فقدان الشهية عند الرضع

فقدان الشهية عند الرضع: الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج

يُعد فقدان الشهية عند الرضع من أكثر المشكلات شيوعًا التي تثير قلق الوالدين ومقدمي الرعاية الصحية، حيث يُلاحظ أن الرضيع لا يتقبل الرضاعة أو الطعام بالشكل المعتاد، مما يؤدي إلى انخفاض معدل النمو أو فقدان الوزن أو الضعف العام. وتكمن أهمية هذه الظاهرة في أنها قد تشير إلى حالة مرضية كامنة أو اضطراب وظيفي في الجهاز الهضمي أو النفسي للرضيع. إن تناول موضوع فقدان الشهية عند الرضع يتطلب مقاربة علمية شاملة تشمل الأسباب المحتملة، المؤشرات السريرية، الطرق التشخيصية، والعلاج المناسب، إلى جانب التوجيهات الوقائية والدور الغذائي والنفسي للأسرة.

مفهوم فقدان الشهية عند الرضع

فقدان الشهية هو حالة تتجلى بانخفاض الرغبة في تناول الغذاء، سواء كان ذلك رضاعة طبيعية أو حليبًا صناعيًا أو أطعمة مكملة، مقارنة بما هو متوقع لعمر الطفل ومرحلة نموه. ويعد أمرًا طبيعيًا في بعض المراحل العمرية المؤقتة، لكنه يصبح مثار قلق عندما يستمر لفترة تتجاوز الأسبوع أو يترافق مع أعراض أخرى مثل الخمول، نقص الوزن، الجفاف، أو تأخر النمو.

الفئات العمرية الأكثر عرضة لفقدان الشهية

يمكن أن يحدث فقدان الشهية في أي مرحلة من مراحل الطفولة، لكن الرضع من عمر 6 أشهر حتى سنتين هم الأكثر عرضة، حيث يمر الطفل بتغيرات بيولوجية وسلوكية كبيرة مثل التسنين، بداية إدخال الأطعمة الصلبة، أو اكتساب الاستقلالية الغذائية. كما أن الأطفال في عمر أقل من 6 أشهر قد يعانون من فقدان الشهية نتيجة مشاكل في الرضاعة، التهابات أو أمراض جهازية.

الأسباب الشائعة لفقدان الشهية عند الرضع

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى فقدان الشهية عند الرضع، ويمكن تصنيفها إلى فئات رئيسية تشمل الأسباب الفسيولوجية، العضوية، النفسية، والبيئية.

1. الأسباب الفسيولوجية

• مرحلة التسنين: يرافقها ألم في اللثة وارتفاع طفيف في الحرارة، ما قد يسبب تراجعًا مؤقتًا في الشهية.

• التحولات النمائية: مثل بداية الحبو أو الوقوف، حيث ينشغل الطفل بتعلم المهارات الجديدة على حساب الطعام.

• نمو غير متسارع: في بعض الفترات يكون النمو أبطأ، فيقل احتياج الجسم للسعرات الحرارية.

2. الأسباب العضوية

• العدوى: مثل نزلات البرد، التهابات الأذن، أو الالتهابات البولية، جميعها قد تؤدي إلى قلة الشهية.

• مشاكل الجهاز الهضمي: مثل الارتجاع المعدي المريئي، الإمساك المزمن، أو المغص.

• فقر الدم: خصوصًا الناتج عن نقص الحديد، وهو من أهم الأسباب العضوية لفقدان الشهية عند الرضع.

• الحساسية الغذائية أو عدم تحمل بعض الأطعمة: مثل حساسية الحليب البقري.

• مشاكل الغدة الدرقية أو اضطرابات التمثيل الغذائي: والتي تؤثر على الشهية والنمو.

3. الأسباب النفسية والسلوكية

• الضغط أثناء تناول الطعام: كثرة الإلحاح على الطفل لتناول الطعام قد تؤدي إلى نفور غذائي.

• القلق أو التوتر الأسري: خاصة إن كانت الأم تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة أو التوتر الدائم.

• التغيرات البيئية: مثل الانتقال إلى منزل جديد أو دخول الحضانة.

4. أسباب أخرى

• عدم تنويع الغذاء: تقديم نفس الطعام باستمرار يسبب الملل.

• تقديم كميات كبيرة من السوائل بين الوجبات: مما يسبب شعورًا بالشبع دون الحصول على العناصر الغذائية الضرورية.

• التطعيمات: في بعض الحالات، تؤدي اللقاحات إلى فقدان شهية مؤقت نتيجة التفاعل المناعي.

الأعراض المصاحبة لفقدان الشهية عند الرضع

قد يرافق فقدان الشهية مجموعة من الأعراض الدالة على وجود مشكلة صحية أعمق، ومنها:

• نقص الوزن أو بطء في معدل النمو مقارنة بالمعدل الطبيعي للعمر.

• تهيج أو بكاء مستمر.

• جفاف الفم أو نقص التبول (علامة على الجفاف).

• شحوب الجلد أو تغير لونه.

• النوم المفرط أو قلة النشاط.

• تقيؤ متكرر أو إسهال.

• علامات نقص الفيتامينات والمعادن مثل هشاشة الشعر أو تكسر الأظافر.

المضاعفات المحتملة

في حال لم يتم التعامل مع فقدان الشهية بشكل فعال، قد تتطور الحالة إلى مضاعفات خطيرة منها:

• سوء التغذية: مما يؤثر على النمو البدني والعقلي للرضيع.

• ضعف جهاز المناعة: ما يجعله عرضة للإصابة بالأمراض.

• تأخر في التطور المعرفي واللغوي.

• مشاكل في الأسنان والعظام بسبب نقص الكالسيوم وفيتامين د.

• اضطرابات الأكل طويلة الأمد: مثل فقدان الشهية العصبي في مراحل الطفولة المتقدمة.

التشخيص الطبي لفقدان الشهية عند الرضع

يتطلب التشخيص الطبي لفقدان الشهية إجراء تقييم شامل يتضمن:

• الفحص السريري: من قبل طبيب الأطفال لمعاينة الحالة العامة والنمو البدني.

• تحليل التاريخ الغذائي: للتأكد من نمط التغذية وكمية السعرات.

• الفحوصات المخبرية:

  • تحليل الدم الكامل للكشف عن فقر الدم.

  • تحليل مستويات الحديد والزنك والفيتامينات.

  • اختبارات وظائف الكبد والكلى والغدة الدرقية.

• اختبارات إضافية:

  • تحليل البول والبراز.

  • تصوير بالأشعة أو السونار إذا دعت الحاجة.

علاج فقدان الشهية عند الرضع

يعتمد العلاج على السبب الأساسي، ويهدف إلى استعادة الشهية وتحقيق النمو الطبيعي.

أولًا: العلاج الغذائي

• تنظيم مواعيد الوجبات: الالتزام بروتين منتظم للرضاعة أو تناول الطعام.

• تقسيم الطعام إلى وجبات صغيرة: بمعدل 5 إلى 6 وجبات يوميًا.

• تنويع مصادر الغذاء: إدخال نكهات وأشكال جديدة لتحفيز الحواس.

• تقديم الأطعمة الغنية بالسعرات والعناصر الغذائية: مثل الأفوكادو، البطاطا الحلوة، الحبوب الكاملة، البروتين الحيواني.

• إعطاء مكملات غذائية عند الحاجة: مثل الحديد، الزنك أو الفيتامينات تحت إشراف طبي.

ثانيًا: العلاج الدوائي

• يُصرف فقط في حالات محددة مثل:

  • وجود ارتجاع معدي مريئي (أدوية مضادة للحموضة).

  • فقر الدم (مكملات الحديد).

  • اضطرابات الغدة الدرقية.

• لا يُنصح أبدًا باستخدام محفزات شهية دون وصفة طبية.

ثالثًا: التدخل السلوكي

• الابتعاد عن الإكراه في الأكل: يجب احترام رغبة الطفل.

• استخدام الألعاب أو الموسيقى: لجعل وقت الطعام ممتعًا.

• القدوة الجيدة: مشاركة الطعام مع الرضيع وتناوله أمامه.

• تقليل الملهيات أثناء الأكل: مثل الشاشات أو اللعب.

رابعًا: المتابعة المنتظمة

• إجراء تقييم دوري لمؤشرات النمو (الوزن، الطول، محيط الرأس).

• متابعة الاستجابة للعلاج الغذائي أو الطبي.

• تعديل الخطة العلاجية حسب الحاجة.

الوقاية من فقدان الشهية عند الرضع

• الرضاعة الطبيعية الحصرية حتى عمر 6 أشهر: تعتبر أساسًا في تأسيس شهية جيدة.

• البدء التدريجي في إدخال الأطعمة المكملة: مع احترام ذوق الطفل وتفضيلاته.

• تشجيع الاستقلالية الغذائية: بالسماح للطفل بتناول الطعام بيده.

• تقديم الطعام في بيئة إيجابية خالية من التوتر.

• توفير أطعمة غنية بالعناصر الأساسية منذ البداية.

• الحرص على إعطاء التطعيمات في مواعيدها لتفادي الأمراض المؤثرة على الشهية.

دور الأسرة في التعامل مع فقدان الشهية

• الصبر وعدم الانفعال: لأن الضغط الزائد قد يعمّق المشكلة.

• تسجيل يوميات غذائية: تساعد الطبيب في تحديد الأنماط.

• دعم الأم نفسيًا: لأنها المحور الرئيسي في تغذية الرضيع.

• تثقيف الأسرة غذائيًا وصحيًا: من خلال متابعة إرشادات الجهات المختصة مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) أو الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP).

جدول توضيحي للأسباب الشائعة لفقدان الشهية حسب العمر

الخلاصة

فقدان الشهية عند الرضع ليس أمرًا بسيطًا يمكن تجاهله، بل يتطلب تفهمًا دقيقًا لطبيعة الرضيع وسلوكه الغذائي وتطوراته البدنية والنفسية. إن التقييم الشامل للأسباب مع تدخلات غذائية وسلوكية وطبية مدروسة يُعد الخطوة الأساسية للسيطرة على هذه الحالة وضمان نمو سليم وصحي للطفل. كما أن دور الأسرة في توفير بيئة غذائية محبة وآمنة هو حجر الأساس في بناء علاقة إيجابية بين الطفل والطعام.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. Pediatric Nutrition Handbook.

2. World Health Organization. “Infant and young child feeding.” WHO Guidelines.