فضل صيام ذو الحجة

عنوان المقال: صيام ذي الحجة بالتفصيل

مقدمة

يُعَدُّ شهر ذو الحجة من أعظم شهور السنة الهجرية، حيث يجتمع فيه من الطاعات والفضائل ما لا يجتمع في غيره، وقد خصّه الله تعالى بأيام فاضلة وأعمال مباركة تتضاعف فيها الأجور، ومن بين أبرز العبادات التي حث عليها الشرع الحنيف في هذا الشهر الفضيل: عبادة الصيام، وخاصة في الأيام العشر الأوائل منه، وفي مقدمتها يوم عرفة الذي يُعد من أعظم أيام العام وأجلها قدراً. ويتناول هذا المقال بشيء من التفصيل الجوانب الفقهية، والروحية، والتاريخية المرتبطة بصيام ذي الحجة، وفضل هذه العبادة في هذه الأيام المباركة، مع بيان أحكامها ومشروعيتها وسننها وأثرها على النفس والمجتمع.

الفضل العام للأيام العشر من ذي الحجة

لقد ورد في فضل العشر من ذي الحجة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تؤكد عظمتها ومنزلتها عند الله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” [رواه البخاري].

وقد أقسم الله تعالى بها في سورة الفجر: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، وقال جمهور المفسرين إن المقصود بهذه الليالي العشر هي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة. وهذا القسم يدل على عظمة هذه الأيام وشرفها.

مشروعية الصيام في ذي الحجة

اتفق أهل العلم على أن الصيام في العشر الأوائل من ذي الحجة من الأعمال المستحبة والمرغوبة، وخاصةً لغير الحاج، إذ إنه من جملة الأعمال الصالحة التي يُستحب الإكثار منها في هذه الأيام، ويُسن صيام تسعة أيام منها، ويُستثنى اليوم العاشر، لأنه يوم عيد الأضحى، وصيامه محرم بإجماع العلماء.

أما عن يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، فصيامه سنة مؤكدة لغير الحاج، وله فضل عظيم، كما جاء في الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” [رواه مسلم].

تفصيل صيام الأيام التسعة من ذي الحجة

1. اليوم الأول من ذي الحجة

يبدأ الصيام مع دخول الشهر، وهو بداية العشر المباركة. يستحب فيه كثرة الذكر والدعاء مع الصيام، وهو افتتاح سلسلة من الطاعات المستمرة.

2-8. الأيام الثانية إلى الثامنة

يُستحب استمرار الصيام في هذه الأيام، لما لها من خصوصية ومكانة، وهي فرصة عظيمة لتكفير الذنوب ورفع الدرجات وتحقيق القرب من الله.

9. صيام يوم عرفة

يُعَدّ هذا اليوم ذروة الأيام التسعة، ويُستحب صيامه لغير الحاج، أما الحاج فيُستحب له الإفطار ليتقوى على الوقوف بعرفة وأداء المناسك. ويكفي المسلم أن يعلم أن صيام هذا اليوم يكفر سنتين من الذنوب، وهو أعظم يومٍ في السنة.

10. يوم النحر (عيد الأضحى)

لا يجوز صيامه، بل هو يوم أكل وشرب وذكر لله، كما جاء في الحديث: “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب” [رواه الترمذي].

النية في صيام ذي الحجة

النية شرط في صحة الصيام، ويجب أن تُبيت النية من الليل في صيام الفرض، أما في صيام النفل، كصيام التسع الأوائل من ذي الحجة، فيجوز أن يُنوي الصيام نهارًا إذا لم يكن قد أكل أو شرب بعد الفجر، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: “دخل عليّ رسول الله ﷺ يومًا فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذًا صائم” [رواه مسلم].

الحكم الفقهي لصيام العشر من ذي الحجة

اختلف الفقهاء في حكم صيام التسع من ذي الحجة:

• قال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة: إن صيامها مستحب، وليس واجبًا.

• أما الحنفية، فقد رجّحوا استحباب صيام يوم عرفة، وتركوا باقي الأيام دون تشديد.

والراجح هو ما ذهب إليه الجمهور، لعموم الأحاديث الدالة على فضل العمل الصالح في هذه الأيام، ودخول الصيام في عموم العمل الصالح.

صيام المرأة في ذي الحجة

يجوز للمرأة أن تصوم هذه الأيام سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، بشرط ألا يكون هناك مانع شرعي كالحيض أو النفاس. وإذا كانت المرأة متزوجة، فإن استئذان الزوج في صيام النفل من آداب التعامل، خاصة إذا كانت مسؤولة عن شؤون المنزل وكان الصيام سيؤثر على واجباتها الزوجية.

صيام الحاج في يوم عرفة

اتفق العلماء على أن الأفضل للحاج أن يفطر يوم عرفة إن كان الصيام سيضعفه عن الوقوف والدعاء. وقد ثبت أن النبي ﷺ لم يصم يوم عرفة في حجة الوداع، كما في حديث أم الفضل حين أرسلت له بشراب وهو واقف بعرفة فشرب أمام الناس.

أما إن كان الحاج قويًا لا يتأثر صيامه بأداء مناسكه، فلا بأس أن يصوم، لكن الأفضل تركه.

الأثر الروحي لصيام ذي الحجة

يتجاوز أثر الصيام في هذه الأيام المباركة الجانب العبادي، ليشمل:

• تعظيم الشعائر: فصيام العشر تجسيد لتعظيم شعائر الله، وقد قال الله: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

• تطهير النفس: فالصيام يزكي الروح ويهذب الجوارح ويعلّم الصبر والانضباط.

• تعميق العلاقة بالله: من خلال الذكر والدعاء وكثرة الأعمال الصالحة.

• التمهيد للأضحى: فالصيام يعدّ تهيئة عظيمة للاحتفاء بيوم النحر.

جدول يوضح أوقات وأحكام صيام العشر من ذي الحجة

العلاقة بين الصيام وسائر العبادات في العشر

يمتاز المسلم في هذه الأيام بجمعه بين عدة عبادات، فإلى جانب الصيام، يُشرع الإكثار من الذكر (التهليل، التكبير، التحميد)، وقراءة القرآن، والصدقة، وصلة الأرحام، والتوبة، وقيام الليل. إن تكامل هذه العبادات يُحدث أثراً عظيماً في النفس، ويُعيد صياغة العلاقة بين العبد وربه، ويدفعه نحو مراجعة ذاته وتزكية قلبه.

التحذير من الغفلة عن صيام ذي الحجة

رغم عظم أجر هذه الأيام، إلا أن كثيرًا من الناس يغفلون عنها ويظنون أن مواسم العبادة محصورة في رمضان فقط. وقد ورد عن النبي ﷺ: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” [رواه أحمد]. ومما يدل على فضلها أيضًا أن كثيرًا من السلف كانوا يحرصون على صيامها والاعتكاف فيها إن أمكن.

ختام

صيام العشر الأوائل من ذي الحجة ليس مجرد عبادة نفلية عابرة، بل هو استثمار روحي عظيم في أيام أقسم الله بها، ورفع من شأنها، وجعلها محطة سنوية لتجديد الإيمان وزيادة الحسنات، وتكفير السيئات. إنها فرصة لا تعوّض لمن أراد النجاة، فمن لم يستطع الحج، فليغتنم صيام هذه الأيام، ومن لم يستطع القيام، فليغتنم الذكر والقرآن، فهذه الأيام موسم نفحات إلهية لا يعرف قدرها إلا من تذوق لذّتها.

المراجع

1. صحيح البخاري – حديث فضل العشر.

2. صحيح مسلم – حديث صيام يوم عرفة.