حكم الاستمناء في نهار رمضان: دراسة فقهية وشروطه وأحكامه
يعد الاستمناء من الموضوعات التي تثير جدلاً واسعاً بين المسلمين، ويكثر السؤال عنه خاصة في شهر رمضان المبارك. يعتبر رمضان من أشهر الطاعات والصيام عن الطعام والشراب والجماع، لكن تظل بعض الممارسات مثل الاستمناء تحتاج إلى بيان واضح من الناحية الشرعية لتحديد حكمها في هذا الشهر الفضيل. في هذا المقال، سنناقش حكم الاستمناء في نهار رمضان من جميع جوانبه، بما في ذلك تعريفه، وبيان رأي الفقهاء في مسألة الاستمناء في رمضان، وأسباب تحريمه، ومتى يجوز أو لا يجوز، وكيفية التوبة في حالة الوقوع فيه.
تعريف الاستمناء
الاستمناء في اللغة هو طلب المناء (السائل المنوي) بالقوة، ويعرف في الشريعة الإسلامية بأنه إخراج المني بغير الجماع، سواء كان ذلك بيد الشخص نفسه أو بأي وسيلة أخرى. تختلف المسائل المتعلقة بالاستمناء بحسب نية الفاعل وظروفه، لكن الأكثر شيوعًا هو استخدام اليد في تحفيز الأعضاء التناسلية لإخراج المني. لا يُعتبر الاستمناء جناية أو مخالفة في ذاتها، لكن هذه الممارسة قد تثير كثيرًا من الأسئلة الشرعية، خصوصًا في السياقات التي تتعلق بالصوم في رمضان.
حكم الاستمناء في نهار رمضان
من المهم أن نبدأ بتوضيح أن الحكم الشرعي للاستمناء في نهار رمضان يعتمد على عدة عوامل منها النصوص الدينية والآراء الفقهية. يمكن تصنيف هذا الموضوع ضمن دائرة المسائل الخلافية بين العلماء، لكن معظم الفقهاء يتفقون على أنه في حالة الصيام، فإن الاستمناء يعد من المفطرات.
-
الرأي القائل بتحريمه
جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من أفطر يومًا من رمضان، فلا يقضه حتى يأتي عليه من ذلك اليوم مثل ما فاته”. وفي تفسير هذا الحديث وتطبيقه على الاستمناء، يرى عدد كبير من العلماء أن الاستمناء في نهار رمضان يُبطل الصيام ويُعتبر من المفطرات الموجبة للقضاء. إن هذا الحكم مستمد من الأدلة الشرعية العامة التي تحرم على المسلم الإفطار في نهار رمضان بأسباب غير مباحة، مثل الطعام أو الشراب أو الجماع، وهو ما يدخل فيه الاستمناء. -
الرأي القائل بكراهته
على الرغم من تحريمه في غالبية الآراء الفقهية، هناك من يرى أن الاستمناء في نهار رمضان قد يكون مكروهًا فقط، وليس محرمًا بشكل قاطع. هؤلاء الفقهاء يعتقدون أن الاستمناء، رغم كونه غير جائز، لا يُفسد الصيام بشكل نهائي طالما لم يؤدي إلى تناول الطعام أو الشراب. -
الرأي القائل بجوازه في حالات معينة
بالإضافة إلى الرأيين السابقين، توجد فئة من العلماء ترى جواز الاستمناء في حالات استثنائية، مثل الشعور بالمشقة الشديدة أو وجود خوف من الوقوع في المحرمات الكبرى مثل الزنا، إذ قد يُلجأ للاستمناء كبديل مؤقت لذلك. لكن هذا الرأي نادر ومرتبط بشروط صارمة، وقد يُعتبر في حالات الضيق الشديد فقط، ويجب على المسلم في هذه الحالة أن يستغفر الله ويقضي اليوم الذي أفطر فيه.
أسباب تحريمه
أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت العلماء يعتبرون الاستمناء في نهار رمضان من المفطرات هو أنه يُعتبر مشابهًا للجماع، وهو من المفطرات التي تفسد الصيام. بحسب الشريعة الإسلامية، يعتبر الصيام فريضة تعتمد على الامتناع عن كل ما يؤدي إلى إفساده من طعام أو شراب أو جماع، وكذلك كل ما يُسبب استثارة قد تفضي إلى الوصول إلى الشهوة الجنسية، كالمس أو الاستمناء.
بالإضافة إلى ذلك، يحظر الإسلام على المسلمين إشباع الشهوات بشكل غير مشروع، ويُشدد على الحفاظ على الجسد والطهارة النفسية في هذا الشهر الكريم. ومن هنا، جاء تحريمه، باعتباره انحرافًا عن الطهارة الدينية التي يُحتم على المسلمين الحفاظ عليها خلال شهر رمضان.
التوبة في حالة الوقوع في الاستمناء
يعتبر الاستمناء في نهار رمضان إفسادًا للصيام، وفي حال حدوث ذلك، يجب على الشخص الذي قام به أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى. التوبة تكون عن طريق الاعتراف بالذنب، والندم على ما وقع، والحرص على عدم العودة إليه في المستقبل.
من ثم، يجب على المسلم قضاء اليوم الذي أفسده بسبب الاستمناء، وذلك وفقًا لما ورد في الشريعة الإسلامية من أن من أفسد صيامه بغير مبرر شرعي عليه أن يقضي ذلك اليوم في وقت لاحق.
يجب أن يكون القاضي في نفسه على يقين تام بعدم العودة إلى هذه الممارسة في المستقبل، والعمل على تجنب كل ما قد يسبب له الوقوع فيها مرة أخرى، سواء كان ذلك بتغيير العادات اليومية أو تجنب المواقف التي تؤدي إلى تحفيز الرغبات الجنسية.
هل يمكن الاستمناء بعد الإفطار؟
فيما يتعلق بالصيام في رمضان، يُسمح بالاستمناء بعد غروب الشمس وأثناء الليل، حيث لا يفسد الصيام بعد الإفطار، ويصبح الإنسان حرًا في القيام بما يشاء من المباحات. لكن في كل حال، يجب على المسلم أن يتجنب التمادي في هذه العادة بشكل يضر به نفسيًا أو جسديًا، إذ أن المبالغة في الاستمناء قد تؤدي إلى مشكلات صحية أو نفسية.
ماذا يقول الفقهاء عن الاستمناء في رمضان؟
-
مذهب الإمام مالك: يرى أن الاستمناء في نهار رمضان يُفطر الصائم، وعليه القضاء، ويفضل أن يبتعد المسلم عن هذه الممارسة طوال فترة الصيام.
-
مذهب الإمام الشافعي: يوافق مذهب الشافعي في هذا الموضوع مذهب مالك، ويُفطر الصائم إذا استمنى في نهار رمضان، ويجب عليه القضاء.
-
مذهب الإمام أحمد بن حنبل: يوافق مذهب الإمام أحمد بن حنبل مذهب الشافعي ومالك في تحريم الاستمناء في نهار رمضان ويُفطر الصائم.
-
المذهب الحنفي: في مذهب الإمام أبي حنيفة، يُعتبر الاستمناء في نهار رمضان مُفسدًا للصيام، ويجب على الشخص قضاء هذا اليوم.
الاستمناء والصحة النفسية في رمضان
بصرف النظر عن الحكم الشرعي، فإن الاستمناء في نهار رمضان قد يتسبب في بعض الآثار النفسية، خصوصًا إذا كان الشخص يعاني من إدمان لهذه العادة. في حالات مثل هذه، يمكن أن يؤدي الاستمناء إلى الشعور بالذنب أو الخجل، مما يزيد من التوتر النفسي ويؤثر سلبًا على علاقة الفرد بشهر رمضان. علاوة على ذلك، قد يعكس الاستمناء خللاً في قدرة الشخص على التحكم في شهواته، الأمر الذي يحتاج إلى معالجة نفسية وشرعية.
الاستمناء والصيام في الفقه الإسلامي: الخلاصة
الاستمناء في نهار رمضان يُعد من المفطرات، ويجب على المسلم أن يلتزم بالحفاظ على صيامه كما هو وارد في الشريعة الإسلامية. في حالة الوقوع فيه، يجب على المسلم التوبة والاستغفار، وقضاء اليوم الذي أفسده. وبينما تختلف آراء الفقهاء في بعض التفاصيل، يظل الاتفاق على أن الاستمناء ليس من الأعمال التي تُقبل في صيام رمضان. لذا، يُستحسن للمسلمين تجنب هذه العادة طوال الشهر الفضيل.
