فضل صيام الست من شوال

تخريج حديث “من صام رمضان ثم أتبعه”

يعتبر حديث “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر” من الأحاديث النبوية الشهيرة التي تحمل في طياتها دلالات عظيمة على الأجر والثواب. يتحدث الحديث عن فضل صيام الست من شوال بعد صيام رمضان، ويعد من الأعمال التي يُحث المسلم على فعلها في شهر شوال. وفي هذا المقال، سنتناول تخريج هذا الحديث، مع تفسيره، وبيان مكانته في السنة النبوية الشريفة، إلى جانب تفاصيل أخرى تتعلق بشروط العمل بهذا الحديث ومواضع تطبيقه.

1. نص الحديث

النص الكامل للحديث الوارد في الحديث الشريف هو:

“من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر”.

هذا الحديث يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يُشجع المسلم على صيام الستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف أن الأجر الذي يناله المسلم من صيام رمضان والستة أيام التي تليها يعادل الأجر الكامل لصيام سنة كاملة.

2. تخريج الحديث:

تخريج الحديث هو عملية فحص وتوثيق مصدر الحديث، وتحديد درجة صحته، وفي هذه الحالة، فإن الحديث عن “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال” له العديد من الطرق والروايات التي وردت عبر الأسانيد.

الحديث في كتب الحديث:

• الحديث رواه مسلم في صحيحه: في كتاب “الصيام”، باب “فضل صيام رمضان والست من شوال”، يروي الإمام مسلم الحديث عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وقد ورد الحديث في عدة كتب حديث أخرى، مثل:

  • صحيح البخاري.

  • سنن أبي داود.

  • سنن الترمذي.

  • سنن النسائي.

  • مسند الإمام أحمد.

الراوي:

الحديث عن “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال” ورد عن الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، وهو أحد الصحابة الذين نزلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الهجرة، وكان معروفًا بجهاده وفضله في الإسلام. قد أورد الحديث أبو أيوب في مسند الإمام أحمد، وكذلك في كتاب “صحيح مسلم”.

درجة صحة الحديث:

• الحديث متفق عليه: فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، واعتبره الأئمة من الأحاديث الصحيحة المتواترة التي لا شك في صحتها.

• من حديث أبي أيوب الأنصاري: التابعي الجليل الذي روى العديد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ورد هذا الحديث في عدة روايات تأكدت صحته بالإجماع بين العلماء.

3. تفسير الحديث:

يحث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على صيام الستة أيام من شوال بعد إتمام صيام رمضان. وهذا التحفيز يحمل الكثير من المعاني التي تتعلق بالثواب والجزاء على الأعمال الصالحة. في هذا السياق، سنتناول تفسير الحديث من خلال النقاط التالية:

3.1. صيام رمضان أولاً:

من المهم أن نعلم أن الحديث يشترط أولاً إتمام صيام شهر رمضان قبل الحديث عن صيام الست من شوال. فإن من أتم صيام رمضان على أكمل وجه، فإنه يستحق جزاء عظيماً من الله عز وجل. وقد أكد القرآن الكريم في قوله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”، وعلى المسلم أن يعكف على العبادة والطاعة في هذا الشهر الكريم.

3.2. الست من شوال:

الحديث يبين أن من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، كان جزاؤه كمن صام السنة كلها. تأتي هذه الستة أيام كتعويض عن بعض ما قد يعتري المسلم من نقص أثناء صيام رمضان، وتعتبرها السنة النبوية وسيلة لتعويض تلك الأيام التي قد تكون فيها بعض الفترات التي قد لا يتمكن المسلم فيها من الإتمام الكامل لعبادة الصيام.

3.3. فضل صيام الست من شوال:

حديث “كان كصيام الدهر” يدل على أن صيام هذه الأيام يعد بمثابة صيام السنة كاملة، ولا يعني ذلك أن صيامه يحل محل جميع الأعمال الصالحة، ولكن يُنظر إلى الأجر بكونه مضاعفاً من الله عز وجل. فصيام رمضان هو عبادة عظيمة تفتح أبواب المغفرة، والستة أيام من شوال تأتي كنوع من الصيام المكمل لهذا العمل.

3.4. العبرة من الحديث:

العبرة من هذا الحديث هي أن الله سبحانه وتعالى يجازي المسلم على أعماله الصالحة بأضعاف مضاعفة. إذا أتم المسلم صيام رمضان كاملاً، ثم أكمل صيامه بستة أيام من شوال، فإنه يدخل في هذا الأجر العظيم. وهذا من لطف الله ورحمته بعباده، حيث إنه يعوّض المسلم عن فترات الخلل أو النقص التي قد تحدث أثناء العبادة.

4. حكم صيام الست من شوال:

صيام الست من شوال ليس واجبًا على المسلم، بل هو سنة مؤكدة. إذ أن السنة النبوية تدعونا إلى صيام الست من شوال كعمل يتبع صيام رمضان. ورغم أنه ليس فرضًا، إلا أن الأجر الذي يناله المسلم من صيام هذه الأيام يعتبر عظيمًا، وتعتبر هذه الأيام بمثابة تكملة لصيام رمضان. وقد ذكر العلماء في تفسير الحديث أن صيام الست من شوال يُظهر اتباع المسلم للشريعة الإسلامية، واهتمامه بإتمام العبادة.

5. حكم صيام الست من شوال في الحالات الاستثنائية:

من المهم أن نذكر بعض الحالات التي قد يختلف فيها الحكم على صيام الست من شوال:

• إذا كان الصيام في حالة السفر أو المرض: في حالة كانت هناك موانع شرعية كالسفر أو المرض، فلا حرج في تأجيل صيام الست من شوال إلى ما بعد شفاء المريض أو عودة المسافر.

• إذا فاتت الأيام الست: إذا فاتت الأيام الست ولم يتمكن المسلم من صيامها في شوال، فلا حرج عليه. ولكن العلماء يؤكدون أن عليه أن يسعى لتحقيق ذلك في السنوات المقبلة.

6. فضل صيام التطوع بشكل عام:

صيام الست من شوال يُعد من أعمال التطوع التي يتقرب بها المسلم إلى الله، وهو جزء من التوجيهات النبوية التي تدعو إلى الإكثار من الأعمال الصالحة في الأوقات المختلفة من السنة. صيام التطوع، سواء كان صيام الأيام البيض، أو الاثنين والخميس، أو يوم عاشوراء، أو غيرها من الأيام المستحبة، يُعد وسيلة عظيمة للفوز برضا الله ومغفرته.

7. الخلاصة:

الحديث عن صيام الست من شوال يشير إلى أهمية إتمام الطاعات والعبادات بشكل كامل، والاستمرار في التزام المسلم بالسنة النبوية في جميع جوانب حياته. فصيام رمضان والستة أيام من شوال ليسا فقط وسيلة للحصول على أجر عظيم، بل هما وسيلة لتقوية العلاقة مع الله سبحانه وتعالى وتعزيز الإيمان.

تخريج هذا الحديث يثبت صحته في معظم الكتب الحديثية المعتمدة، وهو يحث المسلم على اغتنام الفرصة والعمل بأسباب الرضا الإلهي التي منحها الله سبحانه لعباده.