في كتاب “فقه التدرج في التبليغ والتشريع في ضوء السنة النبوية” للكاتب محمد جابي، يستعرض البحث محوراً هاماً يتناول أحكام التدرج في التبليغ والتشريع، وكيف أصبح هذا الموضوع أمرًا ضروريًا يستدعي التأمل والتفكير فيه. يركز الكتاب بشكل خاص على فهم مفهوم التدرج والضوابط والأساسيات التي يتضمنها، مسلطًا الضوء على الأسباب التي جعلت هذا الموضوع محور اهتمام في مجال التفكير الإسلامي.
تبدأ الدراسة بتحليل النهج القرآني في التدرج، حيث يُظهر الكتاب كيف بدأت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالسر لثلاث سنوات، ثم جهر بالدعوة إلى الله، وأخذ يهاجر، مما أدى إلى تحوله من مرحلة الضعف إلى القوة، ومن الاستضعاف إلى التمكين. يقدم الكتاب نموذجًا لكيفية تطور الدعوة في مراحل مختلفة، سواء في فترة الضعف أو في فترة التمكين، مما يعكس قوة العبارة والتدرج الذي اتبعه النبي في رسالته.
ومن ثم، يقوم الكتاب بتسليط الضوء على خصائص التشريع في الإسلام، موضحًا كيف يظهر فيه ربوبية وشمولية وتسهيل واهتمام بالمصلحة العامة. يناقش الكتاب نهج القرآن في التدرج في العبادات مثل الصلاة والزكاة والجهاد، وكذلك التدرج في المحرمات مثل الخمر والربا وعقوبة الزنا. يُلقي الضوء على تطور العبودية والرق، موضحًا أنها ليست مصدرًا إسلاميًا، بل تم تدرجياً في إلغائها والتصدي لها.
وفيما يتعلق بالتعايش مع الآخرين، يقدم الكتاب رؤية شاملة حول كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع النصارى واليهود، مشيرًا إلى حقوقهم الدينية والتسامح الذي عرفه الإسلام في هذا السياق. كما يتطرق الكتاب إلى الحدود الشرعية ودورها في الحفاظ على العدل والأمن بين الناس، ملقيًا الضوء على متى يمكن تأجيل الحدود الشرعية وتطبيقها.
وفيما يتعلق بفقه الأولويات الشرعية، يناقش الكتاب التنازلات التي قد يقدمها المسلمون لضمان سير الحياة بسلام، مع التأكيد على ما يمكن التنازل فيه وما لا يجوز التنازل فيه على سبيل المثال فيما يتعلق بالعقيدة والأخلاق الإنسانية. وفي ختام الكتاب، يلقي الضوء على المحاذير الشرعية في التدرج في التطبيق والتبليغ، متناولًا كيف يمكن تغيير الفتوى بحسب الظروف المحيطة والواقع الذي يفرض نفسه في زمان ومكان معين.
يتألق الكتاب بتفصيل شامل وتحليل عميق، مما يجعله مرجعاً هاماً للباحثين والدارسين في ميدان الفقه والتشريع الإسلامي، ويعزز مكانته ضمن مكتبة الكتب الإسلامية.