فقدان الشهية والشراهة العصبية

فقدان الشهية العصبي والشراهة العصبية: الأسباب، التأثيرات، والعلاج

يعتبر اضطراب فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) والشراهة العصبية (Bulimia Nervosa) من بين أشهر الاضطرابات النفسية المرتبطة بتناول الطعام، التي تؤثر بشكل كبير على صحة الأفراد الجسدية والنفسية. يرتبط هذان الاضطرابان بشكل وثيق بالصورة الذاتية للشخص وكيفية تقييمه لجسمه، مما يؤدي إلى سلوكيات غذائية قسرية قد تؤثر بشكل عميق على نوعية الحياة. على الرغم من التشابه بين الاضطرابين في بعض الجوانب، إلا أن لكل منهما خصائص مميزة من حيث الأعراض والمسببات والعلاج. في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل اضطرابي فقدان الشهية العصبي والشراهة العصبية، بدءًا من فهم طبيعة كل اضطراب وصولاً إلى مناقشة أسبابهما وتأثيراتهما على الصحة، ثم سنعرض الطرق المتاحة للعلاج والوقاية.

فقدان الشهية العصبي:

تعريف الاضطراب:

فقدان الشهية العصبي هو اضطراب نفسي يتسم بفقدان شديد في الوزن نتيجة لمجموعة من العوامل النفسية والسلوكية، حيث يمتنع الشخص عن تناول الطعام أو يقلل كميات الطعام بشكل مبالغ فيه. غالبًا ما يصاحب هذا الاضطراب خوف غير منطقي من زيادة الوزن وتشوه في الصورة الجسدية للفرد. يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من رغبة شديدة في الحفاظ على وزن منخفض، ويُظهرون سلوكيات متطرفة مثل الإفراط في ممارسة الرياضة أو استخدام الملينات بشكل مفرط.

الأعراض الرئيسية لفقدان الشهية العصبي:

1. القلق الشديد بشأن الوزن والشكل الجسدي: يشعر الشخص المصاب بفقدان الشهية العصبي بقلق دائم حول وزنه وشكله الجسدي، وغالبًا ما يراه أكبر مما هو عليه.

2. تقييد تناول الطعام: يقوم المريض بتقليل كمية الطعام التي يتناولها بشكل كبير، وأحيانًا يمتنع عن تناول الطعام تمامًا.

3. الوزن المنخفض بشكل غير طبيعي: يظهر الشخص المصاب بفقدان الشهية العصبي وزنًا منخفضًا جدًا مقارنة بمتوسط الوزن الطبيعي للفئة العمرية.

4. التشوهات الجسمية: يعاني الشخص من صورة جسم مشوهة، حيث يرى نفسه سمينًا رغم فقدانه الشديد للوزن.

5. السلوكيات المضادة للأكل: قد يتجنب المصاب الأطعمة بشكل قسري، أو قد يمارس سلوكيات مثل التقيؤ بعد تناول الطعام أو استخدام أدوية مسهلة.

الأسباب المحتملة لفقدان الشهية العصبي:

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى فقدان الشهية العصبي، وقد تكون هذه الأسباب معقدة ومترابطة. من أبرز الأسباب النفسية والاجتماعية التي قد تلعب دورًا في حدوث هذا الاضطراب:

1. العوامل النفسية: القلق والضغوط النفسية، بما في ذلك الخوف من الفشل، والاعتقاد بأن التحكم في تناول الطعام هو طريقة لتحقيق السيطرة في الحياة.

2. العوامل الاجتماعية: الضغوط المرتبطة بالجمال والمظاهر في المجتمعات الحديثة قد تساهم بشكل كبير في تطور هذا الاضطراب، حيث يتم تعزيز معايير الجمال النحيف في وسائل الإعلام.

3. العوامل البيولوجية: تشير بعض الدراسات إلى أن الوراثة قد تلعب دورًا في الإصابة بفقدان الشهية العصبي، بالإضافة إلى اضطرابات في وظائف الدماغ المتعلقة بالتغذية والمزاج.

4. التاريخ الشخصي: يمكن أن يكون فقدان الشهية العصبي نتيجة لتجارب سابقة في الحياة مثل التنمر أو الرفض الاجتماعي أو حتى تعرض الفرد لحوادث أو صدمات.

التأثيرات الصحية لفقدان الشهية العصبي:

1. المضاعفات الجسدية: يشمل ذلك فقدان الكتلة العضلية، وهشاشة العظام، واضطرابات في الدورة الشهرية لدى النساء، وتلف في الأعضاء الحيوية مثل القلب والكلى.

2. المضاعفات النفسية: الاكتئاب، القلق، واضطرابات المزاج شائعة بين الأفراد المصابين بفقدان الشهية العصبي. قد يسبب ذلك شعورًا دائمًا بالحزن والتشاؤم، وقد يعزز من السلوكيات القهرية.

3. الوفاة: في الحالات الشديدة، قد يؤدي فقدان الشهية العصبي إلى الوفاة نتيجة للمضاعفات الصحية الناتجة عن سوء التغذية أو الانتحار الناجم عن الاكتئاب الشديد.

الشراهة العصبية:

تعريف الاضطراب:

الشراهة العصبية هو اضطراب في الأكل يتسم بتناول كميات كبيرة جدًا من الطعام في وقت قصير، يليه محاولات للتخلص من الطعام المفرط عن طريق التقيؤ أو استخدام المسهلات أو ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط. يُظهر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب اندفاعًا نحو الطعام، يتبعونه بمشاعر كبيرة من الذنب والخجل، مما يدفعهم إلى القيام بسلوكيات قسرية لتجنب زيادة الوزن.

الأعراض الرئيسية للشراهة العصبية:

1. تناول الطعام بشكل مفرط: يتمثل العرض الرئيسي في تناول كميات كبيرة من الطعام بشكل غير طبيعي في فترة زمنية قصيرة، وعادةً ما يتم ذلك في سرية تامة.

2. التقيؤ أو التخلص من الطعام: بعد تناول الطعام، يقوم الأشخاص المصابون بالشراهة العصبية بمحاولة التخلص من الطعام بطرق غير صحية مثل التقيؤ أو استخدام أدوية مسهلة.

3. الشعور بالذنب: يشعر الشخص المصاب بعد تناول الطعام بشكل مفرط بالذنب أو العار، مما يسبب له حالة من التوتر والقلق.

4. التقلبات المزاجية: يعاني الأشخاص المصابون بالشراهة العصبية من تقلبات شديدة في المزاج، حيث يتراوح بين الشعور بالإشباع التام والشعور بالندم الشديد.

الأسباب المحتملة للشراهة العصبية:

1. العوامل النفسية: مثل الشعور بالقلق أو الاكتئاب، وقد يكون الشخص قد بدأ في تناول الطعام بكثرة كآلية للتعامل مع مشاعر الضغوط النفسية.

2. العوامل البيئية: القيم المجتمعية التي تروج لجمال النحافة قد تزيد من القلق بشأن الوزن، مما يدفع الشخص إلى سلوكيات قهرية مثل الشراهة العصبية.

3. الاضطرابات الهرمونية: بعض الدراسات تشير إلى أن اختلالات في توازن الهرمونات قد تساهم في تطور الشراهة العصبية، خاصةً الهرمونات المتعلقة بالجوع والشبع.

4. العوامل الوراثية: كما هو الحال مع اضطراب فقدان الشهية العصبي، يمكن أن يكون هناك دور وراثي في تطوير هذا الاضطراب، حيث يمكن أن تكون هناك عوامل جينية تساهم في استجابة الشخص للأكل والمشاعر المرتبطة بذلك.

التأثيرات الصحية للشراهة العصبية:

1. مشاكل في الجهاز الهضمي: يمكن أن يؤدي التقيؤ المتكرر إلى التسبب في تآكل المينا الأسنان، والقرحة في المريء، واضطرابات في الهضم.

2. مشاكل نفسية: كما هو الحال مع اضطراب فقدان الشهية العصبي، يعاني الأفراد المصابون بالشراهة العصبية من الاكتئاب والقلق الشديد، وقد تؤدي هذه المشاعر إلى تفاقم الاضطراب.

3. اضطرابات في النظام القلبي والدموي: تزايد استخدام المسهلات أو التقيؤ بشكل متكرر قد يؤدي إلى اضطرابات في توازن المعادن في الجسم، مما يمكن أن يتسبب في مشاكل خطيرة في القلب.

التشخيص والعلاج:

تشخيص الاضطرابين:

يمكن أن يتم تشخيص اضطرابي فقدان الشهية العصبي والشراهة العصبية من خلال التقييم الطبي والنفسي، حيث يعتمد الأطباء على تاريخ المرض والفحص السريري بالإضافة إلى التقييم النفسي الشامل. قد يستخدم الأطباء أدوات تشخيصية مثل الاستبيانات النفسية لتحديد وجود اضطرابات الطعام.

العلاج:

1. العلاج النفسي: العلاج النفسي هو أساس العلاج لهذين الاضطرابين، حيث يتم التركيز على العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يساعد الأفراد على تعديل أنماط التفكير السلبية والسلوكيات القهرية المرتبطة بالطعام.

2. العلاج الدوائي: في بعض الحالات، قد يستخدم الأطباء الأدوية المضادة للاكتئاب أو مضادات القلق لعلاج الأعراض النفسية المصاحبة.

3. التغذية العلاجية: قد يشمل العلاج في بعض الأحيان استشارة مختصين في التغذية للمساعدة في استعادة وزن الجسم الطبيعي وتعزيز علاقة صحية مع الطعام.

4. الدعم الاجتماعي: تعتبر المجموعات الداعمة والمشاركة في برامج علاجية جماعية جزءًا من العلاج الذي يمكن أن يساعد في تقديم الدعم العاطفي والمساعدة في مواجهة التحديات.

الخاتمة:

تظل اضطرابات الطعام مثل فقدان الشهية العصبي والشراهة العصبية من القضايا الصحية المع