فضل كلمتين خفيفتين في الميزان

شرح حديث: “كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان”

يعتبر الحديث الشريف: “كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم” من الأحاديث التي تبرز أهمية الذكر وأثره في حياة المسلم. في هذا المقال، سنغطي هذا الحديث العظيم بشيء من التفصيل، من خلال توضيح معانيه وأبعاده الروحية والعملية، بالإضافة إلى شرح دلالاته الأخلاقية والنفسية، فضلًا عن دوره في حياة المؤمن.

نص الحديث

الحديث هو كما رواه الإمام مسلم في صحيحه: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”. يتضمن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه هذا الوصف الذي يوضح فضل كلمتين من الذكر، وكيف أن لهما مكانة عظيمة في ميزان الأعمال الصالحة.

مفهوم الكلمتين الخفيفتين

الكلمتان في هذا الحديث هما “سبحان الله وبحمده” و”سبحان الله العظيم”. عند التأمل في معنى “خفتان على اللسان”، نجد أن هذه الكلمات سهلة النطق، يسيرة على اللسان، لا تحتاج إلى مجهود كبير لقولها. يذكر العلماء أن هذه الكلمة بمثابة تذكير للمؤمن بأن العبادة في الإسلام لا تشترط تعقيدًا أو صعوبة، بل هي سلاسة وبساطة قادرة على الوصول إلى الله عز وجل بأدنى جهد.

“سبحان الله وبحمده”

“سبحان الله وبحمده” هي جملة من الذكر الذي يتضمن التنزيه لله عز وجل مع الحمد. كلمة “سبحان” تعني البراءة والتنزيه عن كل نقص، أي أن الله سبحانه وتعالى ليس له مثيل أو شريك، ولا يجوز أن يُنسب إليه شيء من صفات النقص أو العيوب. أما كلمة “بحمده” فهي تتضمن شكر الله وحمده على نعمه العظيمة التي لا تحصى ولا تعد، وتعد هذه الجملة إحدى أعظم صيغ الذكر التي يرددها المسلمون في صلواتهم وفي جميع أوقاتهم.

“سبحان الله العظيم”

أما “سبحان الله العظيم”، فهي جملة أخرى من جمل التنزيه، لكنها تأخذ طابعًا أوسع، حيث تركز على عظمة الله سبحانه وتعالى. حيث يُنزه الله عن كل شيء ولا يُدرك بحجم أو قوة يمكن أن تساويه، فهو الله العظيم الذي وسعت قدرته كل شيء. “العظيم” هي صفة من صفات الله عز وجل التي تدل على سعة جلاله وسموّه فوق جميع المخلوقات، سواء كانت هذه المخلوقات من البشر أو من غيرهم.

أهمية هذه الكلمات في الميزان

الحديث يذكر أن هاتين الكلمتين “ثقيلتان في الميزان”. عند الحديث عن الميزان في الإسلام، يشير إلى الوزن الذي يُقاس به عمل الإنسان يوم القيامة. فإذا كانت الأعمال الصالحة في ميزان العبد ثقيلة، فإن ذلك يدل على أنها أعمال ذات قيمة عظيمة في نظر الله سبحانه وتعالى، وتُساعد على تيسير العبد في الحساب يوم القيامة.

أحد المعاني المهمة لهذه الكلمة “ثقيلتان” هو أن الذكر في حياته اليومية له أهمية كبيرة في تكوين شخصية المؤمن. إن أثر الذكر لا يتوقف عند كونه مجرد كلمات نرددها، بل يتعدى ذلك ليشمل تربية النفس، وتزكية الروح، وزيادة الإيمان. وهكذا، تصبح هذه الكلمات بمثابة رصيد ثقيل في ميزان العمل الصالح للمؤمن يوم القيامة.

حبيبتان إلى الرحمن

هذه الجملة في الحديث تدل على محبة الله سبحانه وتعالى لهاتين الكلمتين، وعلى فضل الذكر بشكل عام. عندما يُقال “حبيبتان إلى الرحمن”، يعني ذلك أن الله يحب هذا الذكر ويُقبل عليه. وهذا يشير إلى أهمية الذكر لله تعالى في كل وقت وحين، وأنه يجب على المسلم أن يكون دائمًا في حالة ذكر لله سواء في لحظات الراحة أو في أوقات العمل والتحديات.

لا يقتصر حب الله للذِّكر على كلمات معينة، بل يتوسع ليشمل جميع أنواع الذكر التي تُقال بإخلاص وتوجيه لله تعالى. ولكن، تبقى هذه الكلمتان متميزتين لما لهما من قيمة عظيمة في ميزان الأعمال.

أبعاد روحية وأخلاقية

من الأبعاد الروحية لهذا الحديث، نجد أن تكرار هذه الكلمات يمنح المؤمن راحة نفسية وطمانينة في قلبه. عندما يردد المسلم هذه الكلمات، فإنه يُذكر نفسه بعظمة الله وقدرته اللامحدودة. كما أن ذلك يُعين المؤمن على الإحساس بالقرب من الله، ويُساعده في الابتعاد عن القلق والتوتر.

إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الكلمات أن تكون وسيلة لتعزيز الصبر والإيجابية في حياتنا اليومية. فعندما تواجه المسلم صعوبة أو تحديًا في الحياة، يمكنه أن يلجأ إلى ذكر “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم” ليشعر بوجود الله معه، وليطمئن قلبه إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يملك الحلول لكل مشكلة.

العلاقة بين الذكر والإيمان

علاقة الذكر بالإيمان علاقة وثيقة، حيث يُعد الذكر وسيلة من وسائل تقوية الإيمان في قلب المؤمن. عندما يُكثر المسلم من ذكر الله، فإن ذلك يُزيد من تعلق قلبه بالله، ويُقوي روحه ويُثبتها على الحق. كما أن الذكر يساعد المؤمن على الابتعاد عن المعاصي والأعمال السيئة، ويزيد من تقواه في كل أموره.

في ضوء ذلك، يُفهم أن تكرار “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم” يُعتبر من العوامل المساعدة على بناء شخصية المؤمن، ويُساهم في تطهير قلبه وزيادة إيمانه.

تأثير الذكر على الإنسان

إلى جانب ما ذكرناه من الفوائد الروحية، يمكن للذكر أن يؤثر على حياة المؤمن النفسية. فالكلمات السهلة على اللسان تُخرج من القلب مشاعر الراحة والسكينة، وتجعل المؤمن يواجه تحديات الحياة بتفاؤل وأمل. كذلك، تُعزز هذه الكلمات شعور الرضا عن النفس، وتشجع المؤمن على الاستمرار في عمل الخير والابتعاد عن الخطايا.

إن الذكر لا يقتصر فقط على الكلمات التي تُقال، بل أيضًا على الحالة الذهنية والروحية التي يصاحبها. كما أن الذكر يساهم في تهذيب الأخلاق، ويُعلم المسلم أهمية الهدوء والصبر والتواضع في حياته.

ذكر الله كدليل على تقوى القلب

يعد الذكر من أكبر الأدلة على تقوى القلب، حيث يُقال في الحديث الصحيح: “من أحب أن يعلم ما عند الله فليكثر من ذكر الله”. فذكر الله يزيد من شعور المسلم بأن قلبه مُقبل على الله، وهو سبب في طمأنينته واستقراره النفسي. وهذه الكلمتان على الرغم من بساطتهما إلا أنهما تحملان في طياتهما معاني كبيرة، تظهر في تأثيرها العميق على قلب المؤمن.

الخاتمة

يعد حديث “كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن” واحدًا من الأحاديث التي تحمل في طياتها عميق الفائدة الروحية والمعنوية. هذه الكلمات تذكّر المسلم بجوهر العبادة وكيف أن التقوى لا تتطلب بالضرورة أعمالًا معقدة أو مرهقة، بل يمكن أن تكون في كلمات يسيرة لها تأثير عميق في الحياة الآخرة.