فقدان الشهية العصبي: الأسباب والعلاج

مرض فقدان الشهية العصبي: الأسباب، الأعراض، والعلاج

مرض فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) هو اضطراب نفسي يؤثر بشكل رئيسي على سلوكيات الأفراد في ما يتعلق بتناول الطعام، ويتسم برغبة شديدة في فقدان الوزن، مما يؤدي إلى سلوكيات غير صحية قد تهدد حياة الشخص. يعتبر فقدان الشهية العصبي من بين اضطرابات الأكل الأكثر شيوعاً في المجتمع الحديث، ويصيب غالباً المراهقين والشباب، وخاصة الإناث. ومع ذلك، يمكن أن يصيب هذا المرض أي شخص بغض النظر عن العمر أو الجنس.

على الرغم من أن هذا المرض يرتبط عادة بالصورة الجسدية المثالية والتوقعات الاجتماعية التي تروجها وسائل الإعلام، إلا أن الأسباب التي تقف وراء هذا الاضطراب معقدة ومتعددة، وتشمل العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب المحتملة لفقدان الشهية العصبي، أعراضه، كيفية تشخيصه، طرق علاجه، بالإضافة إلى التأثيرات الطويلة الأمد لهذا المرض على الصحة النفسية والجسدية.

1. تعريف مرض فقدان الشهية العصبي

مرض فقدان الشهية العصبي هو اضطراب نفسي يتمثل في خوف شديد وغير مبرر من زيادة الوزن، وتقدير الذات المرتبط بشكل مفرط بالشكل الجسدي والوزن. يشعر الأشخاص المصابون بهذا المرض بقلق مستمر بشأن الوزن، ويؤدي ذلك إلى سلوكيات غذائية غير طبيعية مثل الامتناع عن الطعام بشكل مفرط أو ممارسة الرياضة بشكل مفرط لتحقيق أهداف خفض الوزن. غالباً ما يترافق فقدان الشهية العصبي مع عدم الاعتراف بحجم المشكلة أو إنكار أن الحالة الصحية تتدهور.

2. أسباب مرض فقدان الشهية العصبي

تعتبر أسباب فقدان الشهية العصبي متعددة ومعقدة، ولا يوجد سبب واحد يفسر هذا الاضطراب. يمكن تقسيم العوامل التي تساهم في تطوير هذا المرض إلى:

2.1 العوامل النفسية

تعد العوامل النفسية من أكثر الأسباب تأثيراً في تطور فقدان الشهية العصبي. الشعور بالقلق أو الضغط النفسي يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في تناول الطعام. بعض الأفراد المصابين قد يعانون من مشاكل نفسية أخرى مثل القلق الاجتماعي أو الاكتئاب، وقد يكون الطعام هو وسيلة التحكم الوحيدة التي يشعرون بها للسيطرة على حياتهم.

2.2 العوامل الاجتماعية

تلعب المعايير الاجتماعية والجمالية دوراً مهماً في تطور المرض. في مجتمعات معينة، يتم التأكيد على قيمة الجسم النحيف والجمال الجسدي، مما قد يزيد من الضغط على الأفراد الذين لا يتوافقون مع هذه المعايير. الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يعززان هذا المعيار الجمالي، حيث تُعرض الصور المثالية للجسم النحيف كأمر مرغوب فيه، ما يؤدي إلى تدهور صورة الذات وزيادة القلق بشأن الوزن.

2.3 العوامل البيولوجية

تشير الدراسات إلى أن العوامل الوراثية قد تلعب دوراً في تطور المرض. بعض الأشخاص قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بفقدان الشهية العصبي بسبب جيناتهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك أدلة على أن اختلالات في كيمياء الدماغ، مثل الخلل في مستوى الناقلات العصبية (مثل السيروتونين)، قد تساهم في ظهور هذا الاضطراب.

2.4 العوامل العائلية

تؤثر البيئة العائلية بشكل كبير في تطور فقدان الشهية العصبي. في بعض الحالات، قد يتعرض الشخص لضغوط من أفراد الأسرة حول مظهره أو وزنه. بعض الدراسات تشير إلى أن وجود اضطرابات نفسية أخرى داخل العائلة، مثل القلق أو الاكتئاب، قد يزيد من خطر الإصابة بفقدان الشهية العصبي.

3. أعراض مرض فقدان الشهية العصبي

يتمثل فقدان الشهية العصبي في مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية التي تؤثر بشكل كبير على حياة الفرد اليومية. تشمل الأعراض الرئيسية ما يلي:

3.1 الأعراض النفسية

• القلق المستمر بشأن الوزن والشكل الجسدي: يشعر المريض بقلق مفرط بشأن وزنه أو شكله، وقد يصبح مركز تفكيره حول كيفية فقدان الوزن.

• إنكار وجود مشكلة: يرفض المريض الاعتراف بأن وزنه أو سلوكه الغذائي يشكل تهديداً لصحتهم.

• التحكم المفرط في الطعام: قد يتجنب الشخص الأطعمة المليئة بالسعرات الحرارية أو يمتنع عن تناول الطعام تماماً.

• الشعور بعدم الراحة بعد تناول الطعام: يشعر المريض بالخجل أو العار بعد تناول الطعام ويشعر بالحاجة للتخلص من الطعام بسرعة.

3.2 الأعراض الجسدية

• فقدان الوزن المفرط: يعتبر فقدان الوزن بشكل كبير أحد الأعراض الرئيسية لهذا المرض.

• نقص التغذية: يسبب الامتناع عن تناول الطعام نقصاً في الفيتامينات والمعادن، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل فقر الدم أو هشاشة العظام.

• اضطرابات الدورة الشهرية: غالباً ما يعاني المصابون من انقطاع الدورة الشهرية بسبب نقص الدهون في الجسم.

• تغيرات في مظهر الجلد والشعر: يمكن أن يؤدي نقص الغذاء إلى جفاف الجلد وتلف الشعر.

• برودة الأطراف: يشعر المصابون عادة بالبرد بشكل مفرط نتيجة نقص الدهون في الجسم.

4. تشخيص مرض فقدان الشهية العصبي

يتم تشخيص مرض فقدان الشهية العصبي بناءً على الأعراض السلوكية والجسدية التي تظهر على الشخص. يتم التقييم عبر المقابلات السريرية، حيث يتم طرح أسئلة حول عادات الأكل، والتاريخ الصحي، والصورة الجسدية، وأي أعراض نفسية مصاحبة. قد تشمل الفحوصات الطبية:

• فحوصات دم لتحديد مستويات الفيتامينات والمعادن.

• فحص العظام لتقييم هشاشة العظام.

• تقييم الحالة النفسية للمريض عبر أدوات قياس مثل مقياس اضطراب الأكل.

5. علاج مرض فقدان الشهية العصبي

علاج فقدان الشهية العصبي يتطلب نهجاً متعدد الجوانب يشمل العلاج النفسي، والعلاج الطبي، والتغذية المتوازنة. لا يتمكن الكثير من الأشخاص المصابين من التوجه للعلاج بمفردهم، ولذلك فإن الدعم العائلي والاجتماعي أمر حاسم.

5.1 العلاج النفسي

العلاج النفسي هو العنصر الرئيسي في علاج فقدان الشهية العصبي. يهدف العلاج إلى تغيير أنماط التفكير والسلوك المرتبطة بالقلق بشأن الوزن. من بين الأساليب المستخدمة في العلاج النفسي:

• العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد في تغيير الأفكار والمعتقدات غير الصحيحة حول الطعام والوزن.

• العلاج الأسري: يتضمن إشراك أفراد الأسرة في العلاج لمساعدة الشخص المصاب في التغلب على العوامل البيئية التي قد تؤثر عليه.

• العلاج الداعم: يركز على تقديم الدعم العاطفي والنفسي للمريض، مما يساعده على التعامل مع مشاعر الإحباط والقلق.

5.2 العلاج الطبي

قد يتطلب مرضى فقدان الشهية العصبي العلاج الطبي في حالات معينة، مثل نقص الوزن الشديد أو مشاكل صحية أخرى. قد يصف الأطباء أدوية للمساعدة في تنظيم مستويات الناقلات العصبية في الدماغ أو للمساعدة في علاج الاكتئاب أو القلق المصاحب للمرض.

5.3 التغذية والعلاج الغذائي

يعد العلاج الغذائي جزءاً أساسياً من العلاج. يهدف إلى إعادة التوازن في تغذية المريض وتحسين الحالة الصحية العامة. يجب أن يكون التوجيه الغذائي مدروساً بعناية حتى لا يؤدي إلى تفاقم الحالة. يتم تدريجياً إعادة إدخال الطعام في النظام الغذائي تحت إشراف مختصين في التغذية.

6. التأثيرات الطويلة الأمد لفقدان الشهية العصبي

إذا لم يتم علاج فقدان الشهية العصبي، فإنه قد يؤدي إلى آثار صحية طويلة الأمد، والتي تشمل:

• مضاعفات القلب: يمكن أن يؤدي نقص التغذية إلى ضعف عضلة القلب، مما يزيد من خطر حدوث فشل قلبي.

• العقم: فقدان الوزن الشديد يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدورة الشهرية وبالتالي يؤثر على الخصوبة.

• مشاكل في الجهاز الهضمي: يمكن أن يسبب سوء التغذية التهاب المعدة والأمعاء أو اضطرابات هضمية أخرى.

• الوفاة: في الحالات الشديدة من فقدان الشهية العصبي، قد يكون المرض مميتاً نتيجة للمضاعفات الصحية المتعددة التي قد تنشأ من هذا الاضطراب.

7. الخلاصة

مرض فقدان الشهية العصبي هو اضطراب معقد يعكس تأثيرات اجتماعية ونفسية وبيولوجية متعددة. من المهم أن يتفهم الأشخاص المصابون وأسرهم أن هذا المرض لا يتطلب مجرد علاج غذائي، بل علاج نفسي شامل يدعم التغيير في سلوكيات التفكير والمشاعر. لا يزال علاج هذا المرض يمثل تحدياً كبيراً في الطب النفسي، إلا أن التقدم في العلاج النفسي والطبي يوفر أملًا للعديد من المصابين.