فقدان الشهية النفسي: الأسباب، الأعراض، والعلاج
فقدان الشهية النفسي أو ما يعرف أيضًا بفقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) هو اضطراب غذائي معقد يتميز بتقييد تناول الطعام بشكل مفرط بسبب الخوف الشديد من زيادة الوزن، مما يؤدي إلى فقدان الوزن بشكل غير طبيعي. هذا الاضطراب ليس مجرد قلة في الشهية للطعام، بل هو مزيج من عوامل نفسية، بيولوجية، واجتماعية تؤثر على كيفية رؤية الشخص لجسده وكيفية تعامله مع الغذاء. في هذا المقال، سنتناول كل ما يتعلق بفقدان الشهية النفسي من حيث أسبابه، أعراضه، تأثيراته، وكيفية علاجه.
تعريف فقدان الشهية النفسي
يُعتبر فقدان الشهية النفسي أحد أكثر اضطرابات الأكل شيوعًا بين المراهقين والشباب، خصوصًا في الفئات العمرية من 14 إلى 25 سنة. هذا الاضطراب يؤدي إلى نقص شديد في الوزن نتيجة للعادات الغذائية القاسية والممارسات التي تهدف إلى تقليل الوزن بشكل مفرط. يعاني المصابون بفقدان الشهية النفسي من قلق مستمر بشأن وزنهم وشكل أجسامهم، حتى وإن كان وزنهم أقل من المعدل الطبيعي. يتسم الاضطراب أيضًا بمقاومة الشخص للوزن الصحي ويرتبط بتغيرات نفسية وعاطفية تؤثر بشكل كبير على حياة المريض اليومية.
الأسباب والعوامل المساهمة
1. العوامل النفسية:
إن الدوافع النفسية تعتبر من العوامل الرئيسية التي تساهم في الإصابة بفقدان الشهية النفسي. يبدأ الأمر عادةً بسبب القلق الشديد تجاه شكل الجسم، مما يؤدي إلى محاولات مستمرة لتغيير هذا الشكل. يرتبط هذا النوع من الاضطراب غالبًا بوجود اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق، الاكتئاب، والوسواس القهري.
يجد بعض الأشخاص في التحكم الكامل في تناول الطعام وسيلة للسيطرة على حياتهم في ظل شعورهم بفقدان السيطرة في جوانب أخرى من حياتهم، سواء كان ذلك في العلاقات العائلية أو التحديات الشخصية. يعزز الخوف من الرفض الاجتماعي أو عدم القبول النفسي الشعور بعدم الأمان، مما يزيد من قلق الشخص حيال وزنه وشكله.
2. العوامل البيئية والاجتماعية:
تعد معايير الجمال والمثالية التي تروج لها وسائل الإعلام أحد أكبر العوامل التي تساهم في الإصابة بفقدان الشهية النفسي. تعزز وسائل الإعلام فكرة أن الجمال يتجسد في النحافة المفرطة، مما يؤدي إلى تزايد القلق لدى الأفراد الذين يعتقدون أن الجسم المثالي هو الجسم النحيف فقط. كما أن الضغوط الاجتماعية سواء في العمل أو في المدرسة يمكن أن تكون سببًا في زيادة هذا الاضطراب، خاصة إذا كان الشخص يعيش في بيئة تؤمن بمعايير جمال صارمة أو إذا كان محاطًا بشخصيات تؤثر سلبًا في مفهومه عن ذاته.
3. العوامل البيولوجية:
تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا بين العوامل الوراثية والإصابة بفقدان الشهية النفسي. بعض الأشخاص قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بسبب التركيبة البيولوجية في دماغهم، مثل الاضطرابات في مستوى الناقلات العصبية التي تؤثر على الشهية والسلوكيات المرتبطة بالطعام. بالإضافة إلى ذلك، قد تلعب الهرمونات دورًا في تنمية هذا الاضطراب، حيث يتداخل التغير الهرموني الذي يحدث في مراحل النمو مع تطور هذه الحالة.
4. الضغوط النفسية والتجارب الصادمة:
قد يتسبب التعرض لخبرات سلبية في مرحلة الطفولة أو المراهقة، مثل التنمر بسبب الوزن أو حالات فشل اجتماعي، في ظهور أعراض فقدان الشهية النفسي. كذلك، قد يكون للضغوط العاطفية أو الحياتية دور في دفع الفرد إلى محاولة السيطرة على سلوكه الغذائي كوسيلة للتعامل مع مشاعر القلق والاكتئاب.
الأعراض والعلامات
1. النقص الحاد في الوزن:
أهم الأعراض التي تدل على وجود فقدان الشهية النفسي هو النقص الشديد في الوزن الذي يمكن أن يصل إلى مستويات خطيرة. الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يتبعون نظامًا غذائيًا قاسيًا ومفرطًا قد يتضمن الامتناع التام عن تناول الطعام أو تناول كميات قليلة جدًا، ويشعرون في نفس الوقت بإنجازات كبرى في السيطرة على أوزانهم.
2. الانشغال الشديد بالطعام والوزن:
يفكر الشخص المصاب بفقدان الشهية النفسي طوال الوقت في الطعام، مما يؤدي إلى الانشغال المستمر في حساب السعرات الحرارية أو التقليل منها. كما يظهر هؤلاء الأفراد قلقًا مفرطًا بشأن الوزن، ويقومون بأعمال متكررة مثل قياس محيط الجسم أو استخدام المرايا للتأكد من مظهرهم.
3. التغيرات الجسدية:
تشمل التغيرات الجسدية الشائعة في المصابين بفقدان الشهية النفسي الشعور بالبرد المستمر بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم. كما يعانون من ضعف العضلات، وفقدان الشعر، وجفاف البشرة، واضطرابات في الدورة الشهرية.
4. الانعزال الاجتماعي:
يميل الأفراد المصابون بفقدان الشهية النفسي إلى الابتعاد عن التجمعات الاجتماعية، خصوصًا تلك التي تتضمن الطعام. يشعرون بالحرج والقلق عند تناول الطعام أمام الآخرين، وقد يظهرون رفضًا قاطعًا للمشاركة في الأنشطة التي تشمل الطعام.
التأثيرات الصحية
يمكن أن يؤدي فقدان الشهية النفسي إلى عدد من المشاكل الصحية الجسدية والنفسية الخطيرة. على المستوى الجسدي، يتسبب فقدان الوزن الشديد في اضطراب في التوازن الغذائي والعناصر الأساسية مثل الفيتامينات والمعادن، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات صحية مثل هشاشة العظام، فقر الدم، واضطرابات القلب. قد يؤدي الاضطراب إلى خلل في وظائف الأعضاء الداخلية مثل الكلى والكبد، مما يتطلب تدخلاً طبيًا عاجلًا.
على المستوى النفسي، يعاني الأفراد المصابون بفقدان الشهية النفسي من مشاكل مثل الاكتئاب الحاد، القلق المفرط، واضطرابات النوم. علاوة على ذلك، قد يعانون من شعور دائم بالذنب أو الخجل عند تناول الطعام، مما يزيد من تفاقم حالتهم النفسية.
العلاج والدعم
1. العلاج النفسي:
أحد أهم طرق علاج فقدان الشهية النفسي هو العلاج النفسي، خصوصًا العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT). يساعد هذا النوع من العلاج المرضى على تحديد الأفكار غير الواقعية التي تسيطر على تصورهم لجسمهم وكيفية تعاملهم مع الطعام. العلاج يهدف إلى تغيير هذه الأفكار والسلوكيات المدمرة التي تؤدي إلى اضطرابات الأكل.
2. الدعم العائلي:
دور الأسرة في علاج فقدان الشهية النفسي مهم جدًا. يجب أن تقدم الأسرة الدعم العاطفي والنفسي للمريض وتشجعه على العودة إلى عادات غذائية صحية. دعم الأسرة يمكن أن يساعد في تقليل القلق والشعور بالعزلة الذي يعاني منه الشخص المصاب.
3. التغذية العلاجية:
يعد العلاج التغذوي جزءًا مهمًا في عملية الشفاء من فقدان الشهية النفسي. يحتاج المرضى إلى توجيه من أخصائي تغذية لإعادة بناء عاداتهم الغذائية. قد يتطلب الأمر تناول وجبات صغيرة بشكل منتظم وتدريجيًا لزيادة الوزن بطريقة صحية، مع مراقبة تناول العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم.
4. الأدوية:
في بعض الحالات، قد يلجأ الأطباء إلى وصف أدوية لعلاج الاضطرابات النفسية المصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق. هذه الأدوية قد تساعد في تحسين الحالة النفسية للمريض، مما يسهم في تسريع عملية الشفاء من فقدان الشهية النفسي.
الختام
فقدان الشهية النفسي هو اضطراب معقد يتطلب علاجًا شاملاً يشمل الدعم النفسي، التغذية المناسبة، والمساعدة الطبية. إذ يعد التعامل مع هذا الاضطراب تحديًا طويل المدى، إلا أن التعرف المبكر على الأعراض والسعي للحصول على الدعم المناسب قد يسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الصحي والنفسي للمريض. من خلال العلاج الشامل والدعم الاجتماعي، يمكن للأفراد الذين يعانون من فقدان الشهية النفسي أن يتجاوزوا هذا الاضطراب ويستعيدوا حياتهم بشكل صحي ومتوازن.
