواقع بطريقة تثير الإحساس والتأمل. يسهم في إيجاد صور بصرية جذابة للقارئ.
6. الشخصيات الفرعية:
   • تشير إلى الشخصيات التي ليست البطل أو البطلة الرئيسيين في القصة، ولكن لها دور هام في تطور الحبكة وفهم السياق الروائي.
7. الصور البصرية والرموز:
   • تستخدم لخلق صور قوية في أذهان القراء واستخدام رموز تعزز فهم الرواية بشكل أعمق.
8. التأمل:
   • يشير إلى الفكر العميق والتأمل في المواضيع والأحداث التي تقدم في الرواية. يدعو القارئ إلى التأمل في الجوانب العميقة للحياة والإنسانية.

هذه الكلمات الرئيسية تعكس أهم العناصر التي تم تناولها في المقال وتعزز فهم القارئ لكيفية بناء السرد في رواية “زينب”.

خاتمة

أبدع محمد حسين هيكل في روايته “زينب” من خلال رسمه لأبعاد مختلفة للزمان والمكان والشخصيات، مما أضفى على الرواية عمقًا وتفردًا أدبيًا. استخدامه لتقنيات السرد المبتكرة، مثل تسريع السرد وتبطيئه، بالإضافة إلى استغلاله المفارقات الزمنية، جعلت من “زينب” عملاً رائدًا في الأدب العربي الحديث. تظل هذه الرواية مرجعًا مهمًا لفهم تطور الرواية العربية، وتأثيرها الكبير على الأجيال اللاحقة من الأدباء والمفكرين.